الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    ارتفاع في أسعار الذهب بكفر الشيخ.. عيار 21 بكام؟    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوصايا
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 10 - 2015


الفكة
كنت عائداً من لجنة التصحيح بعد الحادية عشرة مساءً، عندما رأيت في وسط الشارع التجاري بالمدينة عربة يد، علي سطحها كوم من الموز، وقد جلس قبالتها شاب، وضع رجلاً فوق أخري، الشارع يتناوم والأرجل خفت، ولكن أين الرجل المجلبب الذي رأيته في مكان الشاب، في طريقي إلي اللجنة بعد الظهر، وقتها أرجأت الشراء، طبقاً للوصية الأولي التي وضعتها لشراء الموز. وهي ألا أشتريه والعربة ممتلئة به. فالبائع يتظاهر بإرضائك بقطع مشط من السباطة التي انتقيتها، ويده المحترفة لا توفي الميزان، حتي يلتقط بسرعة البرق إصبعاً مستوياً أكثر من اللازم، وآخر مخضراً، أو بعضاً من حجم صغير، يريد أن يخلص من الفرط الذي أمامه بسرعة، غير مبالٍ باحتجاجك .
أما الآن فقد بقيت عدة أمشاط، كأنها زبد مغلف بقشر رقيق أصفر غامق، به بقع بين البني والأسود. أخرجت ورقة بمئة جنيه، فقال الشاب:
- اتلمت العربة من الحاج منذ قليل، وليست عندي فكة .
أشرت إلي درج نصف مفتوح في صندوق صغير، أشبه بصندوق، ماسحي الأحذية، لمحت به فكة، وأضفت أنني سأخذ كيلوين لعل ستة عشر جنيهاً، تغريه، لكنه ردد عبارته السابقة بآلية. طافت عيناي، أبحث عن محل فاتح، لمحت صيدلية أسرعت إليها، محرجاً، وغير مستسيغ سلوك الشاب، بدا لي من لهجته، وبنطلونه وقميصه، أنه متعلم. أمثال أبيه - عادة وقد تعبوا من الوقفة طول النهار يسهلون البيع، وقد يها ودون في السعر، لينصرفوا مبكراً .
هز المستخدم خلف مكنة النقود رأسه نفياً، فأوشكت أن أشتري مالايبور عندي كالأسبرين والمكملات الغذائية، لكني عدلت، فلن يرضي المستخدم الحرج لنفسه.
مشيت عازماً الاستغناء عن الموز، وإن كنت سأفوت فرصة لا تسنح لي كثيراً. قصدت محل عصير قصب ما زال يعمل. وفي طريقي ترددت.. هل سيفك مئة جنيه من أجل جنيه ثمن كوب العصير..؟! كما أنني لا أود الشرب.. سكره الزائد سيحد من شهيتي علي العشاء، وقد يمنعني من تناول الموز .
ولو التمست الفكة في شارع آخر، قد أعود ولا أجد هذه الخلاصة التي تغري السائرين. خلاصة تشبه الموز ذات النقط البنية، التي كانت تطالعنا أشجاره بأوراقها العريضة، ورائحتها الزكية في أراضي طرح النهر، حين نتمشي علي شط النيل، ونلقي عربات اليد المحملة به، فور خروجنا من الجامع بعد صلاة الجمعة، أصابعه فائرة، مرملة، وقشرته مطاوعه، ولا تجد طرفاً في أي إصبع زاد نضجه وأصبح سوبيا، تميع النفس، وفي جوار هذه العربات أخري محملة بالموز المغربي، الإصبع في حجم إصبع ونصف من البلدي، ويشبعك وسكره ليس قاطعاً أيضاً، لكنه يفتقد مزازة البلدي، ويفوقه في السعر، فالكيلو باثني عشر قرشاً، أزيد بأربعة قروش. وكان أطفالي يسعدون عندما يحصلون في نصيبهم علي إصبعين ملتصقين في قشرة واحدة، كان دوماً عامراً بها، وكأنه إصبع واحد ، وكنا نسميه : الموز أبو روحين .
