ما معايير الحكم علي جودة ترجمة ما؟ وكيف يمكن للمترجم المحترف أن يعرف أن الترجمة سيئة؟ الإجابة يقدمها كل من: د.بدر الدين عرودكي، المترجم السوري عن اللغة الفرنسية وأحد مسؤولي معهد العالم العربي بباريس، سمير جريس، المترجم المصري عن اللغة الألمانية، وأخيراً د.خالد رءوف المترجم المصري عن اللغة اليونانية.. كي نكون محددين أكثر، طرحنا عليهم أربعة مواضيع هي: الرجوع للنص الأصلي، الترجمة عبر لغة وسيطة، اختلاف طريقة التعبير والكتابة في اللغة الأصلية عن لغتنا العربية، وأخيراً حرية استخدام الهوامش في الترجمة الأدبية، وموقفهم من المراجعة. كيف يمكننا الحكم علي ترجمة بعدم الجودة، هل يمكن الحكم علي ترجمة ما دون العودة للنص في لغته الأصلية؟ يحكي لنا المترجم السوري د. بدر الدين عرودكي حكاية صادفته تخص الموضوع نفسه، فقد أخبره أحد القراّء أن ترجمته ل"الآخر مثلي" للبرتغالي خوسيه ساراماجو هي ترجمة سيئة! تعجب عرودكي من الموقف، فهذا القارئ لم يقرأ النص الأصلي، "لا يمكن الحكم علي ترجمة إلا من خلال المقارنة بالنص الأصلي". ويتابع المترجم الحكاية: " يخيل إليّ أن القارئ بني حكمه علي الروايات التقليدية، التي يظهر فيها الحوار بين الشخصيات بصورة واضحة". بينما الرواية المقصودة تعتمد علي عدة مستويات من حوار يصدر عن صوت واحد إنما في عدة طبقات.. وهذه الطبقات تصدر من خلال شخصيات وكأنها في حوار.. هكذا لم يلتفت القارئ إلي الدعوة في أول الكتاب المترجم للانتباه إلي أن الجمل المكتوبة بالبنط الأسود تعبر عن طبقة مختلفة من الحوار. يقول عرودكي : " إذا كانت الرواية صعبة، ولم تكتب في لغتها الأصلية علي النهج الكلاسيكي، سيكون الحكم أن الترجمة سيئة".. هكذا حكم قارئ علي ترجمة بأنها سيئة لأنه لم يفهم أسلوب ساراماجو في البناء، ولا أسلوبه الساخر في التعبير. أسأله عن معايير أخري للترجمة السيئة غير رفض القارئ للكتابة الجديدة؟ فيقول أن الحكم علي الترجمة لابد أن يكون من جانب المتخصصين، وليس القراء، لأن الحكم- كما أوضحنا سابقا- يتطلب الرجوع إلي النص الأصلي. في هذه الحالة لابد أن يكون الحكم هل برع المترجم في نقل "العطر الخاص للنص الأصلي" إلي النص المترجم. بينما يري المترجم سمير جريس أن سلاسة أسلوب النص العربي هي المعيار الأساسي للحكم علي جودة الترجمة. حينما يقارن جريس بين ترجماته للقصص الألمانية في منتصف الثمانينيات، وترجماته الحديثة يجد أنه صار مهتماً بشكل النص العربي "أريد أن يكون النص مكتوب جيداً نحويا وأسلوبياً، وأملساً، كأنه نص أدبي عربي، وليس نصاً مترجماً، فطموح المترجم أن يضيف إلي أدب اللغة المترجم لها "..لهذا يعتبر جريس أن السلاسة الأسلوبية معيار جيد للترجمة، لكن "ذلك لا ينفي احتمال وجود أخطاء في الترجمة نفسها".. أقول له وما معيارك للحكم؟ فيجيب قائلا: "لابد من الرجوع للنص الأصلي للحكم علي الترجمة، حتي نعرف إذا كان قد حدث حذف أو إضافة مثلا"، ويختلف د.