التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    «أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    انخفاض كبير ب«حديد عز» الآن.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 7 يونيو 2024 بالأسواق    عيار 21 اليوم الجمعة 7 يونيو.. كم سجل سعر الذهب في مصر بعد الارتفاع الأخير؟    الحكومة تنفى تقليص مخصصات قطاع الصحة بالموازنة الجديدة 2024/2025    المشاط تبحث مع وزير التنمية الأذري ترتيبات انعقاد اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي في الربع الأخير من العام الجاري    بورصة الدواجن اليوم بعد الانخفاض.. أسعار الفراخ البيضاء والبيض الجمعة 7 يونيو 2024    العمل الدولية: معدل البطالة في قطاع غزة بلغ 80%    موعد مباراة الاتحاد والأهلي في نهائي دوري السوبر لكرة السلة والقناة الناقلة    أولى صفقات ماريسكا.. تشيلسي يعلن تعاقده مع المدافع توسين أدارابيويو    ضبط مخدرات قيمتها 2 مليون جنيه بالإسكندرية    تعليم بنى سويف: الانتهاء من جميع الاستعدادات لعقد امتحانات الثانوية العامة    عايدة فهمي ناعية المخرج محمد لبيب: رحل الخلوق المحترم    يا رايحين للنبي الغالي.. الأغنية المصرية على موعد دائم مع بهجة الحج    اليوم.. سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام في برنامج بالخط العريض    بعد رؤية هلال ذي الحجة.. موعد وقفة عرفات 2024 وأفضل الأعمال المستحبة    في ختام فعاليات المؤتمر الدولي الثالث والمعرض الطبي الإفريقي "صحة" إفريقيا" Africa Health ExCon 2024    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قرية جلالة بالضبعة    صدمته سيارة مسرعة.. الاستعلام عن صحة شخص أصيب فى حادث مروري بالهرم    خلال ساعات.. تعرف على موعد نتيجة الشهادة الإعدادية فى محافظة قنا 2024    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى المنيب دون إصابات    استجابة لأهالي الحي السابع.. إزالة إشغالات مقهى بمدينة نصر    الأيرلنديون والتشيكيون يتوجهون لمكاتب الاقتراع في ثاني أيام انتخابات البرلمان الأوروبي    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    تموين الإسكندرية تشكل غرفة عمليات لمتابعة توافر السلع استعدادا لعيد الأضحى    محمد صابر عرب: أهم ما نملكه التراث وعملت 20 سنة في إدارة وتطوير مؤسسات ثقافية    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    مسئولة فلسطينية: الموت جوعا أصبح حالة يومية فى قطاع غزة    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    داعية إسلامي: أبواب الخير كثيرة في ذي الحجة ولا تقف عند الصيام فقط    «الصناعات الهندسية» وجامعة بورسعيد يبحثان تأهيل الطلاب لسوق العمل    زيلينسكي: الحرب الروسية ضد أوكرانيا نقطة تحول في تاريخ أوروبا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    تعرف على فضل صيام التسعة أيام الأوائل من ذي الحجة    ذا جارديان: "حزب العمال البريطانى" قد يعلن قريبا الاعتراف بدولة فلسطينية    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    خبراء عسكريون: الجمهورية الجديدة حاربت الإرهاب فكريًا وعسكريًا ونجحت فى مشروعات التنمية الشاملة    الإسكان: تم وجارٍ تنفيذ 11 مشروعًا لمياه الشرب وصرف صحى الحضر لخدمة أهالى محافظة مطروح    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    «الدائرة الإفريقية».. شراكة من أجل المستقبل    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    عيد الأضحى 2024| أحكام الأضحية في 17 سؤال    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    إبراهيم حسن: الحكم تحامل على المنتخب واطمئنان اللاعبين سبب تراجع المستوى    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يري أن مهمة الناقد الحقيقية لا تكمن في محاكمة النصوص
د.محمد الشحات:النقد قد يزيد من عزلة الأدب!
