مجلات الفن التشكيلي في مصر مشروع محبط

منذ بدايات القرن الماضي ومع تزايد اهتمام المصريين بالفنون الجملية وظهور بعض المقالات وصور للوحات وتماثيل فنية ولد حلم صعب التحقيق وهو إصدار مجلة متخصصة معنية بالفنون الجميلة .. كانت الصحف والمجلات التي تصدر في مصر بلغات أجنبية تنشر من حين لآخر موضوعات عن الفنون الجميلة وتغطي المعارض التي يقيمها الفنانون الأجانب في مصر بأقلام نقاد فن أجانب .
ولوجود صحافه تعني بالفنون الجميلة لابد من توافر ثلاثة عناصر أساسية : العنصر الأول : الفنانون .. وكانوا أجانب حتي بدايات القرن العشرين مع ظهور جيل الرواد محمد ناجي ومحمود سعيد وجورج صباغ وآخرين ثم الرواد من خريجي مدرسة الفنون الجميلة التي افتتحت عام 1908 محمود مختار وأحمد صبري وراغب عياد ويوسف كامل وغيرهم شكلوا جميعا الحراك الفني الحديث في مصر.
العنصر الثاني : الجمهور .. وكان معظمه أجانب ومن النخبة الثرية المثقفة من المصريين حتي ثورة 1919 ومع تعاظم الطبقة الوسطي من المصريين (الأفندية) وتأسيس جمعيات مصرية معنية بالفنون والثقافة مثل جمعية محبي الفنون الجميلة عام 1922 وأتيليه الأسكندرية 1935 تزايد متذوقو الفنون الجميلة من عامة المصريين .
العنصر الثالث : الصحافة الفنية .. مع استمرار المجلات والصحف التي تصدر في مصر باللغات الأجنبية والتي استمر بعضها حتي منتصف القرن العشرين واختفت بعد ثورة 1952مع رحيل الأجانب .. وكان من رواد كتاب الفن المصريين الفنان محمد ناجي وأحمد راسم وكانا يكتبان بالفرنسية لمجلات وصحف فرنسية تصدر من القاهرة إلي أن قرر أحمد راسم 1895- 1958(الذي يعتبر أبا للنقد الفني في مصر) إصدار مطبوعات عن الفن والفنانين المصريين باللغة العربية وأصدر مجلة ( الظلال ) فصدر الجزء الأول عام 1936 في 166 صفحة نصفها صور أعمال فنية والنصف الثاني دراسات وافية عن الفنانين محمود مختار ومحمود سعيد ومحمد ناجي وآمي نمر وأحمد صبري وجورج صباغ وآخرين من الفنانين الأجانب المقيمين في مصر .
أما الصحافة الفنية المختصة بالفنون الجميلة فقد أسسها رائدها الفنان والناقد محمد صدقي الجباخنجي حين أصدر عام 1950 مجلة صوت الفنان ( مجلة فنية مصورة شهرية ) وهي أول وآخر مجلة احترافية في الفنون الجميلة في مصر، فقبلها وبعدها كانت تصدر تجارب لمجلات لا تستمر سوي عدد أو عددين .. وبعد ثلاث سنوات ( 32 عددا) أعلن صدقي الجباخنجي التوقف عن إصدار المجلة لعدم توافر تمويل لها وكتب في آخر أعدادها ( أراني مضطرا إلي أن أقول الكلمة الأخيرة .. قدمت عملا قمت به بمفردي .. ولم أجد المؤسسات التي تقوم بدورها في إصدار المجلة .. فالكل يعمل فرادي .. كل مشغول بنفسه عن الآخرين .. كل يعمل لحسابه الخاص ولا يهتم إلا بمصالحه الخاصة ولا يعبأ بغير منفعته ) هذا الكلام منذ أكثر من نصف قرن أما الآن فقد أًصبح الحال أسوأ .
وقد اعتمد عشاق الفن علي ما يكتبه النقاد في الصحف والمجلات المختلفة مثل مجلة الهلال والمصور وشموع وسطور وجريدة أخبار الأدب التي خصصت للفنون التشكيلية مساحات ثابتة وأبواب الفنون التشكيلية في جرائد المساء والأهرام والأخبار وروز اليوسف وغيرها من الصحف والمجلات إلي أن قررت الهيئة العامة لقصور الثقافة اصدار مجلة متخصصة باسم ( الخيال ) صدر العدد الأول منها في إبريل عام 2010 بدعم من وزير الثقافة فاروق حسني وإشراف د.أحمد مجاهد رئيس الهيئة ورئاسة التحرير للفنان د.إبراهيم غزالة صاحب مشروع المجلة وهيئة التحرير المؤسسة عصمت داوستاشي، وصلاح بيصار، وخالد بغدادي، ومحمد طراوي، وأيمن هلال .
