والولد »سمسم« أحسَّ بالزهق. كلما جاء إلي قرية »بابي« »عبده البرش« أحسَّ بالزهق. يكره الولد »سمسم« قرية »بابي« وناسها وكلابها وقططها وفئرانها وشمسها وبلادتها التي لا تغيب ما الذي يدفعه في كل صيف إلي المجيء إلي هذه القرية؟ كان الولد »سمسم« قد اختنق بتراب الملل.. غاص فيه.. فسدَّ عليه حلقه.. وجعله »يهرش« في جسده. بل هو لا يحسَّ »بابي« كما تصر »مامي« علي أن يناديه.. حتي اسمه: »عبده البرش« يثير سخرية الأولاد في مدرسته الداخلية. كل شيء في القرية يطرده ويجعله لا ينتمي إليها ماله هو وهذه القرية؟! هو يعيش هناك - في العاصمة - يدرس ويقيم في مدرسته الداخلية.. وفي آخر الأسبوع يعود إلي »مامي« لتحمله في عربتها إلي الملاهي.. يركب أرجوحته ويسافر إلي الفضاء. كان الولد »سمسم« تعيسا لوجوده في القرية.. وكان الولد »شفيق« »شفشق« ابن شيخ الخفراء يحاول جهده أن يضحكه. يعمل له البلياتشو فلا يضحك. يتشقلب له فلا يضحك. كان الملل قد أخذ بخناق الولد »سمسم«.. لكن الولد »شفشق« لم ييأس.. ومضي به عابرا كوبري القرية الهزيل.. عندما مرت إلي جوارهما قطة بائسة.. ف »رزعها« الولد »شفشق« »شلوتا« أطارها.. فماءت. وضحك الولد »سمسم« فأعاد »شفشق« الكرة وضحك الولد »سمسم« تلك هي اللعبة قال: اللعبة التي تنجيه من الغرق في تراب الملل. وأسرعا الي عصاوين من الجريد الأخضر هيآهما للقطط البائسة فلتكن نهاية تلك القطط البائسة التي تذكره بوجوه الخلائق هي وجوه الخلائق مركبة علي قطط بائسة. وجوه مصفرة راكدة فلتكن المعركة بين الولد »سمسم« وبين تلك الوجوه المصفرة الراكدة. وانسابا إلي شوارع القرية وحين لمح الولد »سمسم« قطة تتمسح بالجدار.. هوي عليها بعصا الجريد.. فماءت ماءت وانقلبت ساكنة وتناثر دم وضحك الولد »سمسم« إن عليه أن ينهي علي تلك الوجوه البائسة التي تحاصره وتتطفل عليه. واندفعا إلي جسر الترعة يطاردان قطة بائسة.. وحتي لا تفلت سدا عليها الطريق »سمسم« من ناحية »وشفشق« من ناحية.. فلم تجد غير الترعة فألقت بنفسها إليها.. فترصدها الولد »سمسم« علي الشاطيء الآخر.. وهوي عليها بعصا الجريد.. فماءت ماءت وانقلبت ساكنة وتناثر دم وضحك الولد »سمسم« وعند آخر النهار تمطي الولد »سمسم« يحسب حصيلته. كم وجها بائسا قتله؟! وعندما عاد إلي قصر أبيه العمدة في المساء.. انساب في البانيو يغسل الدماء عن يديه ورجليه انساب »يبلبط« في ماء البانيو.. يجدف فيه.. ويثير الأمواج والضحكات.. ويغطس ويطلع - هناك - بعيدا - علي الشاطيء الآخر.. فتتلقفه »مامي« البيضاء.. البضة.. اللدنة.. الرجراجة.. في »روبه« القصير.. وتنزلق به »سمسمها« الي جلبابه الحريري الهفهاف.. وتلوك له قبلة.. تدسها بين شفتيه. وازدهي الولد »سمسم« تعافي. لم يعد يحس بالزهق بل انه رفع جريدته عاليا: انه لن يتراجع إلا بعد أن يضني تلك الوجوه البائسة. لكنه في اليوم التالي وهو يدير معركته من فوق كوبري القرية الهزيل.. رأي قطا أسود.. منفوش الشعر.. بادي العزم.. قادما إليه كأنما يتحداه فاستعد له وأخفي عصا الجريد وراء ظهره.. إلي أن أصبح في مرمي العصا.. فرفع العصا ليهوي بها عليه.. لكن القط الأسود.. منفوش الشعر.. بادي