أقبلت نحوي المرأة البدينة جدًا وشاركتني ذات المقعد في الحديقة المزدحمة، حملت حقيبتي الصغيرة ولامست حافة المقعد، جلست بأريحية وشكرتني بامتنان واضح، ترتدي فستانًا واسعًا له ألوان الربيع، رائحة الربيع تفوح منها أيضًا، تعقد رأسها بشال قصير يخفي شعرها الناعم، الذي تسللت أطرافه علي جبينها، أزاحتهم بأصابعها البيضاء السمينة، وضعت حقيبتها الكبيرة علي الأرض ناحية اليسار، أخبرتني أنها تحمل طعامًا، أخرجتُ عبوة المياه الغازية وشكرتها جدًا، رفضت الشرب مني، مالت نحو حقيبتها عادت بيدها عصير برتقال مثلما اعتقد، حدثتني عن أضرار المياه الغازية وعظامي الرفيعة التي ستصاب بالهشاشة، سألتني إن كنت أتناول الطعام بشكل جيد؟ أجبتها بصدق أنني فقدت شهيتي بالكثير من الأشياء، ثم امتدحت بياضها وبحتُ بسري أنني أذهب لطبيب جلدية حتي أحصل علي كريم يفتح سمار بشرتي لم أكن سوداء جدًا - التفتت إليّ بكل جسدها، ربتت علي كتفي الأيمن بيدها، قالت إن السمار نصف الجمال، الجمال جمال الروح وكل الكلام الذي أحفظه وأردده عند السخرية مني دون اقتناع، أضافت بصوت هامس أنها تحب بدانتها ولديها بحة صوت تماثل في الأنوثة شاكيرا، كتمت ضحكة نزقة ونظرت إلي الأطفال الذين يلعبون الكرة بالقرب منا، كان صوتها حنونًا .. هادئًا، ليس به الأنفاس المتلاحقة أو الخنف الذي يعاني منه الأشخاص البدينون، لكنه لا يماثل أنوثة شاكيرا بأي شكل، تقبلت مبالغتها مبتسمة، كما أنها تزوجت مرتين وهي التي طلبت الطلاق، نبهتني أن الكحل قد تمرد وخرج من مداره، أخرجت مرآتي وضبطته، كان وجهها صافيًا .. صبوحًا بلا أي إضافات، تكره المساحيق التجميلية لأنها تكره الخداع، كلماتها جعلتني أمسح الكحل نهائيًا، استكانت كفها علي ظهري في حنو أمومي، أثنت علي ملابسي الواسعة وحجابي الذي يصل إلي بطني، ضحكت حتي غص الماء بحلقي، تذكرت أخي الملتحي الذي فرض هذه الملابس لكني لم أخبرها، كان إعجابها يعني لي شيئًا وأصبحت أشاركها أمرًا، إن بدا سخيفًا لسوانا، علي المقاعد المجاورة يجلس العشاق وعلي العشب حلقات كبيرة للعائلات، أخبرتها أنها تنتظر عائلتها وكنت انتظر صديقتي التي تأخرت كثيرًا وهاتفها مغلق، مرت أمامنا مجموعة من الشباب والفتيات، يضحكون ويضربون بعضهم، كن يرتدن ثيابًا ضيقة كأنها رشت علي أجسادهن المثيرة، تمنيت مشاركتهن فأنا لا امتلك صديقًا شابًا، تأففت جارتي وأعادت العصير إلي الحقيبة. تكاد ملابسهن أن تنفجر. لم أجبها، واصلت " التحرر لا يعني التعري" بدأت محاضرتها في العولمة وسوء فهم الحرية والبعد عن الدين، ضايقني كلامها المهلهل، حاولت الاتصال بصديقتي لكن هاتفها مازال مغلقًا، فكرت في العودة إلي منزلي، كفت عن الكلام وضغطت علي العشب الذي أسفل قدميها بغل شديد، صفر بعض الشباب عند ظهور فتاة ترتدي "ميني جيب" أبيض و"بادي" سماوي، شعرها "كيرلي" لونه بني مثل شعري، كانت جميلة تلاعب طفلة ممسكة بيدها ومراهق يلاحقهما بحقيبة متوسطة الحجم وتكشيرة علي وجهه البيضاوي ولدت مع صفير الشباب، هل هي أمهما؟ تبدو صغيرة جدًا، كأنها خلقت جسدها متناسق، أحلم بزيادة وزني لكني أفشل دائمًا، اقتربت المرأة البدينة حتي كدت أسقط، سألتني وهي تشير نحوها: - ما رأيكِ ؟ - جميلة وممتلئة بالحيوية، أحلم بزيادة وزني لكن نفسيتي المتعبة تمنعني دائمًا. - فعلاً، النحافة سيئة للغاية تمحي الأنوثة. تأملت لحمها المتراكم في حلقات فوق بعضها أسفل فستانها ولم أجب، دنت بشفتيها من أذني، قالت بما يشبه الهمس: - لا أدري هل لو كنت امتلك جسدها سأرتدي مثلها؟ أشاهد الممثلات والمغنيات علي التليفزيون وأسأل نفسي لو لدي الإمكانيات والفرصة لظللت أنا؟ ضاعت مني الكلمات، ظهرت صديقتي عند البوابة، تبحث عني، لوحت لها ثم وقفت، سلمت علي المرأة البدينة الوحيدة مودعة، وددت لو احتضنتها.