فتحت جريمة كنيسة القديسين بالاسكندرية جرح الطائفية في المجتمع المصري وعرضته للنور وأجبرتنا علي مواجهته، فبغض النظر عمن هو مسئول جنائيا عن هذه الجريمة، فإن هناك من حرضه وسهل له العمل وهناك مناخ عام صور له أنه سيقتل الاعداء، وبالتالي فإن المجتمع بأغلب أعضائه تتوزع عليهم مسئولية المشاركة المعنوية فيها؛ إن الأرض الخصبة التي تركنا العناصر الإجرامية تنمو فيها، تتمثل بشكل رئيسي في الجو الطائفي الذي أصبح المجتمع يعيشه بقوة، فمنذ السبعينات بدأت بمشاركة الدولة عملية إعادة بناء هويات المواطنين حول الدين، حتي أصبح أغلب أفراد المجتمع ينظرون لنفسهم من خلال دياناتهم، ويعبرون عن مواقفهم عبرها، ويفسرون معاناتهم من خلالها، ولا يفصل بين هذه الهوية المفسرة للعالم واتخاذ موقف العنف سوي خطوة صغيرة تنفجر بعدها الأشلاء. وغير صحيح تماما ما يردده يوما بعد آخر رجال الدين الرسميون عن الدين الذي يدعو للمحبة، فالهوية الدينية -وأي هوية كذلك- تتعزز فقط من خلال خلق عدو تري نفسها من خلال مواجهته، وهنا تبدو المسألة جلية "لن تكون مسلما صالحا إلا إذا تمايزت عن هؤلاء.. ثم إذا قاطعتهم.. ثم إذا كرهتم".. لتكون الخطوة التالية هي القتل والتدمير. اصبحت مواجهة قضية بناء الهوية حول الدين أكثر إلحاحا في المجتمع المصري حاليا من أي وقت مضي، فلا ينبغي أن نقبل أي عمل مهما كان بسيطا مادام يعزز هذه الهويات المتصارعة، حتي ولو من باب تعزية المسيحيين في ضحايا جريمة الإسكندرية، فالضحايا يجب أن ينظر إليهم علي أنهم بشر أولا، وليس اعضاء في طائفة، أظن أنه علي كل من يخطط للحياة الطويلة في هذا المجتمع أن يعد نفسه لمعركة وعي وممارسة يومية طويلة المدي، وربما تكون التحركات المناهضة للطائفية والتي بدأت بعد الجريمة بداية لمواجهة علي أساس إنساني لهذا التوجه خاصة وأن بها الكثير من الشباب الذين يمثلون المستقبل، والذي أتمناه بعيدا عن هذه الطائفية المقيتة .