مازالت مجلة الخيال تصدر بانتظام منذ خمس سنوات..ولكن الحرب ضدها لم تتوقف .. وكنا ومازلنا نقاوم لكي تستمر وتتحسن وتضم داخلها معظم طموحات وأحلام الفنانين ونقاد الفن خاصة بعد أن تقلصت الأبواب المعنية بالفنون التشكيلية في الصحف والمجلات المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011 وبعد رحيل رواد النقد الفني حسين بيكار ومختار العطار ومحمد حمزة وصبحي الشاروني ومحمود بقشيش وغيرهم الذين تركوا فراغا صعب شغله.
ضرورة إنشاء مركز وثائق الفنون التشكيلية
أما بالنسبة لتوثيق الفنون التشكيلة في مصر فلا توجد مؤسسة معنية بهذه المهمة.. وللأسف حتي الهيئات والجمعيات المعنية بالفنون التشكيلة لا تملك أي وثائق لأنشطتها.. وجهود التوثيق الفني في مصر قام بها أفراد بداية من أحمد راسم إلي صدقي الجباخنجي ، وصبحي الشاروني، وعصمت داوستاشي، وعز الدين نجيب، وسمير غريب، ويسري القويضي، وأحمد فؤاد سليم، ود. ياسر منجي وآخرين كلهم عملهم فردي وجهودهم محدودة.
وأخيرا لم تستطع مجلات الفن التشكيلي حتي الآن أن تغطي كل حركة الفن خاصة إبداعات الشباب واتجاهات ما بعد الحداثة والفن المفاهيمي .. وهذا يؤكد أن مجلات وكتابات الفن التشكيلي لم تكن منذ بدايتها متوازية مع الحراك التشكيلي المعاصر ولعل هذا دفع كثيرا من شباب الفنانين إلي الهجرة بأعماله الحداثية الي الغرب حيث رحبوا بهم واحتضنوهم وقدموهم لجمهور الفن العالمي بدراسات وكتابات لم ولن تتوافر لهم في مصر .
وأطالب بضرورة إنشاء مبني خاص في أرض الأوبرا تابع لصندوق التنمية الثقافية كمركز لوثائق الفنون التشكيلية المصرية ويمكن التوسع فيه مستقبلا ليضم وثائق الدول العربية ومستعد في هذه الحالة أن اهدي هذا المركز الأرشيف الكبير النادر الذي أملكه عن الفنون الجملية في مصر منذ بدايات القرن الماضي وحتي الآن ويضم (صحفا ، مجلات ، كتبا ، مطبوعات ، وكتالوجات لمئات المعارض الجماعية والفردية ، صورا فوتوغرافية نادرة- شرائح ضوئية ذنيجاتيف، افلام 8مم ، فيديو ، تسجيلات صوتية ، اسطوانات الكترونية ، وثائق أصلية للفنانين ، خطابات ، بوسترات معارض ، ميداليات معارض وبيناليات تذكارية، طوابع بريد عن الفن والفنانين) وغير ذلك من الوثائق غير المتوفرة في مكان آخر لتكون بمثابة البداية لجمع ما يمكن جمعه من وثائق الفنون التشكلية والعمل علي ارشفتها وترميمها وتبويبها وحفظها واتاحتها للدارسين والباحثين (بنك معلومات ،ذاكرة الفن) خاصة اني لم اعد قادرا علي استقبال دارسي الماجستير والدكتوراة الذين أمدهم بالمادة العلمية مجانا وتطوعا مني.. وقيام مركز تابع لوزارة الثقافة بهذا العمل أفضل كثيرا من جهودي الفردية.. فإن ضاعت ذاكرة الفنون التشكلية في مصر (وهو هدف يسعي البعض لتحقيقه) ضاع تاريخنا الفني الحديث عبر مائة عام.. خاصة ان العمل علي تهريب الوثائق والأعمال الفنية للخارج مستمر.
وفي السطور التالية قمت بتوثيق بعض أهم المجلات المعنية بالفنون في مصر من المهم نشرها لمعرفة كل المحاولات المحبطة لإصدار مجلة للفنون.. وكل الجهود الفردية لإصدار كتاب في الفنون الجملية حيث ترفض كل دور النشر إصدارها لضعف توزيعها والذي يستغرق سنوات طويلة لذلك ينشر بعضنا - وانا منهم الكتب والدراسات والأبحاث علي نفقتنا الخاصة ..
