فرصة جاءتني من السماء ، كان اتصالها بي في موعده.. كدت أطير فرحا، فقد كانت تدعوني لحفل زفافها.. أخيراً أتيحت لي الفرصة لرؤية زميلات الدراسة . أعرف أخباراً طفيفة عن قليلات منهن ، والباقيات توارين خلف السنوات. ارتديت مابت أختاره ، لم أضع مساحيق.. هكذا اعتدن رؤيتي . هناك وجدت وجوها لم آلفها ، لم أجد غيري ،لحظات ولم أجدني ، أشلائي مترامية بين الحاضرين ، يداي تصفقان للراقصين ، أذناي تتوسطان السامرين، وعيناي تتابعان الداخلين والخارجين . لملمت فتات نفسي من بينهن ، باركت لزميلتي العروس ،سألتها : - لماذا لم تأت واحدة من رفيقات الدراسة؟! قالت: -دعوتهن جميعا ، ولكن أولادهن .. وأوقاتهن لا تسعهن .. فباركن لي هاتفياً . انسللت وأنا أحسب منذ متي تخرجت؟ سنوات كثيرة ،وقفت وأنا أحسب سنوات عمري ، وجدتها أكثر. سرت علي أوتار عمري أترنم، لم يبق إياي ، لم يبق سواي ، رويدا رويدا تذكرت حينما كنا حالمات، ندون أحلامنا بأزقة قلوبنا ، فكانت تتقافز أمامنا، تسبق أيامنا ، وتعاقبت السنون ، ومضت حقب ، وتخلت كل واحدة منا عن حلمها ، نسين الأنابيب و»البواتق« التي صادقنها علي مدار خمس سنوات ، وأخيرا في معملي ، استكمال »حلمي العلمي« الذي سرقني من »حلمي الأنثوي«. كنت أظنني »كوري«الثانية ...أأضع الشهادات والجوائز التي حصلت عليها في الحسبان ؟! كنت أطير فرحا عند كل جائزة ، أوعندما أهتدي لإكتشاف جديد ، لكنني لم أكن أبداً بهذه السعادة التي تطلعت إليها بوجه زميلتي العروس ، حتي إن وجهها الشاحب أصبح أكثرنضارة. توهجت بداخلي غيرة لم أعلم مكنونها، من ذي قبل لم أغبط عروسا كائنة من كانت .. ولم تحرك في ساكنا.. فكيف الآن يزلزلني عرسها؟! فتحت أدراجي أبحث عن مرآة أطالع فيها وجهي الغض الذي نسيت ملامحه ... تذكرت أن المعمل ليست به مرايا . أخرجت ورقة وقلما، حاولت عبثا أن أدون ما يختلج في نفسي ، ولكنني لا أمتلك ملكة الكتابة ، فآثرت التحليل الأولي، هكذا أفعل في المعادلات المعضلة.! الرغبة في الاستقرار+ سنوات العمر نتيجة: مهما أمتلأ يومي بالعمل فهناك دائما أوقات فراغ ..مزقت الورقة. لا أْعلم كيف أسرعت لهذه الحجرة التي تدخر بها أمي أواني وملبوسات كثيرة لجهازي؟ لم أكترث بها من قبل ، والآن للمرة الأولي أمعن النظر ، فتسرقني الأحلام لتتحول الحجرة إلي شقة أنا ملكتها، وأطفال يغدون ويجيئون ، وزوج أنتظر قدومه، أشيائي ترتب برغبتي . تطمس الأحلام حين يخفق قلبي وأنا أتلمس الأثواب ، أرتديت أحدها ، وجدتني فاتنة، وجدت إجابات لأسئلة شغلتني. لماذا يتشدق أبواي ليلا ونهارا بالخطاب الذين يتلاحقون علي ولا أعيرهم أدني أهتمام؟ التقطت القلم لأدون ملحوظة ، لكنه انسل من بين أناملي ، حين بهرني غسق الليل وهو ينزع يده من النهار كأنه رجل مسن يتواري خلف الحجب ، لكنه قبل أن يمضي لكزني لأنظر في غدي.