عرج بعض المارة علي العربة..
غيرت وجهتي وأنا أردد .. أحسن .. فالموز يسبب لي حساسية .
دهشة :
عندما طالعت علي ورقة في حجم الكف، أعلي عصا رفيعة مرشوقة في مقدمة عربة اليد، الثمن 500 وفوقها علامة القرش، اقتربت وطلبت كيلو، أشارت بنت دون العشرين إلي موز صغير مسود القشرة في جانب العربة، قائلة إن هذا بخمسة جنيهات، وأشارت إلي موز آخر في مؤخرة العربة، حجمه أكبر وقشرته صفراء، قائلة أن هذا بخمسة ونصف .
أعدت قراءة اللافتة، وجدت الصفر الذي يلي الخمسة مكتوباً علي هيئة دائرة صغيرة جداً. تفصد عرق أسفل رقبتي وأشرت إلي الموز الصغير.
نكست البنت رأسها، وذهبت كل عين إلي ناحية. واكتسي وجهها الداكن السمار باستغراب .
قطعت من ساق سباطة صغيرة، أصابع موز ذابلة الأطراف، وأضافت إصبعين مفروطين من العينة نفسها لتكمل الميزان.
نقدتها الثمن، وتراجعت عن إلقائه في الشارع كما نويت، حتي لا أطلق غضبها المكتوم، وحملته إلي البيت، وقد شفيت غليلي من كل بائعي الفاكهة. خاصة تلك المرأة التي جادلتها في الثمن المعلن بالطريقة نفسها، فرفضت البيع لي، ولدرء ما لحق بي من إهانة، وافقت علي السعر الذي أرادته، لكنها تمسكت بالرفض قائلة: روح أحسن لك .. الشمس حامية عليك .
وفي البيت عندما قشرت الموز، دهشت .. فلم يكن كما تصورت، طرياً من فرط النضج، وكان طعمه مقبولاً. ومع أني كنت مزهواً، لحرمانها من الطُّعم الذي تستدرج به الزبون لما تريد، إلا أن ضيقاً تسلل إلي نفسي، لمخالفتي وصيتي الثانية، ألا أقترب من عربة تعلن عن الثمن بهذه الطريقة، وحاولت التماس العذر، فلم أتحقق من اللافتة عن بعد .
عدم استئذان :
تحلقت نسوة حول عربة، بعضهن وضعن مناديل هفهافة حول رءوسهن، ومن بلوزاتهن ذات الألوان الصريحة، خمنت أنهن مدرسات في المدارس الابتدائية والإعدادية، التي يحفل بها هذا الشارع الرئيسي. أو لعلهن موظفات في طريقهن إلي بيوتهن، يحملن سلالاً بلاستيكية بها خضر وخبز .
عزمت علي شراء كيلو جرامين، ورجل في الثلاثين تقريباً، يقف أمام عربته حيناً، وفي الجنب حيناً، يتأمل بضاعته، قبل أن ينتش حذراً، بسكينه نصف الدائري، كالشقرف، ساق السباطة، فتأتي قطعتيه مناسبة لطبة الميزان. وقد يضع مشط القطعية الأولي علي كفة الميزان وهو يسأل من طلبت كيلو جرامين أن يزيد نصف كيلو، وتدفع خمسة عشر جنيهاً. وحين تأتيه الموافقة يلف لها الموز في ورقة جرائد .
طلبت كيلو جرامين، وناولته خمسة عشر جنيها. أخذت مالفه وانتظرت ..
لبي طلباً لهذه وآخر لتلك، دون أن ينظر ناحيتي. ولما ظللت واقفاً، قال ببرود :
- خلاص .
كان هاجس قد حرك بوادر غضبي، مالبث أن زاد بعد تصريحه، وقد ضاقت نفسي لأنه لم يستأذنني .
هل آمره بشيل نصف كيلو .. ؟!