خالد رءوف عن المترجمين السابقين فيما يخص رأي القارئ حيث يقول: "أغلب القراء المتمرسين لديهم مفاضلات بين المترجمين والترجمات، ذلك دون معرفتهم باللغة المترجم عنها بل عبر اللغة العربية يستطيعون أن يحكموا في أحيان كثيرة علي جودة الترجمة ويجب أن لا نستهين بهؤلاء القراء بحجة أنهم لا يعرفون اللغة المترجم عنها وحتي علي مستوي القارئ غير المتمرس، تجد أحياناً صعوبة في تلقي نص ما.. في كثير من الاحيان كي لا أقول أغلبها يكون السبب عيبا في الترجمة." لهذا يري خالد الترجمة لابد أن تكون "نسخة بالعربية تحمل نفس الأفكار الموجودة دون تحوير أو إضافة أو فذلكة المترجم أو أي تدخل لا تقتضيه الترجمة. إذا لم يحدث هذا فالترجمة في رأيي سيئة". أسأله عن معايير الحكم؟ فيجيب: " من جودة النص المترجم إليه طبعاً ومن الرجوع للنص الأصلي في نفس الوقت هما شقان لا يمكن التخلي عن أي منهما في رأيي
إمكانية وجود ترجمات سيئة تتزايد في ترجمة النصوص التي تنتمي إلي ثقافات لا نملك مترجمين متخصصين بها وبآدابها، لهذا يبدو معيار الترجمة من اللغة الأصل مباشرة معيارا للجودة، لكن د.عرودكي يختلف مع هذا الرأي حيث يقول "لا يهمني علي الإطلاق ان تكون الترجمة مباشرة أم عن لغة وسيطة.. بل إن ما يهمني محاولة نقل النصوص بحيث يستطيع القارئ العربي أن يطلع علي النصوص بالدقة التي تتوافر لقارئ اللغة الأصلية." ومن جانبه لا يري جريس أن الترجمة عن لغة وسيطة شرطاً لتكون الترجمة سيئة، ويوضح "هو أمر غير مستحب بالنسبة لي"، ولكنه يوضح أنه لا مفر منه، خاصة في ظل قلة المترجمين. في حالة ترجمة الشعر مثلاً _والكلام لجريس- لابد أن يكون المترجم شاعراً، أو علي أقل تقدير ملماً بالصنعة الشعرية، لهذا يعتبر أن ترجمة الشعر الألماني عن الفرنسية أو الإنجليزية، "حل جيد لحين وجود مترجم فذ ينقل لنا النص مباشرة من لغة كتابته"، أي أنه يعتبر الترجمة عن لغة وسيطة ترجمة جيدة بشكل مؤقت! أما رءوف فيرفض الترجمة عبر لغة وسيطة، حيث يقول: " أنا من أشد المتحيزين للترجمة عن اللغة الأصلية لأنه يجنبنا الكثير من مشاكل وعيوب الترجمة ولدينا أمثلة كثيرة لاتعد ولا تحصي من الترجمات المتداولة عن لغة وسيطة ويمكن رؤية ذلك بسهولة إذا كانت هناك ترجمة أخري عبر لغة أصلية. فتخيل أنك ترجمت نصاً من البولندية إلي الأسبانية وترجمه آخر من الأسبانية للعربية هذه الرحلة الطويلة ستتضمن خسائر أحياناً تكون باهظة، وضرائب يدفعها القارئ".ويتابع :" أذكر كلمة أحد الأصدقاء الذي كان يقول أننا ضحية تراجم سيئة ونقد سيئ وإذا ابتعدنا عن الأعمال الأدبية إلي الفكر والنقد والعلوم. الخسائر من الترجمة الرديئة تكون أكثر فداحة لأنك هنا تنقل مفاهيم وأفكار ومصطلحات.. هناك الكثير من المصطلحات -والألفاظ حتي- تتردد في أحاديثنا وكتاباتنا الثقافية مترجمة بالأصل بشكل خاطئ ولكنها ترسخت في وجدان المثقفين والمبدعين فلك أن تتخيل حجم الكارثة."
