أتابع الكاتب محمد عبد النبي منذ فترة طويلة ،ولفتت نظري بشدة مجموعته القصصية الأولي خروج الأمير للصيد، وروايته الأولي رجوع الشيخ، فضلا عن ترجماته الأدبية، لكن روايته الأخيرة "في غرفة العنكبوت " دار العين تشكل قفزة كبري للأمام في تطوره الأدبي، ليس فقط في اقتحامه للمسكوت عنه ومواجهته له، بل وفي شن الحرب عليه . أبادر إلي القول إن ما أثار انتباهي في حقيقة الأمر ليس مجرد هذا الاقتحام لما هو شائك ومحرّم فقط، والأكثر أهمية هو أن الرواية ليست مجرد عمل صادم، إنما اعتبارها أن ما يجري للمثليين جزء من القمع والكبت والإقصاء والتمييز الشامل في مجتمع محافظ، يفضل أن يجري كل شئ بلا صوت وخلف الستار، المهم أن نغمض عيوننا وكأننا لا نري. غني عن البيان أن الأبحاث العلمية والنفسية الموثقة أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن المثلي إما شخص ولد بميل طبيعي خِلقي نحو جنسه، أو أنه تعرض في طفولته لخبرات قادته لهذا الميل، وفي كلتا الحالتين ليس لهذا الشخص أو ذاك يد فيما آل إليه، ولم يختر هذا الشخص أو ذاك ما انتهي إليه. لا أعرف ما إذا كانت الفقرة السابقة ضرورية أم لا، خصوصا وأنه من النادر أن تتذكر عملا أدبيا لم يتناول المثلي إلا بوصفه متهتكا يستحق السخرية والتقريع، أما القانون المصري فما زال يعتبر المثلي ممارسا للفجور ويعاقبه بالسجن لذلك دخل عبد النبي بقدميه حقل ألغام، و مع هذا أنجز عملا روائيا متماسكا، عملا رصينا لا يلتفت للمغامرات الشكلية (وهذا ليس رأيا سلبيا في المغامرات الفنية مطلقا)، ولا أظن أن الكاتب اختار هذا البناء عبثا، أي البناء الدائري المحكم، الذي يبدأ، ثم ينتهي بعد 348 صفحة في نفس المكان الذي بدأ منه. اختار عبد النبي أيضا هذه اللغة الرائقة الصافية، يكمن جمالها في دقتها في التعبير عن مشاعر هي بطبيعتها ملتبسة وغامضة وغير مطروقة، يكمن جمالها أيضا في عدم انسياقها خلف العاطفية، وتتوقف دائما علي الحافة. من هنا تحديدا استطاع الكاتب ان يمضي في عمله المحكم بعد أن عثر علي نبرة محددة يري القارئ العالم من خلالها، لهذا اختار أن يروي العمل بكامله بضمير المتكلم . لم تعتمد الرواية علي الفُحش أو التهتك، بل استفادت من تقاليد »من غير زعل« الرواية الحديثة عموما .وقدّمت بمهارة وحساسية عالما متراميا من الطفولة والأسرة والبيت والأم والصبا والمراهقة والحب وحتي السجن والمهانة إلي الحد الذي فقد فيه هاني محفوظ، الراوي، النطق قرب نهاية العمل. سأستكمل انطباعاتي إذا امتد الأجل في الأسبوع المقبل .