120 مليار دولار لسد فجوة عالمية ل44 مليون مدرس جديد بحلول 2030.. التنظيم والإدارة يعلن التوزيع الجغرافي ل18886 وظيفة معلم مساعد    وزير المالية يدعو مجتمع الأعمال الياباني للاستفادة من الفرص الاقتصادية التنافسية بمصر    بشار الأسد يؤكد ضرورة تعزيز التضامن العربي والعمل المشترك لتحقيق الاستقرار في المنطقة    وزير خارجية فرنسا: استمرار التصعيد بين إسرائيل وحزب الله لا يصب في مصلحة أحد    شكرى يشارك فى فعالية القادة الاقتصاديين حول تعزيز الأمن والنمو العالميين    البيت الأبيض: إسرائيل طمأنتنا بعدم دخول رفح الفلسطينية حتى نطرح رؤيتنا    تريزيجيه بديلًا في تشكيل طرابزون أمام غازي عنتاب    الزمالك يُعلن سبب استبعاد إبراهيما نداي من مواجهة دريمز الغاني    "أهلا بك.. نحبك".. مُشجع غاني يستقبل شيكابالا بلافتة ترحيبية    هيئة الأرصاد تعلن تفاصيل الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة غداً الاثنين    تحرير 78 محضرا في حملة للمرافق لضبط شوارع مدينة الأقصر    وزير الصحة: نشهد قفزة جديدة في تطوير وتحديث برامج علاج سرطان الكبد الأولي    "القوات المسلحة" تكرم الضباط المتميزين المبعوثين إلى الدول الشقيقة والصديقة    عاجل| البيت الأبيض: إسرائيل طمأنت واشنطن بأنها لن تدخل رفح الفلسطينية حتى يتسنى لنا طرح رؤانا ومخاوفنا    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    إكليل وخواتم وصلبان.. مظاهر استقبال مبهجة لأقباط بورسعيد احتفالا ب"أحد الزعف".. صور    لابورتا يحسم مستقبل كوبارسي مع برشلونة    منتخب مصر يرفع رصيده ل 8 ميداليات في ختام بطولة مراكش الدولية لألعاب القوى البارالمبي    أهم القرارات الحكومية اليوم في العدد 94 بجريدة الوقائع المصرية    توقف ضخ مياه الشرب عن الأحياء مساء.. مواعيد تطهير خزانات المياه بمدينة طور سيناء    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    الجامعة المصرية الصينية تحتفل باليوم العالمي للغة الصينية    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    صدى البلد يكرم منة فضالي بعد نجاحها في موسم رمضان الدرامي.. صور    أخبار الفن.. ميار الببلاوى فى مرمى الاتهام بالزنا وعبير الشرقاوى تدافع عنها.. الكينج وشريف منير يكذبان حسن شاكوش    الأونروا: أنباء عن وفاة طفلين على الأقل بسبب الحر في غزة    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    حسام غالي يكشف مفاجأة لأول مرة عن لاعبي الأهلي أثناء توقف النشاط الرياضي    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    وزير العمل يعلن موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    استعدادا لشم النسيم.. الزراعة: طرح رنجة وفسيج بالمنافذ بتخفيضات تتراوح بين 20 و30%    تفاصيل لقاء هيئة مكتب نقابة الأطباء ووفد منظمة الصحة العالمية    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    بحضور محافظ مطروح.. «قصور الثقافة» تختتم ملتقى «أهل مصر» للفتيات والمرأة بالمحافظات الحدودية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    أهم الأيام في التاريخ القبطي.. الكنيسة تحتفل بأحد السعف وسط فرحة عارمة وإقبال كبير|شاهد    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    مواعيد أهم مباريات اليوم الأحد 28- 4- 2024 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في محبة الرجل الكبير
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 06 - 2016

الرسم للطفل يوسف عبد الرحيم يوسف عندما اتصل بي الصديق المخرج والكاتب المسرحي أحمد شوقي بعد ظهر الأحد 5 يونيو ليبلغني بخبر وفاة عم يوسف، ورغم اعتيادي في الفترة الماضية علي أنباء الموت؛ إلا أنني لم أتمالك نفسي من سؤاله مندهشا ذلك السؤال الساذج كيف؟ فلم تكن هناك أي علامات تعب أو مرض فادح علي الرجل خلال الفترة السابقة، بل كنت أتابع نشاطه اليومي علي الفيس وصوره التي يضعها وهو منهمك في العمل علي حاسوبه المحمول في قهوة فرج بكوم الدكة. قال لي شوقي أنها غالبا غيبوبة سكر حدثت له صباحا في بيته. فيما بعد أخبرني الصديق ماهر شريف أنه عرف من أصفياء عم يوسف أنه استيقظ كعادته صباحا ونزل إلي المقهي ثم اشتري إفطاره وصعد إلي بيته ليأخذ حماما وطلب منهم أن يرسلوا من يقوم علي تنظيف شقته الصغيرة وسيترك هو الباب مفتوحا، ليجدوه جالسا ميتا في صالة الشقة.