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 07 - 2016

الدأب أهم ما يميز الناقد محمد الشحات. والهدوء والدماثة أبرز ملامح شخصيته، أما كتاباته فتجمع بين العمق الأكاديمي الذي يشرح ويحلل أبعاد النص ويبرز جمالياته، والبساطة الصحفية التي تسمح لشرائح كبيرة من القراء بالاستمتاع بالدرس النقدي، لذا فهو يعد الآن أحد أبرز النقاد علي الساحة الأدبية ليس في مصر وحدها بل في الوطن العربي أيضا.
صدر للشحات من قبل "بلاغة الراوي: طرائق السرد في روايات محمد البساطي" و»سرديات المنفي: دراسة في الرواية العربية بعد عام 1967« و"سرديات بديلة" ومؤخرا أصدر كتابه الأحدث "هوامش ثقافية" ويعتبر تجربة جديدة ومختلفة لكاتبه، ففكرته كما يري هو نفسه لا تكمن في تدشين بعض المقولات النظرية الحداثية المتداولة بين النقّاد والباحثين المعاصرين المشتغلين بنظرية الأدب والنقد، ولا إلي استعراض مهارة في تفكيك النصوص الإبداعية وتحليل المفاهيم الثقافية والنقدية، ولا إلي مداعبة خيال القارئ برطان اصطلاحي متناغم ومفاهيم متناسبة واستعارات ملوّنة وتأويلات مراوغة، ولا حتي إلي تأسيس كتابة نقدية تطبيقية تقدّم طرائق جديدة واستراتيجيات مغايرة في التعامل مع نصوص الأدب والفن. لكن الكتاب، ببساطة شديدة، هو مجرد كتابة حرّة تشتغل في المنطقة البينيّة، البرزخية، التي تتوسّط المسافة بين النقد والإبداع والترجمة والتأمّلات، والشطح في بعض الأحيان.
هنا يتحدث الشحات أكثر عن الكتاب وعن الإبداع المصري والعربي وعلاقته بالنقد بشكل عام.
- يتّهم الناقد العربي بأنه يحاكم النصوص بمعايير ونظريات أجنبية في ظل غياب نظرية نقدية عربية..كيف تنظر لهذا الأمر؟
مهمة الناقد الحقيقية في رأيي لا تكمن في محاكمة النصوص بمعايير ونظريات غربية أو شرقية، صينية أو كورية أو يابانية، بل الأهم هو أن يمتلك جهازا مفاهيميا، يستطيع من خلاله استقراء، وتحليل، وتأويل، وتقييم مختلف النصوص، الكلاسيكية أو الحداثية أو ما بينهما. وبما أننا نحن الباحثين والنقاد العرب لسنا منتجين للنظريات النقدية الحديثة، وإسهامنا فيها هو مجرد إسهام محدود للغاية -رغم كونها، في نهاية المطاف، منتجا بشريا وإنسانيا عاما، لا تختص به ثقافة دون أخري- فإن جهد الناقد العربي الأكبر، في وجهة نظري، يتمثل في ضرورة التعرّف الدقيق إلي مدوّنة الأدب العربي، شعرا ونثرا، سردا ومسرحا، نصوصا مغلقة ونصوصا مفتوحة و"لا نصوص" أيضا. وما لم يستطع الناقد العربي المعاصر تشكيل جهازه المفاهيمي الواعي بحدود النظرية وخبرات الممارسات القائمة عليها أو حولها، والذي يراعي خصوصية النص العربي وخصوصية لغته وأساليبه وتراكيبه وإحالاته ورموزه، جنبا إلي جنب خصوصية مرجعياته وثقافاته والتاريخية، فإن خطابه النقدي لن يعدو كونه اجترارا لأفكار ومفاهيم نظرية "مستلبة"، مغتربة، يصعب استنباتها في التربة العربية، فضلا عن كونه -أي هذا الناقد أو ذاك- سوف يسهم من حيث يدري أو لا يدري، في ازدياد الفجوة الحاصلة بين النقد الأدبي والجماهير، وسوف يزيد من حيث يجهل أو يعلم في عزلة الأدب عن الناس والحياة والمجتمع. وهنا مكمن الخطر الفادح القاتل. موت النظرية، ثم موت النقد والناقد، ثم موت الأدب ذاته!
