عندما يصدر شاعر موهوب ومهم ديواناً جديداً بعد غياب عدة أعوام. فإن الأمر يستحق الاحتفاء خاصة في ظل غياب الشعر الجميل وصعود شعراء معدومي الموهبة بفضل إعلام فاسد وإعلاميين في حاجة إلي الالتحاق بفصول محو الأمية. من هنا فإن صدور ديوان "أعمي بيقرأ كتابه.. بتصرف" للشاعر محمود الحلواني ضمن سلسلة "حروف" عن هيئة قصور الثقافة. يعطينا الأمل في أن الشعر مازال بخير.. ربما يختفي أو يتواري فترة. لكنه سرعان ما يعود طازجاً وهادراً وباعثاً علي الفرح. * سألت محمود الحلواني عن أسباب فترة الغياب التي طالت؟ ** يقول الحلواني الذي أصدر خمسة دواوين من قبل: أنسي كثيراً أنني شاعر. لهذا تجد سنوات طويلة بين كل ديوان يصدر لي والآخر. وهذا الديوان مثلاً أكتب فيه قصائدي منذ عام 2004. أي بعد صدور ديواني "مجرد حبة هلاهيل" في سلسلة "كتابات جديدة" عن هيئة الكتاب. أعتقد أنني تأثرت كثيراً بوفاة الصديق الشاعر مجدي الجابري. كان وجوده حافزاً كبيراً علي الكتابة. حيث كنا دائماً نتواجد في دائرة لا تنفض من الأصدقاء. انفرط عقدها بموته. وفقدت بعدها حماسي. لم أعد أشعر أن الشعر يهم أحداً حقيقة غير كاتبه. فلم أعد أهتم أنا أيضاًَ! * وما الذي يدفعك إلي الكتابة في ظل تلك الحالة من الإحباط؟ ** تنتابني أحياناً فورة حماس. وحنين إلي حالة الكتابة فأكتب. أو حين أجد نفسي مضطراً إلي الكتابة تحت ضغط حالة إيقاعية ونفسية تهاجمني. * الديوان الجديد تبدو فيه الذات حاضرة بقوة وهو نفس الخط الذي انتهجته منذ البداية.. كيف تفسر هذا الأمر؟ ** لم استطع منذ بدأت كتابة الشعر وحتي الآن أن أكتب عن أشياء خارجة عن ذاتي. لذا لم أكتب أبداً إلا عن ذاتي. لذلك أكتشف كل يوم أنني لا أعرف شيئاً عن الحياة. الحياة أعقد من أن أعرفها. ربما أعرف الكثير عن الموت. كما أعرف الكثير أيضاً عن الحب.. وهذا شيء غريب. * لكن لا يوجد اختلاف في هذا الديوان عن تجاربك السابقة؟ ** نعم تجربة هذا الديوان لا تبتعد كثيراً عن تجاربي الشعرية السابقة. فأنا أكتب قصيدة واحدة. ربما تختلف الخبرة بالشعر نفسه هنا. وتختلف القناعات والأدوات وزوايا الرؤية. ومع ذلك أجدني أكتب نفس القصيدة التي هي "أنا" حتي عندما كتبت بعض القصائد انفعالاً بالثورة. وجدتني أكتب عن ثورتي أنا ضد نظامي أنا. وفلولي أنا. وقد ساعدتني الثورة بأن أمدتني بقاموس أو معجم استعاري طازج وجديد.. في ديواني الجديد مثلاً قصيدة عنوانها "سد الذرائع أمام فلول النظام" عندما تقرأها جيداً ستجد أنني أتحدث فيها عن نفسي. علي الرغم من وجود استعارات ومفردات كثيرة من الميدان. * وهل تعتقد أن "الحالة الشعرية" في مصر الآن بخير؟ ** الشعر الآن قليل. توجد شعارات كثيرة. وإدعاءات أكثر. أما الشعر بالإشعارات ولا رطانات أو إدعاءات فعليك أن تبحث عنه مثل الباحث عن الإبرة في كومة قش. * الآن وبعد مرور أكثر من 20 عاماً علي تجربة جيلك في شعر العامية.. جيل قصيدة النثر.. كيف تنظر إلي هذه التجربة؟ ** تجربة جيلي في كتابة القصيدة الجديدة والتي كان زعيمها وقائدها ومنظرها الشاعر مجدي الجابري. أحدثت خلخلة كبيرة في قصيدة العامية. غير أن انجازها لم يكن كبيراً. وأعتقد أننا أفسدنا الشعر كثيراً دون أن نقصد. أخرجنا القطار عن مجراه دون أن ننجح في شق طرق أخري. وأعتقد أن شعر العامية الآن يعاني ربكة كبيرة. ولا زالت فكرة القصيدة الجديدة أو قصيدة نثر العامية تمر بمرحلة الشعارات دون أن تتحقق فعلاً علي الأرض.. وإذا كان هناك استثناء فقليل جداً.