بعد أن أنهيت المكالمة متحججا بتحركي مع طفلي الوحيد إلي العجمي للمكوث مع والديّ يومين لظروف سفر زوجتي خارج مصر، ملت علي يحيي وسألته: تعرف مين مات؟ جمدت نظراته من وراء عدستي نظارته الصغيرتين وتساءل: مين؟ قلتله: عم يوسف.. اللي كنت بتلاعبه طاولة علي قهوة صيام من كام شهر! فاكره؟ فرد باقتضاب: فاكره.
مكثنا نتحدث قليلا عن عم يوسف. لم أكن أقصد إرهاب طفلي بالحديث معه عن الموت، ذلك الزائر الذي أصبح أليفا حتي بالنسبة له في الأعوام الماضية. مات صديقنا المخرج المسرحي حمدي سالم منذ أربعة أعوام وكان دائم اللعب مع يحيي. وماتت جدته لأمه بعدها بعام، وتوالت زيارات الموت الخاطفة. كنت أحاول أن أهون الأمر عليَّ بأنانية لا أنكرها، وأتعلل بثبات طفلي عن ذلك الشعور بالخوف القاتل والكآبة الثقيلة الذي جعلني أهرب في الفترة الماضية من السير في الجنازات وحضور العزاءات.
طوال الطريق إلي العجمي كنت أميل يسارا لأحادث يحيي قليلا، ثم أميل يمينا مستندا إلي زجاج نافذة الميكروباص مستعرضا تاريخ معرفتي بعم يوسف. سمعت باسمه لأول مرة في عام 1998 أو 1999 من صديق يعمل ويقيم في كفر الدوار، وكان وقتها يطمح إلي إصدار مجلة ثقافية مستقلة، هاتفني لنلتقي ونذهب لحضور عرض مسرحي في قصر ثقافة الأنفوشي اسمه (موت فوضوي قضاء وقدرا) عن نص الإيطالي داريو فو الحاصل علي نوبل والذي كنت قد قرأته في طبعة دار الهلال وقتها، وبعد العرض كنا سنقوم بعمل حوار مع مخرجه: الأستاذ يوسف عبد الحميد. ذهبنا لكن العرض كان قد أُلغي هذا اليوم لظرف ما ولم نتمكن من إجراء الحوار. لكن اسم الرجل ظل في ذهني، وتأخر اللقاء إلي عام 2000 مع بداية اندماجي في الوسط الثقافي والمسرحي بالإسكندرية، وجلوسي في مقهي الكريستال حيث كان يجلس عصرا معظم من تعرفت عليهم من أهل المسرح والأدب. يدخل عم يوسف صيفا مرتديا تيشرتا قطنيا وبنطلونا مريحا وحذاء خفيفا وعلي كتفه حقيبة صغيرة، وفي الشتاء يتلفع بكوفية وجاكت ثقيل. يدخل بجسده الكبير وابتسامته الساخرة الثابتة علي طرف فمه فيجلس معنا أو ينفرد بالمائدة المستديرة في وسط المقهي ليفرد أوراقه أو يطالع شيئا ما.