- هذا يجرّنا لأزمة النقد التي خصّصت لها أحد فصول الكتاب، تشير إلي عجز النقد عن مسايرة المطروح وجذب قراء جدد، لكن في الوقت نفسه هناك دلائل كثيرة علي زيادة نسب القراء، قياسا إلي سنوات مضت، فهل للنقد أي دور في هذا؟ أم أنك لا تري أي تحول في نسب القراء من الأساس؟
بالفعل، تطلّ علينا يوميا عشرات الكتب والمطبوعات التي تشمل مجالات الفنون والثقافة المختلفة (من شعر وقصة ورواية ومسرح ونصوص فكرية وتاريخية وسياسية،.. إلخ) عبر نوافذ صفحات المتابعات وعروض الكتب والإعلانات في الجرائد والمجلاّت المتراكمة فوق أرصفة ونواصي المدن العربية المختلفة. وعلي الرغم من ذلك، فثمة إحساس، مرتبط بدلائل وإحصاءات واقعية، يشير إلي ضعف الحراك النقدي الذي تعيشه الثقافة العربية المعاصرة في السنوات الأخيرة. فالحركة النقدية العربية بصفة عامة، والمصرية علي وجه الخصوص، لم تستطع مواكبة التحولات النّوعية - كمًّا وكيفًا- التي تفرزها النصوص الجديدة من تقنيات مختلفة وعوالم وفضاءات وأنماط شخصية وأساليب كتابة بالغة الجرأة والمغايرة. وهي نصوص تحتاج إلي أجيال من شباب الباحثين والدارسين والنقّاد "الجدد" -لا بالمعني العمري فقط، بمعني الوعي الجديد، والذائقة المغايرة، ابنة عصر الصورة وثقافة الحداثة، والنصوص الحرة- حتي يستطيعوا رصد معالم الخارطة الإبداعية الجديدة التي تسعي إلي إحداث تغيير جذري في مفاهيم كنّا نظنّ أنها راسخة وأبدية ك"الفنّ" و"الأدب" و"السياسة" و"الحرية"،.. وما يتصل بها علي مستويي الإنتاج والاستقبال.
ومع ذلك، فازدياد نسب القرّاء في هذا القطر العربي أو ذاك لا علاقة له مطلقا بازدهار حركة النقد العربي، فليس كل ما يُنشر ينتمي إلي الأدب الجيد أو الفن الجيد أو الفكر المتقدّم أو الثوري أو النهضوي أو التنويري،.. إلخ. فالنقد مساءلة واعية لحركة النصوص والكتب وتاريخ الأفكار وعلاقة الإنسان بالعلم والنظرية والفلسفة والدين،.. وغير ذلك. لذا، فتكوين الناقد الجيد، المستنير، تكوين مرهق، مُكلِف، يحتاج إلي مؤسسة أو بيئة حاضنة تتمتع بالحرية السياسية والانفتاح الثقافي والمعرفي علي الحضارات والثقافات والآداب المجاورة. ولا أظن أن بلداننا قد استطاعت التخلص من القمع السياسي والكبت الديني والقضاء علي الفقر والبطالة وتغوّل العشوائيات المتوحّشة، وانتشار أشباه المدن الشائهة، المعلّبة، والمسيّجة، بما يحمي الأثرياء من ثورة الجياع؛ لا أظننا قد تخلّصنا من ذلك كله، حتي ندّعي أننا أصبحنا نمتلك حراكا نقديا مؤثّرا في المشهد الثقافي والسياسي المصري أو العربي أو العالمي.
