أستمع إلي أم كلثوم كل ليلة، منذ كان الخميس جوهرتها النادرة، وسائر الأيام كالعقد الفريد.. هي إدمان الوحيد. وإيقاظ البغيد علي صهيل فرس لا تروض بسرج ولجام. نسمعها معاً فنطرب واقفين، وعلي حدة فنظل واقفين.. إلي أن تومئ لنا الملكة بالجلوس فتجلس علي متر من ريح، تقطعنا مقطعاً مقطعاً بوتر سحري لايحتاج إلي عود وكمان.. ففي حنجرتها جوقة إنشاد وأوركسترا كاملة، وسر من أسرار الله. هي سماء تزورنا في غير أوقات الصلاة، فتصلي علي طريقتها الخاصة في التجلي. وهي أرض خفيفة كفراشة لانعرف إن كانت تحضر أم تغيب في قطرة ضوء أو في تلويحة يد الحبيب. لآهتها المتلألئة كماسة مكسورة ان تقود جيشاً إلي معركة... ولصرختها ان تعيدنا من التهلكة سالمين. ولهمستها أن تمهل الليل فلا يتعجل قبل ان تفتح هي اولاً باب الفجر. لذلك لاتغمض عينيها حين تغني لئلا ينعس الليل. هي الخمرة التي تسكرنا ولاتنفد.. الوحيدة الوحيدة سعيدة في مملكتها الليلية.. تجنبنا الشقاء بالغناء، وتحببا إلي احدي حفيدات فرعون ، وتفربنا من أبدية اللحظة التي تحفرها علي جدار معبد ينصاع فيه الهباء الي شيء ملموس. هي في ليلنا مشاع اللا أحد.. منديلها، ضابط إيقاعها، بيرق لفيلق من عشاق يتنافسون علي حب من لايعرفون.. اما قلبها ، فلا شأن لنا به.. من فرط ما هو قاس ومغلق كحبة جوز يابسة!