- تعرف شيماء ؟ حاول السؤال أن يقفز من بين شفتي أكثر من مرة ..رفعت عينين زائغتين تجاه رجل المقهي ..أنا التي لا أحب النظر للوجوه نظرت إليه طويلاً ..فهم أنني أريد أن أسأل عن شيء ،وجهه رد علي السؤال غير المنطوق بسؤال آخر غير منطوق : انتي تايهة؟ - هي القهوة دي اسمها إيه ؟ أردت ان أثبت له توهاني - الوطنية -تعرف شيماء ؟ لم أنطق ..وهو لم ينتظر وهي كانت جالسة علي كرسي ما خفي ..هنا وفي الكريستال والتجارية وكل المقاهي التي مرت بها...كل الأماكن ،لكن صخب المقهي أعلي. حاضرة هنا ، تلعب الطاولة وتلقي النكات وتسخر من شيء ما .. وكنت أود الطواف علي الجالسين شباباً وشيوخاً أسألهم إن كانوا رأوها أو يعرفونها . تعرفها ؟ شيماء ...الورد ..الميدان ..يوم 25 أحسست أنني بدأت أتهته دون أن أنطق ..ربما تقمصت دور يوسف شاهين حين يظهر في أفلامه أو حواراته ..يبدو مندهشاً ...منزعجاً ..تتعثر الكلمات حين ينطق بها كأنه يخرجها ركلاً ...أتعثر معه بنفس الاندهاش ،أحسست أذنيّ تلتفان للخارج وتكبران قليلاً مثل أذنيه .. لا أريد أن أسمع شيئاً من ثرثرة المقهي ...لكن الأذنين لم تتوقفا عن التمدد ...كجناحين جلديين نبتا بهدوء ليحملاني خطوة واحدة فقط إلي فوق ..أسرعت بدفع الحساب والانصراف قبل أن ينتبه أحد ..خطوة واحدة فوق الأرض لن يلحظها أحد غالباً . " كنافة علي الفحم " مكتوبة بالبنط العريض بجوار لافتة مقهي " إيليت " تحتها بخط أصغر : لأول مرة في مصر "إيليت" تعني الصفوة ،والصفوة لابد أنهم يأكلون كنافة علي الفحم ..لاشيء في هذا أبداً.. أشياء كثرة تغيرت ،تتغير باستمرار ..لكنها لا تخرج لسانها في وجهك إلا حين تعلم بأنك كنت بعيداً حين تغيرت .. -"شفت ؟ أنا أقوي منك " تكاد تسمعها بصوت الأشياء التي تغيرت ... تبتسم بمرارة : انتي مش موجودة أصلاً...أنا أقوي منك طول مانا شاهد عليكي .. -لأ ..أنا اللي شاهدة عليك ..إنك مش موجود. حوار عبثي ..لا شيء يدوم! في وقت سابق كنت أخفي غربتي كعورة ..أتحايل بذكر أشياء حميمية كانت تربطني بالناس والأماكن ..أستطرد في السرد حتي تتوه الكلمات ..تقف في الهواء متعجبة . تعاملت طويلاً مع غربتي كساق خشبية أخفيها تحت ملابسي وأحاول السير بلا عرج ربما أخدع الآخرين ..أخرج عملات الانتماء الوهمي وأوزعها بكرم هنا وهناك .. اليوم أحدق في عيني الغربة بتحد ...تحاول إخافتي ببريق شيطاني فيخرج من عيني بريق أشد جنوناً ..ساقان خشبيتان ألقيت بهما وراء ظهري ،لويت ذراعها بعنف فاستدارت ، أولتني ظهرها وأجبرتها علي النظر للأمام - وريني السكة ....دفعتها بعنف كأنني أضع فتحة المسدس في ظهرها . " الشارع دا اسمه ايه " هي المحطة منين لو سمحت " هو صاحب المحل دا راح فين " أسئلة أصبحت أرددها ببراءة تليها عبارات تؤكد أن وجودي في هذا المكان لحظي وعابر ..لأنني دائماً في انتظار طائرة أو قطار أو أي شيء له عجلات تتحرك .