وقد أًصدرت عام 2008 أول ذاكرة للفنون التشكيلية في مصر في مائة عام توثق عاما وراء الآخر ميلاد الفنانين منذ عام 1888 وهو عام ميلاد محمد ناجي مصحوبا بالأنشطة الفنية والمؤسسات التي قامت وأهم الأحداث الفنية - المعارض والبعثات والمطبوعات وغير ذلك بحيث لا يضطر الباحث إلي البحث في عشرات الكتب للحصول علي معلوماته.. وقد أصدرت لي الهيئة العامة لقصور الثقافة هذه الموسوعة دون مقابل في طبعة محدودة.
أحدث مجلة فن هي "مجلة كاميرا" حيث صدر العدد الأول في شهر أكتوبر 2015 العدد الأول من مجلة (كاميرا) كأول مجلة متخصصة في التصوير السينمائي والفوتوغرافي وهدفها كما كتبه الفنان المصور رمسيس مرزوق رئيس مجلس إدارة المجله في كلمته الافتتاحية: (إننا نهدف إلي السمو بهذا الفن عند الهواة والمحترفين) وصدرت المجلة بدعم من صندوق التنمية الثقافية وجهات أخري كما أفصحت إقبال بركه رئيس التحرير في كلمتها.. وضم العدد موضوعات مختلفة تغطي الفوتوغرافيا والسينما والفيديو ومعارض التصوير الضوئي.. ونتمني استمرارها.
أما عن المجلة المختصة بالفنون التشكيلية التي تصدر الآن فهي مجلة الخيال ( شهرية للفنون البصرية). وقد صدر العدد الأول منها في إبريل 2010 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة د.أحمد مجاهد وبرئاسة تحرير الفنان د.إبراهيم غزالة صاحب فكرة المجلة وهيئة تحرير من عصمت داوستاشي ، صلاح بيصار ، خالد بغداد وبدعم من فاروق حسني وزير الثقافة في طباعة ملون فاخرة.. ومنذ صدور هذه المجلة وحتي الآن وهي في صراع من اجل البقاء وهي مستمرة في الصدور بعد ان توقفت مسيرتها ثلاث مرات فاعتبارا من العدد السابع والعشرين اختفي اسم ابراهيم غزالة كرئيس تحرير للمجلة .. ومع العدد الحادي والثلاثين الصادر في اكتوبر 2012 أصبح الفنان صلاح بيصار رئيسا لتحرير المجلة .. وبعد خمس سنوات من صدورها اصبح رئيس تحريرها الفنان أحمد الجنايني اعتبارا من العدد الواحد والستين 2015.. وظلت محتفظة بنفس الشكل والمضمون مع تغييرات كل رئيس تحرير جديد ومازلت الحرب ضد سياسة المجلة قائمة ولكنها في الحقيقة حرب ضد القائمين علي اصدار المجلة بداية من مؤسسها ابراهيم غزالة ويظل هدفنا الأول هو استمرار صدورها لتفردها في مجالها الصحفي .
أول محاولة لإصدار مجلة فن:
مجلة ( الظلال ) صفحة من الفن المصري .
اصدرها رائد النقد المصري الحديث الشاعر الرسام احمد راسم (1895- 1958) عام 1936 في شكل كتاب لتجنب متاعب استخراج تصريح لمجلة دورية.. ووعد باصدار (ظلال) في اجزاء متتالية.. وصدر العدد الأول والأخير في قطع متوسط في 166 صفحة نصفها صور فنية لمن كتب عنهم في النصف الثاني ومنهم محمد ناجي ، محمود سعيد ، محمود مختار ، امي نمر ، جورج صباغ ، أحمد صبري ومجموعة من الفنانين الأجانب المقيمين في مصر.. والنسخة الموجودة عندي من (الظلال) موقعة من أحمد راسم.
أول مجلة للفنون لطلاب الفن:
مجلة (الفنون الجملية العليا)
صدر عدد واحد يتيم من هذه المجلة عام 1947 في قطع مربع 2222سم غلاف ملون وورق جرائد وتكشف مقدمة هيئة التحرير ان طلبة مدرسة الفنون الجميلة العليا ( افتتحت عام 1908 ) كافحوا طوال نيف وعشر سنوات من أجل إخراج مجلتهم.. وتتكون هيئة التحرير من لويس جورجي رئيسا وعضوية الطلاب حسن فؤاد ، كمال أمين، مراد القليوبي ، سمير رافع ، مختار العطار.. وكتبوا في التصوير والنحت والزخرفة والحفر والعمارة.