سيكون رده السمج حاضراً: موز شهد لا يعرف قيمته إلا مثلك .
وسأضطر للانصراف مغلوباً علي أمري، فليس معقولاً أن أصر، من أجل ثلاثة جنيهات لا قيمة لها .
وأخذت أبرر فعلته..؟!.. هل لحظ أن سحنتي مختلفة، عن سحن ساكنات مجاهل أفريقيا، كما كنت أطلق علي حاراتهن المتفرعة من هذا الشارع .. ؟! أم قدر من هندامي أن مثلي لن يرد له طلباً، فآثر عدم السؤال .. ؟!
أم ظنني لمحت ما وضعه من سنج علي كفة الميزان، وعَّد عدم اعتراضي موافقة علي ما فعل .. ؟!
هل ألقي الموز في وجهه الذي بدا بلون المعسل، وأغور من نظراته اللزجة كالبقايا التي يخلفها التدخين .
كظمت غيظي، قدمت رجلاً، تبعتها بأخري، ومهما كان منظر الموز يشرح القلب، فلن أغفر لنفسي مخالفتي وصيتي الثالثة، ألا أشتري من شباب المدينة، وإن كان الفلاحون قد تملعنوا أيضاً، ولكنهم أرحم .
عين خابية :
كنت عائداً من تصحيح مادتي في الثانوية العامة، مرهقاً، يكاد الليل ينتصف، وقد خلا الشارع الرئيسي الذي أسلكه دوماً، من المارة إلا قليلاً. وهو يقف بعربته. لمحت السعر المعلن في مقدمة العربة، وأشرت بسبابتي ما يعني واحداً.
دار بنظره يفحص صحن العربة، أمسك قطعة من سباطة، وتركها. وزن بنظره أخري.. وأخري.. حتي توصل إلي ما اعتقده يفي بالغرض وألقمه كفة الميزان .
بانت لي ملامحه الصعيدية. وعندما صاح بامرأته أن تأتي بأربعة جنيهات ونصف، بينما أستحق خمسة، لم أجد في نفسي قدرة علي تنبيهه، وعاودت النظر إلي اللافتة، بعينين خابيتين، وكانت العشرة جنيهات في يده، ولم ألتم علي الفكة. وعندما أخذتها تحركت قدماي كالمنوم مغنطيسياً، لا تغادرني نظرة الفرح من عيني زوجته ولهفتها وهي تستجيب: حاضر .. حاضر يا خويا .
في البيت وقد استرددت نفسي ، لم أوبخها، فلم أخالف أية وصية، فهذه حالة طارئة، ربما يكفي وضع تحذير للتعامل مستقبلاً .
غباء :
كنت متفائلاً دون سبب، وقادني تفاؤلي إلي عربة موز، علي الناصية لبائع الجرائد الذي أتعامل معه، مخالفاً وصيتين مرة واحدة .
لم أكد أشير بإصبعي، حتي قفز شاب كفرقع لوز، في جوانب العربة، يرتدي بنطلون جينز، ويعلق في حزامه الجلدي سلسلة مفاتيح وتليفوناً. يفرق شعره من المنتصف، تساعده نحافته وقصر قامته، علي التنقل السريع .
التقط إصبعين فيهما الرمق ووضعهما علي كفة الميزان، وبخفة نشل عدة أصابع معلقة في زنبوخ أخضر وأضافها، ونظر يميناً وشمالاً، كأنما فاته شيء، وألقي بعدة أصابع سوداء القشرة، طببت الميزان.
- غيرَّ هذه ..
لبي بسرعة، واستبدل بالسوداء، أخري يمكن قبولها بلجنة رأفة. وبش في وجهي قائلاً :
- لن أبيع لأعز منك .
خجلت من طلب التغيير ثانية، وحملت ما أعطانيه في كيس بلاستيكي، أوشكت أن أتركه ليعطيه لأي غلبان مار، لكني غادرت ناوياً ألا أشتري منه ثانية، وقد ضايقني ظني.. هل قلل من شأني لأني اشتريت كيلو جراماً فقط، أم عدَّني عجوزاً ولا بأس من استغفاله .. ؟!