- قلت بكتابك أن السردية العربية سوف تنحرف انحرافا كبيرا بعد ربيع الثورات العربية؛ هل حدث هذا فعلا؟ أم لازال في طور التشكل؟
أظن أن ثمة إرهاصات وعلامات دالّة بدأت في الظهور، خصوصا مع بعض السرديات أو المرويات المصرية التي راحت تسائل مفهوم "الثورة"، وتبحث عن أفق جديد ينطوي علي بعض الحرية وبعض العدل الاجتماعي. ويمكن أن نذكر هنا بعض الروايات الصادرة حديثا؛ من قبيل "جبل الزمرد" لمنصورة عز الدين، "فتاة الحلوي" لمحمد توفيق، "جبل الطير" لعمّار علي حسن، "البحث عن دينا" لمحمود الورداني، "خمّارة المعبد" لبهاء عبد المجيد، وغيرها من الروايات التي اتخّذت هذا المسار بشكل أو بآخر. من المعلوم بالضرورة أن ثورة الواقع قد تسبق ثورة الآداب والفنون. لكنّ الشيء المؤكد أن ثورةً أو تمرّدًا أو انتفاضة جرت أحداثها علي الأرض، هنا أو هناك، سوف تغذّي خيال الكتّاب والمؤلّفين، مبدعين ونقّادًا ومؤرّخين؛ لإعادة وصل ما انقطع، تعسّفا، من روابط بين الآداب والفنون من ناحية، والمجتمع والتاريخ والإنسان من ناحية أخري. وأتوقّع حدوث الحركة ذاتها في بعض السرديات الأخري التي عانت مرارة التحولات الثورية والانتفاضات الجماهيرية والشعبوية، مثل العراق، وتونس، وليبيا، وسوريا، واليمن،.. وغيرها.
- كيف تفرّق بين الكتابة النسائية والنسوية؟ وكيف ترصد رواية المرأة وتطورها في هذا الإطار؟
إن الاصطلاح القائل بأدب نسائي، لا "نسوي"، يُشار به إلي كل ما تكتبه المرأة المبدعة من نصوص، بغضّ النظر عن مدي ملامسته قضايا المرأة أو الدفاع عن حقوقها أو الشكوي والتمرّد ضد قيم الذكورة أو الرجولة. أما "الأدب النسوي" فهو مفهوم يستغرق -بمصطلح المناطقة - كل ما تكتبه المرأة فيما يتصل بالدفاع عن قضاياها الاجتماعية أو القانونية أو السياسية، ويمسّ خصوصيتها، ويتمثّل كيانها المهمّش، مقارنةً بهيمنة الرجل، وسطوة قيم الذكورة السائدة. إنه بمثابة محاولة جادّة، صارخة، من المرأة لتغيير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن طريق العمل الجماعي المنظّم، الذي يهدف إلي تغلغل الخطاب النسوي في آليات التفكير علي مستوي الحياة اليومية. فالأنثوية Femininity، أو النسائية، أمر بيولوجي، أما "الأنوثة" فتنبع من التراكيب والتصورات الاجتماعية. وكما تقول سيمون دي بوفوار في كتابها (الجنس الثاني) إن "المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة". فالأنوثة مجموعة القواعد التي تحكم سلوك المرأة ومظهرها، وغاية القصد منها جعل المرأة تمتثل لتصورات الرجل عن الجاذبية الجنسية المثالية. بينما مصطلح "النسوية Feminist" يشير إلي كل من يعتقد أن المرأة تحتلّ مكانة أدني من مكانة الرجل، خصوصا في تلك المجتمعات التي تضع الرجال والنساء في تصنيفات اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية متباينة وغير موضوعية ومنحازة سلفا ومؤدلجة.
لقد قدّمت نظريات السيرة الذاتية النسائية أسئلة كثيرة حول مفهومي الهوية والذات، كما أكّدت معظم هذه النظريات اختلاف علاقات التأليف تاريخياً بين المرأة والرجل، مثلما تشير نانسي ميلر Nancy Miller، التي تري أنّ فعل ما بعد الحداثة الذي يُميت المؤلفين لا يمكن تطبيقه علي المرأة؛ إذ يمتنع سؤال المؤسسة بالنسبة لهن؛ لأن النساء ليس لديهن علاقة الهوية التاريخية ذاتها مع الأصول والمؤسسات، في مقابل تلك التي حصل عليها الرجل عبر حقب تاريخية متعاقبة.