أهم مجلة احترافية للفنون الجملية في مصر:
مجلة (صوت الفنان)
أصدرها الفنان والناقد وأستاذ تاريخ الفن والصحفي محمد صدقي الجباخنجي علي نفقته الخاصة في مايو سنة 1950 (العدد الأول) واستمر صدورها حتي العدد 32 الصادر في ديسمبر 1952 بلا توقف ويكتب الجباخنجي في آخر اعدادها (لا حياة لأمة بغير الفنون.. ولا حياة للفنون بغير رسالة تنطق بلسانها.. وتنتهي هذه الرسالة عندما تصبح الفنون نقمة علي أصحابها) وأوقف المجلة لعدم وجود رعاة يساعدونه في تكاليف أصدارها.. وكتب (الكل يعملون فرادي.. كل مشغول بنفسه عن الأخرين.. كل يعمل لحسابه الخاص ولا يهتم إلا بمصالحه الخاصة ولا يعبأ بغير منفعته) هذا الكلام منذ أكثر من نصف قرن والحال الأن أصبح أسوأ.
صدرت صوت الفنان في حجم متوسط ( كتاب ) في خمسين صفحة ابيض واسود مع غلاف ملون ويشتمل العدد علي مادة فنية متنوعة أغلبها يعتمد علي التعريف بمختلف مجالات الفنون الجميلة التي تهم المتخصص وطالب الفن والهاوي والمتلقي لتقترب من القاريء العادي.
مجلات فنون لم تستمر :
1950 مجلة العمارة والفنون .
1954 مجلة الفنون العملية .. تصدرها ادارة التربية والتعليم بإشراف محمود النبوي الشال.
1961 الكتاب السنوي لجمعية محبي الفنون الجميلة.. مجلة في شكل كتاب ،عددين فقط.
1962 مجلة خطاب المعهد .. تصدر عن اتحاد الطلبة بمعهد التربية الفنية للمعلمين.
1967 اول مجلة لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية.. عدد واحد باشراف الفنان اسماعيل طه.
1971 مجلة الفنون.. عن الهيئة العامة للتأليف والنشر وتهتم بكل انواع الفنون.
1973 النشرة الثقافية لجمعية محبي الفنون الجميلة.. باشراف بدرالدين ابوغازي.
1976 مجلة أقلام الصحوة.. باشراف عصمت داوستاشي ومحمود عوض أدبية تشكيلية.
1978 مجلة الكلمة.. أصدرها عزالدين نجيب علي نفقته الخاصة.
1979 مجلة أفاق.. بإشراف محمود درويش وعزالدين نجيب.
1981مجلة الشموع.. تصدرها لوتس عبد الكريم ثقافية تشكيلية شهرية.
1984 مجلة فنون تشكيلية.. عدد واحد تجريبي اصدرها عصمت داوستاشي.
1984 مجلة الفنون التشكيلية.. عددان من إصدار نقيب نقابة الفنانين التشكيليين صالح رضا.
1986 النشرة.. محاولة ثانية لنقابة التشكيليين صدر منها خمسة أعداد.
1987 الندوة.. عدد واحد أصدره مجلس ادارة نقابة الفنانين التشكيليين بالأسكندرية.
1988 مجلة الكلمة والشكل.. نصف سنوية تصدرها كلية الفنون الجميلة بالقاهرة.
1989 مجلة المؤتمر.. عددان أصدرهما المؤتمر العام الأول لنقابة الفنانين التشكيليين.
1990 مجلة فنون جميلة.. عدد واحد تصدرها كلية الفنون بالقاهرة .
1990 مجلة فنون تشكيلية.. عددان عن نقابة الفنانين التشكيليين بالقاهرة محمد سليمة.
1991 مجلة بانوراما تشكيلية .. بإشراف أحمد نوار عن المركز القومي للفنون التشكيلية.
واستمر مشروع اصدار مجلة متخصصة للفنون التشكيلية حلما يراود الفنانين والنقاد.. فتظهر كل عام تقريبا مجلة تصدر عددا أو اثنين وتتوقف مثل مجلة شل وحررها مكرم حنين ومجلة عين وحررها عادل السيوي عام 1996 ومجلة الفن المعاصر عن أكاديمية الفنون ومجلة كلية فنون الاسكندرية عام 2000 ومجلة اتيليه الغربية 2001 والنشرة عن النقابة وشباب الفن عن صالون الشباب الرابع عشر عام 2002 وغير ذلك من الأحلام المحبطة.. وفي نفس الوقت يعمل نفر من الفنانين والنقاد لإيقاف مجلة (الخيال) بمبدأ (انا مش فيها راح أخفيها) وهي المجلة الوحيدة الآن التي يجب ان نحافظ عليها.