"هل هناك مشكلة؟" سؤال حاولت الكاتبة الأرجنتينة كلاوديا بينيرو الإجابة عليه في روايتها الشهيرة "كلي لك" من خلال ثلاث سيدات من أجيال مختلفة. الجدة التي شعرت أن ثمة تغييراً حدث في علاقتها بزوجها فسمحت لنفسها ذات ليلة بسؤاله إن كانت هناك مشكلة، فرد عليها بأنها هي المشكة، ترك كل شيء خلفه ورحل إلي الأبد. الابنة "إيناس" بطلة الرواية التي شعرت أن زوجها لم يعد قريبا منها بعد عشرين عاماً من الحب والزواج، لكنها وبسبب تلك الذكري التي خلفها والدها، قررت أن لا تسأل وفكرت أن مجرد وجوده في البيت واهتمامه بعمله وابنتهما هو دليل علي أن كل شيء علي ما يرام، بل وقررت أن تفترض أنها بالضرورة هي السبب، لإفراطها في الاهتمام بأعمال المنزل التي تجهدها وأنه يراعي ذلك ويقدره. الحفيدة "لالي" ذات السبعة عشر عاماً تعلمت الدرس من الجدة والأم وأدركت أن لا مجال أصلا للسؤال وقررت أن تخوض تجربتها وحدها. رغم أن القصة ليست جديدة، بل هي حكاية مكررة خاصة في المجتمعات العربية. إلا أن الكاتبة تذهلك بسردها المتدفق للأحداث، وربما لهذا السبب سوف تأخذك الرواية وتقرأها بشغف. تدور الرواية حول "إيناس" الزوجة التي تكتشف بالصدفة أن زوجها "إرنستو" علي علاقة بسيدة أخري، تلك التي تكتب له الخطابات الغرامية وتطبع قبلة بأحمر الشفاه وتوقعها ب"حبك الحقيقي". قبل أن تستوعب فكرة الخيانة، قتل "إرنستو" عن طريق الخطأ سكرتيرته، في البدء شعرت براحة كونها تخلصت من العشيقة. وبدلا من أن تنتقم الزوجة من زوجها الخائن، ظلت تفكر كيف تنقذه من هذه الورطة، كيف تبعد عنه كل الشبهات. حتي أنها قرأت كتاباً عن علم التشريح وما الذي يبحث عنه الطبيب في الجثة لكشف ملابسات الوفاة. حين اعترف "إرنستو" لها وقفت معه بكل قلبها وغفرت خيانته وصدقته حين قال لها أن "إليشيا" سكرتيرته كانت تحاول إغواءه وأنه استجاب رغما عنه مرة أو اثنتين. في خط موازٍ للأحداث الدائرة بين الزوجين. نتعرف علي "لالي" الابنة المراهقة ذات السبعة عشر سنة من خلال مشاهد قليلة مكثفة وحوارات مبتورة لكنها مكتوبة ببراعة تدفعك لتخمين الحدث. في البداية ستدفعك تصرفات هذه الشخصية لأن تكرهها، ثم قبل نهاية الرواية ستكتشف انها الوحيدة التي فهمت لعبة الحياة وتعاملت معها كما ينبغي. كان ردها علي سؤال حول طفلتها الوليدة ومن تشبه من أسرتها بليغاً حيث أجابتهم: " لا أحد، من حسن حظها أنها لا تشبه أحداً." صدمة "لالي" الطفلة من استهتار صديقها, وموقفه الذي يشبه تماما موقف والدها حين أخبرته "إيناس" بحملها، لكن الأم كانت أكثر دهاءً، بينما "لالي" لم تتمكن من الرد علي قسوة أم صديقها التي طلبت منها أن تنسي ابنها وأن تتحمل هي المسئولية كلها. المؤسف حقاً ليس قسوة الحبيب وأمه، بل قسوة "إرنستو" و"إيناس" في عدم الاهتمام بوحيدتهما. مراهقة تعيش في بيت أبيها تدخل في علاقة غرامية ينتج عنها حمل دون أن يشعرا أن ثمة شيئاً يحدث. وبقي اهتمام "إيناس" الأساسي باستعادة زوجها ومحاولة تبرئته من تهمة القتل ثم القتل كي تثبت عليه التهمة. واهتمام "إرنستو" باستعادة عشيقته الثانية "شارو"، ثم محاولة التخلص من زوجته التي تحاول تبرئته بإثبات تهمة قتل " إليشيا" عليها. "لم أكن لأسمح لنفسي بقتل "أليشيا" ولا "إرنستو" أبو ابنتي ولكن "الحب الحقيقي"، نعم "الحب الحقيقي" شيء آخر." قالت "إيناس" لنفسها وهي تشعر بقمة الألم، ربما لأن "شارو" أو "الحب الحقيقي" تملك مقومات جسدية لا تملكها أو لأنها انتقمت من تلك التي جعلت "إرنستو" يتصرف كإنسان آخر غير الذي عرفته علي مدار عشرين عاماً. المفارقة المأساوية في النص الروائي أن اللحظة التي قتلت فيها "إيناس" "شارو" العشيقة الثانية ل"إرنستو" لكي تثبت التهمه علي زوجها، كانت "لالي" ابنتهما تشعر بألألم ولا تدرك سببه. كانت المراهقة وحيدة وبحاجة لأن تعرف، فاتصلت بعامل بسيط قابلته ذات ليلة في محطة أتوبيس كي يسأل زوجته. كانت "لالي" في هذه اللحظة تختبر آلام الوضع، ذهبت بمفردها للمستشفي ووضعت طفلتها. بسؤالها في المستشفي عن بياناتها رفضت إعطاء أي معلومات عنها وأجابت حين سألها أحدهم: هل تخبرينني أنك وحيدة في هذه العالم؟ ردت: لا، لدي ابنة. "كلي لك" رواية من الأدب الأرجنتيني للكاتبة كلاوديا بينيرو المولودة عام 1960، صدرت نسختها العربية في مطلع عام 2016 ترجمة خالد مكاوي عن دار "العربي" للنشر بالقاهرة ضمن برنامج sur لدعم الترجمة الذي تقدمه وزارة الخارجية، التجارة والثقافة الأرجنتينية. ويصدر قريبا لنفس الكاتبة رواية "أرامل يوم الخميس" عن نفس دار النشر.