- تقول: لا يمكن الزعم أن هناك أدبا رجوليا خالصا وآخر نسائيا، ثم تتحدث في مواضع أخري عن "الأدب النسائي الخليجي" أو "الإبداع النسائي" أو "أدب الخليج" كيف يمكن التعميم في أمور كتلك؟
لا أري تعارضا بين العبارتين. فالقول بأدب رجولي وآخر نسائي كلام غير دقيق من الناحية العلمية أو الاصطلاحية. أما القول بأدب ذكوري وآخر نسوي فهو كلام في غاية الأهمية. وعلينا أن نفرق بين المنظورين. فالأدب عموما لا هوية جنسية له، أما محمولات الأدب، وانحيازات المؤلفين والكتّاب، فهي ما يجعلنا نفرق بين أدب عنصري ينحاز إلي قيم الذكورة وهيمنة الرجل علي طول المسار، وهو انحياز أعمي في الغالب الأعم، وتكريس لوهم الفحولة المطلقة، وآخر "نسوي" -بغضّ النظر عن جنس مؤلفه، رجلا كان أو امرأة أيضا- يسعي إلي إعادة موضعة المرأة في سياقها التاريخي والثقافي الذي هي به جديرة، ويساعد في رفع ما تعانيه من أشكال الهيمنة والبطرياركية والظلم الاجتماعي والديني والتهميش الطبقي والقانوني في بعض الأحيان. لذا، فلا يمكن الزعم ببساطة أن هناك أدبًا رجوليًّا خالصًا وآخر نسائيًّا نقيًّا، أو أدبًا ذكوريًّا وآخر أنثويًّا، أو أدبًا خشنًا وآخر ناعمًا، إلي غير ذلك من مسمّيات يغلب عليها الطابع الصحافي البرّاق أو السطحي في كثير من الأحيان. وكما أن الرجل هو الأقدر علي تشييد سرديّته أو دراميته أو شعريته التي تنطلق من هموم بني جنسه، فإن المرأة ذاتها هي الأقدر علي التعبير عن مشكلاتها الخاصة والقادرة علي إطلاق صرخاتها، والبوح "روائيا" أو "دراميا" أو "شعريا" بما لم يستطع الرجل تمثيله جماليا، أو كتابته في نصوص أدبية راقية يحاول فيها كل مؤلّف/ رجل (سواء كان رواياً أو شخصيةً من الشخصيات أو رمزا أو استعارة أو قناعا دراميا) أن يتمثّل وجهة نظر المرأة (الأنثي، الحبيبة، الأم، الأخت، الزوجة، .. إلخ). والعكس صحيح أيضا بالقدر نفسه. لكنّ الاصطلاح القائل بأدب نسائي لا "نسوي"، مصري أو خليجي، يُشار به إلي كل ما تكتبه المرأة المبدعة من نصوص، بغضّ النظر عن مدي ملامسته قضايا المرأة أو الدفاع عن حقوقها أو الشكوي والتمرّد ضد قيم الذكورة أو الرجولة، كما أشرت سابقا.
- في السياق نفسه، كيف تفرض التقسيمات الجغرافية نفسها علي موضوعات الأدب؟
التقسميات الجغرافية جزء من عملية التصنيف التي يقوم بها الباحث أو الناقد، ضمن عمليات عدة من فرز وإحصاء وتفسير وتحليل وتأويل وتقييم وتأريخ، .. وغير ذلك. ومثل هذه التقسيمات لا تكتسب أي شكل من أشكال أحكام القيمة أو التمييز الفني أو الجمالي بين منطقة جغرافية أو أخري. في نهاية القرن التاسع عشر مثلا، عُرِفت الرواية العربية في بلدان بعينها مثل مصر وبلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين)، وظل الوضع هكذا إلي بداية الحرب العالمية الثانية (1939). وظلت الرواية المصرية رائدة الرواية العربية حتي فترة الستينيات، مع نجيب محفوظ وعدد كبير من كتّاب الستينيات. لكن المشهد الروائي العربي قد تغيّر كثيرا، وتباينت مراكز القوي تباينا لافتا للنظر، ولم تعد الرواية الخليجية، مثلا، بمنأي كبير عن هذه الطفرة الإبداعية الهائلة في توظيف التقنيات الكتابية وطرائق السرد وتمثيل الوعي الجمالي والثقافي، فأصبح ثمة حضور كبير للرواية السعودية والكويتية والعمانية لا يمكن تجاهله بحال من الأحوال.