سرت وقد لاح لي وجه زوجتي الممتعضة حين تري ما أحضرته، وسوف تنعتني بالخيبة، كما تفعل أحياناً، عندما أشتري فاكهة.
وسأرد .. المهم الطعم . وهل لما حملته طعم .. ؟!
وستقول .. ألا تدعي أنه يسبب لك صداعاً وهرشاً .
وسأعيد عليها للمرة الألف .. به بوتاسيوم .. وهو مهم للجسم. وسترد .. وهل هذا يبرر نهمك له .
وسوف تعايرني.. بدلاً من هذا .. كنت اشتريت ما طلبته لعمل السلاطة. وسأقطع استمرارها في التعريض بي، بمحاولة التضاحك قائلاً.. عيب عليك يا فلفل تباع بسبعة جنيهات.. واختشي علي دمك يا قوطة ولا تباعي بثمانية جنيهات.. هل يصح هذا، والموز عمكما يباع بخمسة جنيهات .. ؟!
وبينما أعد نفسي لأتلقي وعدي، سخطت علي البائع. وبعدما مشيت عدة خطوات استدركت.. ربما لو كنت مكانه لفعلت مثله، وإلا أين سيودي ببضاعته غير المقبولة .. ؟!
آي نعم .. لكن ليس هكذا. كل مشترٍ يضع له إصبعاً أو اثنين ، عندها لن يتذمر أو يشكو، أما أن يبيع الطالح كله لزبون واحد.. فهذا هو الغباء بعينه .
لست غريباً :
ناولته ورقة بعشرة جنيهات. دس يده في جيبه وتلكأ فتوجست . التفت إلي صديقي الذي أقلني في عربته، كان يشتري برتقالاً من بائع آخر. كدت أسأله متي سيذهب إلي الإدارة، وكثيراً ما فعلتها بتشجيع منه ونحن نستقل عربات الأجرة في العاصمة، تنفرج أسارير السائق ظاناً أنه التقطها وهي طائرة وصديقي يرد أنه أطلق سراح مخالفي المرور، مراعياً زحام الشوارع وسط البلد، يدعو السائق له ويرجو الله أن يكثر من أمثاله، ويوصلنا أمام باب البيت الذي نقصده بالضبط ويصر صديقي علي دفع الأجرة، التي لا يغالي فيها السائق بطبيعة الحال. عزفت عن السؤال، حتي لا يقترب ويكشفني، فقد اشتريت كيلو موز واحداً، لفه البائع في ورقة جريدة، ووضعها في كيس بلاستيكي .
تعجلت طلب الباقي، فأعطاني بعد لأي ثلاثة جنيها، فأشرت إلي اللافتة مكتوباً عليها ستة جنيهات، رشقتني عيناه الترابيتان، بأشواك من وبر الخيش، ومن حنجرة من الحجر الجيري المطفأ جاءتني عبارته "هو كده" .
ومنعني خجلي أن أستجير بصديقي، سعادة البك الواقف بقرب عربته السوداء، الذي سرعان ما سيلتقط مني الخيط، ونتبادل نسجه حول ابن الحرام، بسحنته الغبراء المبطعة بأحمر طوبي، وشعره القصير الخشن، يرتدي بنطلوناً محزقاً وقميصاً باهت اللون .
وندمت علي سؤاله عن أقرب طريق للمستشفي الخاص الذي نقصده في طرف المدينة، هل أقذف بالكيس أرضاً، هل أقلب العربة بما عليها .. ؟!
وعذرت نفسي حتي لا أؤنبها لمخالفة إحدي وصاياي، فلم أجد بائعاً سواه.. وليس معقولاً أن أعود إلي داخل المدينة وقد أوشكت علي الوصول لكن مالا أغفره.. سؤاله قبل إنهاء مهمتي معه .