مع حلول المساء يصبح الجلوس في الكريستال صعبا فننتقل إلي مقهي البوابين، ونستكمل سهرتنا علي مقهي صيام التي لا تغلق أبوابها أبدا. هناك كنا أحيانا نظل ساهرين حتي الصباح، نتكلم ونتناقش ونضحك ونلعب الدومينو ونقرأ كتاباتنا ونناقشها، يسهر معنا أحيانا عم يوسف صديق صاحب المقهي المعلم حمدي صيام، وأحيانا يصاحبنا الفنان محمد أنور بعوده وألحانه المسرحية. كان أنور أيامها يقيم مع عم يوسف في بنسيون قريب، وكان عم يوسف يشاركنا الجلسة والغناء والنقاش أحيانا. روح أبوية غامرة لكنها تقبل مداعبات الأبناء ومشاغباتهم وآراءهم المخالفة. كنت أشاركه محبة عبد الوهاب وأنغام، وأختلف معه في كراهيته الشديدة لفريد الأطرش ومحمد منير، وعندما يصفو الليل وينساب حديث الذكريات كنت أنصت شغوفا لحكاياته عن المدرسة وكوم الدكة والمسرح والحياة في إيطاليا. كنت سعيدا للغاية لأنه كان تلميذا في نفس المدرسة الابتدائية التي ذهبت إليها بعده بثلاثين عاما: مدرسة بلقيس الابتدائية. كنت سعيدا بوجود نقطة تقاطع وحيدة معه في حياته تلك الثرية.
وحدث في عام 2006 أن التقينا أخيرا في عمل مسرحي أخرجه صديقنا أحمد صالح عن قصة قصيرة للأديب حجاج أدول قمت بإعدادها وصياغتها للعامية تحت عنوان (الهوجة) وشارك فيها عم يوسف ممثلا، كان العرض بأكمله يعتمد علي ممثلين اثنين فقط يقومان بجميع الأدوار: عم يوسف وممثلة موهوبة اعتزلت للأسف وهي داليا بستك. كان عم يوسف مبهرا علي المسرح وهو يتحرك ويرقص ويحمل داليا علي ظهره أو يُخرج رأسها من ثقوب عباءته. وفي نفس العام قمت بإعداد وكتابة أشعار لعرض عطوة أبو مطوة لألفريد فرج وأخرجه المخرج السكندري الراحل عادل شاهين، وفي كواليس العرض فوجئت بعم يوسف يقوم بوضع الماكياج لفريق العمل.
بعدها بعامين أو ثلاثة سافر عم يوسف إلي إيطاليا بعد أن تزوج بصديقته التي فارقها منذ 25 عاما، وهناك بدأ يراسلنا عبر الفيس بوك ويتابع أخبارنا، ومع قيام ثورة 25 يناير عاد إلي مصر وأصر علي البقاء في الإسكندرية بعد انفصاله عن زوجته، وقرر أن يبدأ طريقا تأخر كثيرا في انتهاجه: الترجمة. كان صديقه الأستاذ هشام حسن يراجع معه اللغة، ولأن الأستاذ هشام يعمل في السعودية كان عم يوسف أحيانا يتصل بي ليتأكد من شيء، أو يزورني في مكتبة الكابينة بعد انتهاء ترجمة رواية (أنا وأنت) للكاتب نيكولو أمانيتي لمراجعة سريعة. الغريب أن الرواية خرجت في نسخة أخري مليئة بالأخطاء الإملائية!
عندما أخبرته عن يحيي وحبه للعب بالعرائس ومسرح خيال الظل الصغير الذي جلبته إليه من ألمانيا، فاجأني في لقاء تال بهدية ليحيي عبارة عن عروستين صنعهما بنفسه من خشب الأركت: نمر خشبي ودائرة خشبية عليها دجاجات تنقرها بمجرد أن تجذب خيوطها.
في حفل توقيع مشترك بدار كلمة بالإسكندرية عام 2013 جمعني والصديقين الشاعر أحمد عبد الجبار والشاعرة صفاء عبد العال، كان عم يوسف وصديق عمره الفنان مصطفي درويش حاضرين، التقطنا صورة جماعية جميلة ظل لفترة محتفظا بها كصورة بروفايل علي الفيس بوك.
في ديسمبر الماضي التقينا علي مقهي صيام ومعنا الفنان مصطفي درويش والأستاذ هشام حسن، جلس يحيي معهم وهم يلعبون الطاولة وأصر علي تعلمها ومشاركتهم، وأصر عم يوسف أن أتركه يلعب معهم رغم محاولاتي إبعاده خشية إزعاجهم. "علي فكرة إنت اللي منزعج مش إحنا، سيبه براحته واقعد براحتك" هكذا قالها ببساطة وحزم.
اليوم وجدت يحيي يخرج نمره الخشبي من صندوق ألعابه الضخم، وجمت قليلا وفاجأتني الحركة ولم أسأله لماذا تذكرها الآن.. كنت سعيدا بشكل ما لأن يحيي نال نصيبه من محبة هذا الرجل الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.