- علي ذكر الرواية الخليجية، تناولت في الكتاب رواية المرأة السعودية وهي في نظر كثيرين أصبحت لغزا حيث ظهرت فجأة وأحدثت صدي كبيرا ثم توارت تماما كأن لم تكن..
أتفق معك مبدئيا، علي الأقل، في كون رواية المرأة السعودية تمثل وضعا محيّرا، لا بالنسبة إلي النقّاد فحسب، بل إلي كل من يري حركة الأدب والفن في صعود دائم وازدهار متنامٍ. ولو كان الأمر كذلك، لأصبحت الرواية المصرية الآن هي الرواية العربية الأولي دون منازع. والأمر، في حقيقته بالنسبة إلي من يستقرئ المشهد الروائي العربي، محل نقاش واختلاف. ومن جهة أخري، فالمجتمع السعودي ذاته، مشدود منذ زمن بعيد بين قطبي الحداثة والأصولية، ولا يزال متأرجحا بين هاتين الموجتين، ومعه حركة الأدب والرواية السعودية كذلك. إنه لم يحسم أمره بعد، ولم يقرّر: إلي أي القطبين يسير؟
وفي هذا السياق، كلنا نتذكر أنه منذ أن صدرت رواية "بنات الرياض" (2005) لرجاء عبد الله الصانع، وكيف أنها حققت نجاحا ملحوظا علي مستوي التوزيع والانتشار، حيث تبعتها الكثير من الروايات التي يتضمن عنوانها كلمة "الرياض" مثل: "بنات الرياض: الصورة الكاملة" لإبراهيم الصقر، وروايات أخري من قبيل: "شباب الرياض" و" نرجس في الرياض".. إلخ، ثم تحول الأمر إلي استعارة توازي كلمة "السعودية"، بوصفها اسما تجاريا مُسّوَّقًا عربيا وغربيا، من قبيل: "سعوديات" و"حب في السعودية"، وغيرها من عناوين تؤّكد كون هذه النصوص -في الغالب الأعم- نصوصا تجارية تشتغل علي ثيمات الإثارة والغرابة أو الصدمة المعرفية، ويكتبها عادة مؤلّفون مجهولون، أو يكتبها كتّاب مبتدئون بأسماء مستعارة، وبنزوع رومانسي غالبا، للتخفّف من وطأة الرقابة علي الذات والهروب من سلطة الأسرة والقبيلة والمجتمع. ربما لم تكن رجاء الصانع -عندما شرعت في كتابة "بنات الرياض"- تتوقع كل هذا الانتشار الإعلامي والصخب الفكري الذي شملت أصداؤه كثيراً من بلدان الوطن العربي، كما لم تكن تتوقع أيضا أن تكون روايتها بداية الانطلاق لعهد جديد من الرواية النسائية السعودية، لا سيما مع توارد الروايات والإصدارات (الناجحة علي الأقل من الناحية التسويقية) مثل رواية "ملامح" للروائية زينب حفني. ولعل قارئ "بنات الرياض" لرجاء الصانع أو"ثمن الشوكولاتة" لبشائر محمد، أو "القران المقدس" لطيف الحلاج، أو مجموعة "فتاة البسكويت" لزينب علي البحراني، أو غيرها من النصوص الروائية والقصصية التي تجري مجراها، وهي كثيرة ومتشابهة في المضمون - يمكن أن يقف علي بعض الخصائص الفنية المتشابهة إلي حدّ بعيد، حتي علي مستوي العناوين.