غرابة التعبير، أو الصور البلاغية في اللغة الأصلية قد تسبب نوعاً من عدم الفهم للعمل الأدبي المترجم، سألنا المترجمين عنها في البداية أختلف د.عرودكي مع رأي جريس في كون النص المترجم يعد إضافة للغة المترجم إليها، حيث يقول :" لا بد للترجمة أن تبدو كترجمة، بمعني أن تنقل الصور البلاغية كما هي، علي الرغم من أنها قد تكون غريبة علي قارئ العربية.. من خلال تراكم هذه الصور البلاغية هو الذي سينقل أسلوب بلاغي مختلف إلي لغتنا، وبالتالي سيتعرف القارئ علي عناصر مهمة في الثقافة الأصل". بينما أكد جريس أن النص المترجم لابد أن يكون نصاً مقبولاً بالنسبة لقراء الأدب العربي، بمعني أن يبدو منتمياً من حيث طريقة الكتابة الاسلوبية للأدب العربي، إلا أنه يشترط جودة الترجمة في إمكانية نقل الجو الثقافي للنص الأصلي كذلك، ويوضح "لابد أن ينقل جوا ثقافيا معينا، حتي لو كانت هذه الثقافة عربية علي القارئ العربي"، هكذا يعتبر جريس أن معيار جودة الترجمة في هذه الحالة "أن تضع القارئ في سياق ثقافي جديد عليه". أما خالد رءوف فيري أن المترجم لابد أن تتوافر له المعرفة التامة بثقافة وتاريخ وعمق اللغتين المترجم منها وإليها لابد للمترجم أن يدرس ويخمر."قبل الشروع في عملية الترجمة عن الكاتب والكتاب وتاريخهما وموضوع الكتاب والفترة الزمنية المكتوب فيها والإلمام بتطور اللغة ذاته وأساليبها، مع الاهتمام الكامل بأسلوب الكاتب نفسه.
إذا كنا نعتبر الترجمة عملية أوسع من نقل نص أدبي لكاتب ما، بمعني أنها نقلاً للثقافة التي يعبر عنها، فإن الكلام عن الهوامش الكاشفة لهذه الثقافة، والموضحة لما يقصده الكاتب في لغته الأصلية يبدو ضرورياً.. هكذا أعلن د.عرودكي أنه ضد الهوامش. علي اعتبار أن عملية الترجمة نفسها ستحقق هذا المطلب.. كما أوضح أنه يرفض فكرة مراجعة مترجم آخر للنص المترجم ويقول:" أوافق علي المراجعة إذا كانت قاصرة علي المراجعة اللغوية فقط، لأنك إما أن تكون مترجماَ او لا تكون". لهذا سألته عن أسباب غياب الهوامش التوضيحية في ترجمته لثلاثية فن الرواية لميلان كونديرا، خاصة أن أغلب الكتاب الذين تكلم عنهم كونديرا غير معروفين للقارئ العربي؟ فقال :" في هذه الحالة أكون قد أخطأت، فعلي المترجم أن يعرف القارئ بهؤلاء الكتاب المجهولين في ثقافتنا العربية" . يعتبر سمير جريس أن الهوامش سلاح ذو حدين، حيث تنقل السياق الثقافي للعمل وللغته الأصلية، بينما وجود العديد منها يؤدي إلي خروج القارئ من جو العمل.. ويوضح جريس "انزعجت كثيرا من ترجمة أستاذي مصطفي ماهر للعاشقات لألفريدة يلنيك، لكثرة الهوامش بها، وتكرار المعلومات نفسها ببعض الهوامش، لهذا لم أعد أضع الهوامش أسفل الصفحة، بل صرت أضعها في نهاية الكتاب". رءوف لم يحدد موقفاً من الهوامش، لكنه لم يرفض عملية مراجعة الترجمة، حيث يقول:" المراجعة يمكن أن تساهم في خروج الترجمة خالية من الأخطاء رغم أعتراضي علي اللفظ أو العبارة" خالي من الأخطاء".