ووجدتني أقول في غيظ "لا تفعلها ثانية"، وأنا أسرع إلي صديقي الذي أدار عربته ، سأسبقه إلي حمل الفاكهة، غير آبه باعتراضه فلا فرق بيننا، وعليه فقط السؤال في الاستعلامات عن موقع ورقم الحجرة ، ويتقدمني في المسير إليه، وفي الحجرة سأضع ما أحمله فوق أول كرسي أو ترابيزة أصادفها .
انتشاء :
نظرت في ساعتي. نصف ساعة تفصلنا عن منتصف الليل. وقد هلت عربات نصف نقل محملة بالموز إلي الميدان الذي أعبره إلي شارع متفرع منه حيث بيتي .
لماذا لم ينتظروا حتي الصباح .. ؟!
واضح أنهم جاءوا من المزارع، وليسوا مثل مؤجري المحال هنا، الذين يرصون فيها الموز الأخضر فوق قش أو نشارة خشبية، حتي ينضج. وقد لحظت أنهم أحياناً يبيعونه قبل الأوان .
وغير بعيد عن هذه العربات، لمحت عربة يد محملة بموز أعجبني منظره .
- كيلو
نهض عن كرسيه، فبانت قامته متوسطة. وجهه مشدود الجلد. وتطلع نحوي بعينين غير متسعتين، جفونهما بيضاء، كجفون العاملين في معامل التخليل .
نظرت إلي ما وضعه في كفة الميزان، مشط كبير يزن ما يقرب من ثلاثة كيلو جرامات.
وصدق ما توقعته، حين قرأت ما علي السنجة في الكفة الأخري .
- كيلو فقط .
أكمل الوزن بأصابع اقتطعها بسكينه من مشط آخر .
- كيلو فقط .
التقط فرخاً من جرائد قديمة في مقدمة العربة، وشرع في نقل الموز إليه .
- قلت لك كيلو ..
وأدرت وجهي لأنصرف .
بعينين ميتتين تطلع إلي . حركت إحدي قدمي وأنذرته :
- ها .. ؟!
أنزل السنجة ، ووضع أخري بوزن كيلو جرامين .
- كيلو يعني كيلو ..
وخطوت وقد تضاعف وخزي علي مخالفتي إحدي وصاياي، عندما جاءني صوته شاكياً :
- يظن الزبون أننا نمد يدنا في جيبه .. !
تطلعت إليه .. ماذا سأفعل بكمية كبيرة ، ولا يوجد سواي والحاجة، وهي عندها سكر ولن تأكل أكثر من إصبعين، وأنا بالكثير ثلاثة أو أربعة أصابع، وفي اليوم التالي سيسود الموز الباقي، وبعضه قد يصبح لزجاً، تجزع منه النفس.
خطوت خطوتين ونظرت ..
تناول سكينه علي مضض وقسم المشط
نقدته الثمن ، وسرت منتشياً .
حرية :
انصرفت اليوم من اللجنة في العاشرة مساءً، لفت نظري موز مرصوص علي مدرج خشبي . جاء رجل مجلبب من داخل المحل، مهوش شعر رأسه الخفيف، جسده مستطيل مدكوك، وجلده أسمر مشوب بحمرة.
- بكم .. ؟!
- سبعة جنيهات .
- الكيلو بستة في الدنيا كلها .
أشار لعربات تقف في الميدان القريب وقال :
- هات منها .
- موزك أعجبني .
افتر فمه عن مشروع ابتسامة، خففت من انطفاء سحنته، التي بدا أنها لم تغسل منذ أسبوع .
- كيلو ونصف بعشرة جنيهات .
- كيلو فقط .
ونظر إلي بعينين زلاليتي البياض، فنويت الانصراف، متجنباً مخالفة وصيتي بعدم شراء فاكهة من محل .
- معك فكة
قلت في ضيق .
- لا أريد
قال في سماجة :
- أنت حر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.