من جهة أخري، ظهرت روايات سعودية عدّة تحمل أسماء مستعارة، مثلما كان يُنْشَر من قبل في حقبة الستينيات تحت أسماء "سميرة بنت الجزيرة العربية" و"غادة الصحراء" (علي غرار عنوان رواية "غادة الكاميليا" لألكسندر دوماس الابن (1824-1895)، وغيرهما؛ وذلك إحياء لثقافة التخفّي وراء بعض الأسماء المستعارة لكاتبات ظهرن في ساحة الرواية السعودية، مثل: صبا الحرز، هاجر المكّي، طيف الحلاج، وردة عبد الملك، فكتوريا الحكيم.. إلخ.. وعلي الرغم من ذلك، فقد استطاعت رواية المرأة السعودية ترسيخ قدمها بتؤدة، مثل روايات "ستر" و"خاتم" و"طوق الحمام" لرجاء عالم، و"الفردوس اليباب" لليلي الجهني، و"البحريات" لأميمة الخميس، و"الآخرون" لصبا الحرز،.. وغيرها من روايات مهمّة لكاتبات سعوديات عثرن علي أصواتهن الخاصة وراهنّ علي الاستمرارية والصمود.
- يتوقف الكتاب عند جيل التسعينيات فقط ولا يتجاوزه لماذا؟
في رأيي، لا علاقة مباشرة لهذا الكتاب بالكتابة النقدية التطبيقية، فهو مجرد محاولة تأسيسية، ويمكنك القول "محاولة تجريبية"، في ممارسة شكل مختلف من أشكال النقد الثقافي الذي يسعي إلي تلمّس الظواهر الفنية والثقافية في مجتمعاتنا، وربطها بسياقاتها المضمرة، من أجل وخز الوعي العربي بهكذا ظواهر. لذا، فالأمثلة الواردة في الكتاب، علي مدار صفحاته المتعددة، تستدعي عددا هائلا من أسماء الكتّاب والنصوص من مختلف البلدان العربية والأجنبية، ومن أجيال مختلفة. ولم يكن الكتاب مشغولا مطلقا بقضية جيل التسعينيات أو غيره، رغم أنه في رأيي واحد من أكثر الأجيال تأثيرا في المشهد الأدبي والثقافي المصري بعد جيل الستينيات.
- تحدثت عن مقاييس الأدب الجيد عند ميخائيل نعيمة، ما معايير الأدب الجيد عن محمد الشحات؟
لا توجد معايير دقيقة "جامعة مانعة"، بتعبير الفقهاء ورجال الدين، ل"الأدب الجيد". فالأدب منتج بشري، مثل أي منتج تعتريه، وتعترض مساره، فجوات، وانقطاعات، وحذوفات، وارتباكات، توازي حركة الإنسان المعاصر، المرتبك، والمتناقض، والشاكّ في كل شيء. بيد أنه من ناحية أخري، يمكن القول إن الأدب الجيد هو "الأدب اللاسيء"، ولو علي سبيل الهزل لا الجدّ، هو الأدب الإنساني، الذي يستطيع تفجير القضايا الكبري للإنسان المعاصر، من دون طنطنة أو شعارات أو صراخ أو خطابة، ربما هو "الأدب الهامس" علي طريقة محمد مندور. إنه كذلك الأدب المحكم البناء من الناحية الفنية والتقنية، الواعي بتقاليد النوع، وتطور حركة الأجناس الأدبية والفنية، بحيث لا يقع في فخ التكرار المقيت، الممل، ولا في فخ التجريب التهويمي، الشاطح، المعلّق في فضاء مخيّلة مرتبكة. الأدب الجيد أدب يمتلك القدرة علي البقاء رغم تحولات الزمان والمكان. وعلي الرغم من كل ذلك، لا يوجد وصفة سحرية للأدب الجيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.