"اللغة سحر أسود." حسين البرغوثي هل كان جواب حسين البرغوثي (1954 2002) علي "نيتشه" غامضا الي حد أمست معه الإنسانية اليوم أكثر غموضا؟ كيف أمكن له أن يتلمس قدر عبثية الحياة الدائمة، في صيرورتها، وأن نتلمسها "خارج الكتب"؟ هل كانت أكبر قضايا "حسين البرغوثي" الإنسان، وهو يتخلف عن الطرق "مع كنفاني" طلبا للنجاة؟ يبدو أن الإنسان غامض بما يكفي، والحياة أكثر غموضا.. لذلك نحن في حاجة للأدب، ربما، لأنه الأقدر علي تفتيت هذا الغموض إلي تفاصيل كي تقربنا من كنه الحياة. وهذه الأخيرة أكثر تعقيدا، علي الأقل "كما يحكيها" حسين البرغوثي في نصوصه، كما يتأملها في أسئلته، وكما يراها في الوطن الذي يبدو جليا وأعمق من "الفكرة". لذلك تتجاوز فكرة "النص" عند حسين البرغوثي "التدقيق الأجناسي"، هي أقرب الي قمر "لون الذاكرة" الذي يشبه فلسطين وهي الذاكرة المتقدة التي ظلت منبع إشباع روحي واستعاري. حين يعتبر حسين البرغوثي "النص" الروائي "حقيقة" العالم الوحيدة، فهو أبعد من أن يكون محقا، لكنه ينتهي الي حقيقة ظلت أكبر قضايا البرغوثي، لا تضلله علي كنه الإنسان، ولعل فكرة الذهاب والإياب الي هذا النص هي ما يفسر مقولة "جئنا من الروايات والي الروايات نذهب!". وهكذا تتحول الحاجة الي الكتابة الي قضية إنسانية، توحد الجميع وأحد رهاناتها الذاكرة والتي ظلت تشغل البرغوثي الي حد بعيد. فهي لا تضللنا علي المسير نحو "التعاسة"!، يقول البرغوثي "الذاكرة معمل أشباح!"، لذلك لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونها، ولا معها. لقد ظل نص حسين البرغوثي، يشبهه، أيا كان هذا النص، سواء بحمولته الفلسفية أو السردية. فهو التعبير الحقيقي عن حالة التشظي التي عاشها، حالة من القلق لا تنتهي. لطالما قال البرغوثي إنه يعيش "مشتتا"، وهو بهذا المعني يؤشر عن حالة خاصة للكاتب اليوم حيث يظل كل شيء معلقا، لا يمكن الحسم فيه. من هنا، يمكننا فهم سر نقده لحالة الشلل التي مست الخطاب العربي، في كل مناحيه فهي الصورة الأقرب لأزمة "الزمن العربي". عاش حسين البرغوثي، "إنسانا بسيطا"، بتعبيره، إذ يقول "أنا إنسان بسيط جدا يساء فهمه". ألهذا السبب ظل المبدع علي هامش الجدل والإضاءة النقدية الدائمة؟ هل فعلا عاش البرغوثي "تضليلا" إعلاميا، جعله خارج مركز الوسط الثقافي، أو كما قال علي "هامش الحياة والكلام". وهو لايحتاج هنا الي أي دليل إضافي مادام عاش حياته، وفيا لنصه ولقناعاته التي تجعله يظل دائما ممتنا للمعرفة الحقة، لأنها السبب المباشر لمعرفة الأشياء كما يجب، لذلك يطلب حسين البرغوثي أن لا ينتبه إليه أحد! الفلسطيني ابن قرية كوبر، والذي عبر مسارا أكاديميا مهما الي أن رحل سنة 2002 بعد صراع مع المرض، توزع في كتاباته بين الرواية والشعر والنقد، صاحب "الضوء الأزرق" و"الفراغ الذي رأي التفاصيل" أستاذ النقد الأدبي والمسرح بجامعة القدس (2000)، اعتبر حسين البرغوثي نفسه دائما إنسانا بسيطا جدا "يساء دائما فهمه". ولعل سوء الفهم "المفترض" نابع من "حدة" كتاباته وخصوصياتها، والتي طالما حافظت علي كيان النص و"خطيته" مادام يراه هو شكلا من هويته الداخلية. عبر حسين البرغوثي "خفيفا" في المشهد الثقافي العربي، دون ضجيج يذكر، فأكثر ما وسم به الذين يحاولون تذكره اليوم صفة "الكسل". كسل العقل العربي علي ركوب التحديات الكبري المطروحة عليه اليوم، وهو ما جعله يشعر في الكثير من الأحيان أنه خارج السياق (الزمن الحقيقي الفعلي). سينتهي حسين البرغوثي بين "اللوز"، كما وسم أوطبيوغرافيته الأخيرة، لأنها انبثاق جديد لولادة جديدة داخل السياق هذه المرة.