كثيرة هي الكتب التي تصدر عن الفنانين بأقلام نقاد وصحفيين، لكن هذه المرة من كتب عن " نجاة الصغيرة" هي مجرد عاشقة لصوتها ، فحول هذا العشق رحاب خالد إلي كاتبة امتلكت عالم نجاة واستطاعت بصبر ودأب أن تجعل كل من يريد الحديث أو معرفة مشوار هذه الفنانة الكبيرة أن يتوقف طويلا أمام هذا الكتاب المرجع الذي حمل عنوانا وحيدا " نجاة الصغيرة" وصدر عن دار الكرمة التي تؤكد بإصدارها الراقي لمثل هذه الكتب، أنها تسير بخطي ثابتة لتحتل خلال سنوات قليلة جدا مرتبة متقدمة في سوق النشر المصري والعربي. رحاب تبدأ الكتاب مباشرة بدون مقدمة تتحدث فيها عن ولعها وغرامها بنجاة أو عن الجهد الذي قامت به، بل تجعلنا نحن نشعر بذلك مع كل سطر وصفحة نقرؤها.. فقد بدأت كتابها بفصل بعنوان " معجزة" يبين اللحظات الأولي لاكتشاف هذه الموهبة، التي لم تكن قد تعدت السنوات الخمس، وذلك عندما أصطحبها أخوها لندوة معهد الموسيقي العربية، ليطلب من مصطفي بك رضا سماع صوتها، وبعد هذا السماع نطق قائلا: " دي معجزة". تصف رحاب وقائع الحفل الأول للطفلة نجاة علي مسامع الحضور، من خلال نشر التحقيق الصحفي الذي أجرته " مجلة " الإثنين والدنيا" بتاريخ 26 أكتوبر 1942، وجاء بعنوان " خليفة أم كلثوم.. طفلة في الخامسة تذيع في محطة الإذاعة"، ومما جاء في هذا التحقيق: " كان ذلك في إحدي حفلات نادي الموسيقي الشرقية.. انتهي المطرب الكبير من غناء الطقطوقة، وألهب الجمهور أيديهم بالتصفيق. ثم توقف المذيع وأعلن عن تخت المطربة الصغيرة نجاة، وبدأ كل متفرج يتحدث مع جاره أو يشعل سيجارته ليقتل الوقت الذي سيضيعه في الاستماع إلي الطفلة الصغيرة! ووقفت الطفلة علي كرسي من الخيزران وأمسكت منديلا وراحت تحركه بحركة عصبية كما تفعل الأنسة أم كلثوم، وضحك ثلاثة أو أربعة من المتفرجين الذين لم يصرفهم الحديث عن النظر إلي المسرح، ثم بدأت فرقة الأطفال تعزف، وراحت الطفلة تتمايل مع نغمات الموسيقي ثم فتحت فمها وقالت غني يا كروان، وهنا استدارت الأعناق وتوقف صياح المتفرجين وبطل همسهم.. وبدأ الكثيرون يطفئون سجائرهم خشية أن يعطل دخانها سرعة وصول صوت المطربة الحنون". علي الرغم من أن المعجزات لا تتكرر، فإن نجاة كانت هي المعجزة الوحيدة اتي تتكرر يوميا كلما وقفت تغني، وقد نجحت في أن تشد الناس إلي مقاعدهم حتي آخر فقرة من كل حفلة، ليشاهدوا الطفلة العجيبة التي تقلد ام كلثوم، هذا هو وصف التقرير الصحفي الذي نشرته مجلة الأثنين والدنيا في 9 سبتمبر 1946، تعليقا علي الحفلات التي كانت تحييها نجاة مع فرقة كوكب السينما والمسرح لنجومها ثريا حلمي وشكوكو ومحمد سلمان، وفي ذات هذا التقرير يصف المحرر المشهد الذي انتاب الصحف والمجلات وقتها في التعامل مع المعجزة الصغيرة التي تقلد أم كلثوم: " وتكتب عنها صحف: الصباح والمصور والأثنين والدنيا وتنشر الأهرام وأخبار اليوم إعلانات حفلاتها مصحوبة بصور صغيرة لها، ثم تظهر لها صورة أكبر علي غلاف مجلة العهد الجديد السكندرية، ونجاة لا تعرف القراءة، إنما تفرح بصورها في الجرائد والمجلات، وبحديث الناس عنها وعن صوتها، ولما طالب فكري أباظة الحكومة برعايتها، وأيده محمد عبد الوهاب، أطلق عليها أشقاؤها لقب " بنت الحكومة". الكتاب سجل شامل لكل لحظة عاشتها نجاة- أطال الله في عمرها- ولكل خطوة ارتقتها في مشوارها الفني، وارتباط كلمة " الصغيرة" معها في كل هذا المشوار ورغبتها في تغييره، ولكنها لم تستطع التخلص منه، فدائما التعاقد يكون معها باسم الشهرة " نجاة الصغيرة". جهد كبير قامت به رحاب خالد التي اعتمدت علي وثائق حية، تابعت نجاة في كل خطواتها العائلية والفنية، فواضح أنها قامت بجولة كبيرة في أرشيفات الصحف والمجلات، وفي اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتابعت أعمالها الدرامية ووثقت أعمالها الغنائية، فجاءت بكتاب حي وطازج.