العزم.. دخل إليه تحت جلبابه و»قرمه« في »سمانة« رجله وانطلق هاربا.. فصرخ الولد »سمسم« ودب برجله الارض.. وبكي.. فارتعب الولد »شفشق« وأسرع إليه يسنده وهو يبكي مثله.. إلي أن أوصله إلي قصر أبيه العمدة. وهناك ضربت »مامي« البيضاء.. البضة.. اللدنة.. الرجراجة.. في صدرها.. واهتز »طقم« أسنان »بابي«. وجيء بالحلاق.. وجيء بالطبيب.. فهدأ الولد »سمسم« قليلا.. لكنه في الليل الأخير تمشت سخونة إلي جسده.. وتلاعبت علي خديه.. واستقرت برأسه.. فأخذ يخطرف: القط الأسود!! القط الأسود!! فصاح العمدة - في الصباح - بشيخ الخفراء: إن عليه أن يأتيه برأس القط الأسود. فانطلق شيخ الخفراء يعس في شوارع القرية. إلي أن عثر علي القط الأسود مرتكنا - في الظل - علي قائمتيه.. الي جدار.. فاطلق عليه رصاصة.. وجاء برأسه الي العمدة. لكنه ما ان غادر العمدة.. حتي وجد القط الأسود يتلمظ واقفا أمام قصر العمدة.. فقتله. لكنه وجده »يتمشي« عابرا كوبري القرية.. فقتله. لكنه وجده »يلعب« فوق جسر البحر - النهر - فقتله. لكنه وجده يطل عليه من أعلي.. فصعد إليه فوق السطح.. ليجد هناك قطا أسود.. وقطا أسود.. وقطا أسود. كانت القطط كلها سوداء! والولد »سمسم« يخطرف: القط الأسود.. القط الأسود! والعمدة »بابي« »عبده البرش« منكفيء علي الولد »سمسم«.. ذاهل.. لا يعرف كيف يدفع عنه ذلك الغول - السخونة - التي تكاد تقضي عليه.. انه وحيده.. وريثه.. حامل العمدية من بعده.. والذي تحمل من أجله ما تحمل: تزوج لمرات من القرية.. ومن غير القرية.. فلم يرزق بالوريث.. فأسرع إلي »مصر« يستجدي طبها.. لكن طبها أعلنه: ألا فائدة. »أنت عقيم« وهو في محنته يضرب في الشوارع علي غير هدي.. وجده داخلا إلي ملهي ليلي. وهنا رآها - بلطية الرقاصة - ولحظة أطل جسدها - في رقصة - تساقطت أحجار بداخله.. وأحس بسخونة في رجولته.. وعاد للتومجرما.. قاتلا.. ابن ليل.. أعاده الجسد اللدن.. البض.. الرجراج.. إلي ماضيه البعيد. وأصبح الملهي »متواه« يقبع فيه كل ليلة أمام »بنورة« الجسد.. تأخذه.. وتسحره.. وتلف به الدنيا. وعرض علي »بلطية« الزواج علي أن يكتب لها - الآن - نصف ما يملك.. فإن أنجبت له الولد كتب لها النصف الآخر. وذات مساء أخبرته أن ببطنها الولد وكاد يجن الولد! ولم يسأل: كيف؟! لم يستطع أمام سطوة الجسد.. وأنجبت له »بلطية« الولد.. في فيلتها التي بالعاصمة. وعاد به - وريثه - وبها - مليكته - إلي قصره الذي بالقرية.. فذبح العجول.. وفرق الفلوس.. وأطلق زخات الرصاص. بل انه رقص بالعصا الآن ثبت ملكه الآن امتدت العمدية في »سلساله« الي ولده »سمسم« والآن بعد كل ما فعل يضيع منه الولد »سمسم« من أجل قط أسود! سحقا لكل القطط السوداء انه لن يترك قطا أسود واحدا علي ظهر البسيطة وسمع مواءً في الخارج مواءً عاليا وأطل من نافذة قصيرة.. فرأي في غبشة الصباح عيونا نارية تلمع وبرق له - من بينها - وجه قططي أسود يذكر هو هذا الوجه القططي الأسود. لا ينساه أبدا وجه »عبدالحق« أخذ أرضه. وقتل أباه. فتصدي له »عبدالحق« فأصابه برصاصة لم تقتله أيكون »عبدالحق«؟! القط الأسود؟! وسمع مواءً من خلفه واستدار فرأي - مرعوبا - طفله »سمسم« رآه يموء