قاريء جيد للشعر، ودرويش من دراويش قصيدة العامية المصرية، يعمل مهندساً ميكانيكاً ويقيم بالإسكندرية ومع ذلك فلا يريد أن يلقبه أحد بالمهندس أو الأستاذ ولكنه يكون في أسعد حال عندما يسمع أحدهم يناديه ب (عم أحمد). بدأ النشر منذ ثلاث سنوات فقط، لكنه ورغم ذلك حقق سمعة طيبة جدا خاصة بين صفوف الشعراء الشباب، كانت ثورة يناير هي الباعث الأكبر الذي هيج خواطره وحرك مياه الشعر الراكدة داخله منذ فترة كبيرة. صدر ديوانه الأول (عصير قصب) عن دار مقام للنشر في عام 2014، ثم ديوانه الثاني (شيش دو) عن دار المصري في عام 2015، وأخيراً ديوان (كلام بالوقة) الصادر عن دار تشكيل للنشر أوائل الشهر الماضي.متي بدأت كتابة الشعر؟ أقرأ الشعر وأهيم به منذ سنوات طوال، منذ أن كنت في العشرينات من عمري وأنا شديد الهيام بالشعر وبالقصيدة العامية، قرأت صلاح جاهين وبيرم التونسي والأبنودي وحداد ونجم، وكنت أكتب القصائد ولكن بشكل خاص، أي داخل نطاق أسرتي الصغيرة، ولكنها ثورة يناير هي التي أيقظت فيَّ الرغبة في الكتابة فوجدت نفسي أمسك القلم، وتنثال القصائد مني علي الورق حتي وجدتها قابلة لأن تصدر في شكل ديوان وكان ديواني الأول "عصير قصب" في عام 2014. لا تفوتني هنا الإشارة إلي الشاعر الشاب مصطفي إبراهيم الذي كان سبباً آخر دفعني إلي كتابة الشعر، حيث رأيته يكتب بشكل لم أره من قبل وينتج قصيدة عامية مختلفة عن المألوف، وعلي الرغم من أنه لا توجد علاقة شخصية تربطني به، إلا أنني أضع شكراً له في دواويني. ما دلالة عبارة "توثيق الحلم" التي وضعتها تحت اسم الديوان؟ أردت بها توثيق حلمي الذي طالما حلمت به وهو أن أصبح فناناً وشاعراً. الشاعر لا يحاسب علي الديوان الأول وأحياناً الثاني، ويبدأ الحكم عليه بدايةً من الديوان الثالث، الذي لا يقبل أن تشوبه شائبة، وهكذا كان ديواني الثالث "كلام بالوقة" هو توثيق حلمي والتأكيد علي أنني أصبحت فناناً لي كتبي وجمهوري وحياتي الفنية الخاصة. جاء العنوان "كلام بالوقة" غريباً بعض الشيء علي قاموس العامية حالياً؟ لقد تعمدت ذلك. وضعت عنوان أول دواويني باسم "عصير قصب" وهو المشروب الرسمي الذي يعشقه كل المصريين، الغني منهم والفقير، فهو في متناول كل إنسان ومذاقه محبب إلي النفوس علي اختلافها وهكذا كان تعبيراً عن البيئة المصرية بتفاصيلها البسيطة والمعقدة أحياناً. ديواني الثاني جاء تحت عنوان "شيش دو" في إشارة إلي لعبة الطاولة الشهيرة التي يعكف عليها المصريون دائماً، ولكنهم المصريون الجالسون علي المقاهي الشعبية التي تحتضن دائماً العامة من الشعب وغالبيته العظمي وهو عنوان قريب جداً من الروح المصرية الشعبية الأصيلة، ثم جاء ديواني الثالث "كلام بالوقة" ليحمل اسماً غريباً كما تقول علي مسامع الناس الآن ولكنه موجود في قاموسنا العاميّ. ما هي ملامح مشروعك الإبداعي؟ مشروعي يتلخص في الحفاظ علي الهوية المصرية التي أراها في خطر كبير، ولذلك تجد الكثير والكثير من المفردات التي قد تكون اندثرت الآن من قاموس اللغة العامية بطريقة أو بأخري، أريد دائماً أن يظل المصريون علي اتصال مستمر لا ينقطع مع تراثهم وموروثاتهم كي لا يفقدوا هويتهم. لماذا لم تشارك بالديوان في معرض الكتاب؟ ببساطة، لأني أعرف أن جمهوري قليل وليس ممن يرتاد المعرض كي يحضر حفلات التوقيع ويلتقط صورة "سيلفي" مع هذا الشاعر أو ذاك. أري أن الشاعر أو الكاتب بوجه عام عليه أن يكتب ويكتب، ولا ينظر فقط إلي حفلات التوقيع التي تستمر لأسبوعي المعرض ثم تنتهي. التحدي هو أن تصدر ديوانك في وقت غير وقت معرض الكتاب وتري هل لك جمهور حقيقي ينتظر ما تكتب بشغف ويفعل أي شيء لاقتناء كتابك، أم هي العادة في ارتياد المعرض تجعله يشتري هذا وهذا وهذا، بغض النظر عن جودة المنتج أو طريقة عرضه. أنا كما أنا وحتي لو أصبحت شاعراً جماهيرياً فلن أصدر كتبي إلا في غير أوقات المعرض وهو عهد أخذته علي نفسي. تتسم أشعارك بالتفاؤل والأمل بالرغم من أن الأوضاع لا تشي بذلك؟ ألا يكفي من يكتبون عن الاكتئاب والوجع واليأس والإنتحار والحزن الذي لا يموت؟ أريد أن أعطي أملاً للباحثين عنه وسط هذا الجو الكئيب. أحاول أن أكون "القشة" التي يتعلق بها الغريق في عرض البحر. الشعراء الشباب في وقتنا الحالي معذورون فيما يكتبون وما يطرقون من مواضيع تبعث جميعها علي الاكتئاب واليأس ولا تعطي أملاً في الحياة وتري الدنيا من منظور بائس يائس. لقد كانت ثورة يناير هي التي فجرت هذه الحالة من الرغبة في الكتابة وتحقيق الذات ومحاورة النفس لإخراج ما تنطوي عليه من أسرار ثم تحويله إلي كلمات علي الورق، ولقد كان هؤلاء الشباب يتوقعون الكثير والكثير بعد أن فقدوا كل غال ونفيس لديهم أملاً في غدٍ أفضل ووطن أرحب يتسع لهم ولمشكلاتهم ويفيض عليهم بالخير الوفير بعد سنوات من الحرمان، ولكن ما حدث كان محبطاً جداً فلا عيب أن نراهم هكذا علي تلك الحالة من الاكتئاب ونجد أشعارهم تعج بهذا الكم من البؤس والشقاء. أنا أكتب عن الأمل لأني أري الصورة من منظور مختلف ولقد شارفت سنوات عمري علي الخمسين وهو ما يعطي المرء قدراً من الحكمة بخلاف شاب لا يزال في عشرينياته، وأري أن واجباً علي أن أكتب عن الأمل في مواجهة الألم والحب في مواجهة الكراهية، وأحلام المستقبل في مواجهة أحزان الماضي. إذن.. كيف تري قصيدة العامية الآن؟ أنا أري أن حالة السيولة في شعر العامية لا تضر الثقافة بشيء كما يقول البعض، ولكن علي العكس تماماً فقد يخرج لنا من وسط هذا الزخم الهائل بعض الكتاب الموهوبين القادرين علي صناعة الفارق في المستقبل. لابد لنا من نجيب محفوظ جديد وأبنودي جديد، وهذا لن يتأتي إلا عبر هذه الوسيلة، وهي أن يكتب من شاء أن يكتب وفي النهاية ستجد من يميز الجيد من الرديء، وهكذا يصبح لدينا عما قريب جيل من شباب الأدباء وبالفعل لدينا الكثير في لحظتنا الراهنة، لدينا عدد جيد من الشباب المثقف الذي يحظي بشعبية عالية وجماهيرية كبيرة علي مواقع التواصل الاجتماعي والتي ظهرت علي الأرض وأثبتت وجودها بشكل فعلي. بماذا تفسر تحلق غالبية شعراء العامية الشباب حولك؟ لا شيء أكثر من أنني أتعامل معهم كأبنائي، ويحدث ذلك دون مراء، وما يخرج صادقاً من القلب يجد طريقه ممهداً إلي قلوب الآخرين وهكذا كانت علاقتي بهم. أحضر لهم الحفلات والأمسيات وإذا حضر أحد إلي الإسكندرية فلا أفوت الفرصة وأصر علي اللقاء والحديث عما يجري من حولنا وأقدم لهم النصائح كأبنائي دون إملاء أو فرض شيء ، فهم أصدقائي وأنا أعتز بصداقة كل واحد منهم. ما الجديد عندك؟ أعكف علي كتاب توثيقي لشعراء العامية الشباب الموجودين حالياً، أريد أن أوثق علاقتي بهم واحداً واحداً، وأتحدث عما أعرف وأقوم بتحليل ما يكتبون كقاريء للشعر ولا أدعي النقد هنا فأنا لست بناقد أدبي. ومتي يصدر؟ لا أعرف، ولكن حين أنتهي تماماً منه وأراجعه غير مرة سوف أدفع به إلي ماكينة الطباعة كي يخرج إلي النور.