في تقرير نشرته "ذا موسكو تايمز" مؤخراً كتبت آنستازيا بازينكوفا، أن مكتبات روسية عديدة تغلق أبوابها سنوياً، مما يهز صناعة النشر ويهدد الكتابة كحرفة. فمكتبات روسيا تصارع من أجل البقاء، بسبب إرتفاع معدلات الإيجارات وقلة اهتمام الزبائن. "في موسكو، وتعتبر المدينة الأكثر قراءة في روسيا، توجد 226 مكتبة باقية لخدمة 12 مليون نسمة" يقول بوريس كبريانوف، ناشر وأحد مؤسسي مكتبة فلانَستر، الذي أضاف أن "باريس التي يقل تعداد سكانها بخمسة أضعاف، بها 700 مكتبة". وبينما ينخفض عدد المكتبات، تلتهم مشكلات قطاع بيع الكتب الناشرين والكتاب الروس. أوليج فيليمونوف، نائب رئيس اتحاد الناشرين الروس، يصف حلقة مفرغة: "غلق المكتبات يحد من مساحة البيع بالتجزئة المتاحة للناشرين، الذين يردون بطباعة عدد أقل من العناوين. كي لا يخسروا في طبعات محدودة النسخ، يجب أن يرتفع السعر. القراء يردون علي ارتفاع الأسعار بمعدلات شراء أقل، المبيعات المتدنية تطرد مكتبات أكثر خارج السوق، ما يقلل من مساحة البيع بالتجزئة بدرجة أكبر." حل واحد لهذه المشكلة، علي الأقل للناشرين، ربما يتمثل في مبيعات الكتاب الإلكتروني. لكن انتشار القرصنة يعني أن العائد من المبيعات الرقمية ستكون منخفضة. وكلما انخفضت أرباح الناشرين، كلما قلت قدرتهم علي الوصول لمنتجي المحتوي أي الكُتَّاب. المشكلة الرئيسية للمكتبات تتمثل في أن الروس يفقدون الاهتمام بالقراءة. رغم شهرة الدولة في الأدب ونسبة الأمية المنخفضة، العام الماضي أكثر من نصف المواطنين الروس لم يقرأوا كتابًا واحدًا، بزيادة عن ربع المواطنين عام 2009، بحسب تصريح سيرجي ستيبشين، رئيس اتحاد الكتب الروسي لوكالة أنباء تاس في يوليو الماضي. "الشباب ينظرون للكتب كوسيلة ترفيه فقط، وفي هذا التصنيف لا تستطيع الكتب منافسة التقنية الحديثة"، قال كبريانوف. "بدون إجراءات من الدولة لتنشيط الاهتمام بالقراءة والترويج للكتب كمصدر للتعليم، سوف يستمر الاهتمام في الضعف". أما ستيبشين فيؤكد أن "عدد المكتبات في روسيا انخفض من 8500 في التسعينات إلي 1500 الآن." ضعف اهتمام المستهلكين مشكلة، لكن مكتبات عديدة تغلق بسبب تكلفة الإيجار بالغة الارتفاع. في العهد السوفيتي، لم تكن المكتبات تدفع إيجاراً وكانت حتي تحصل علي دعم مادي من الدولة لدفع فواتير الخدمات. "الآن معدلات الإيجارات والضرائب للمكتبات هي نفسها لمحلات الخمور." بحسب فيليمونوف. الامتيازات الخاصة، مثل إيجارات منخفضة، متاحة فقط لسلسلة المكتبات الروسية الأكبر "دوم كنيج". في يوليو من هذا العام بدأت رسوم التداول التجاري، التي تدفعها المحال التجارية كل ثلاثة أشهر، كي تبيع بضائعها بطريقة مشروعة، هذه الرسوم سوف تزيد العبء بدرجة أكبر. لتغطية هذه التكلفة، المكتبات الأكبر تخصص مساحة أوسع لمنتجات ذات صلة، أو تتحول لمراكز ثقافية، لتضم تحت سقف واحد مقهي ومكاناً لاستضافة الحفلات الموسيقية وورش العمل. لكن المكتبات الأصغر لديها خيارات أقل. تأثير غلق المكتبات سيؤدي إلي تقليل كم الكلمات المطبوعة. العام الماضي، عدد الكتب والمنشورات المطبوعة في روسيا كان الأقل علي مدي 7 سنوات، بحسب تقرير صادر عن وكالة الصحافة الفيدرالية والإعلام الجماهيري. مع انخفاض عدد العناوين، حجم الطبعات ينخفض أيضا، وقد انكمش الكم الكلي من المادة المطبوعة بنسبة 10.4٪ العام الماضي مقارنة ب2013، وفقاً للتقرير الذي ورد فيه أيضاً أن أكثر من نصف الكتب المطبوعة في روسيا حاليا توزع أقل من ألف نسخة. طبعات ذات نسخ أقل تعني تكلفة أعلي للكتاب الواحد، مما يفاقم مشكلة عدم قدرة المستهلكين علي تحمل التكاليف. أسعار الكتب ترتفع أيضاً بسبب تدهور حال الروبل خلال العام الماضي، والذي ضخم تكلفة مواد الطباعة المستوردة. وضريبة مبيعات بنسبة عشرة في المئة تم فرضها علي الكتب، أعلي من المعتاد في معظم الدول المتقدمة، كما يقول فيليمونوف. الكتب الإلكترونية أقل تضرراً من ارتفاع تكاليف الطباعة، لكن برغم النمو الثابت، نسبة الكتب الإلكترونية في مبيعات السوق ليست أكثر من 2٪ وفقاً لتقرير وكالة الصحافة والإعلام الجماهيري. معظم الروس الذين يقرأون الكتب الإلكترونية يحصلون عليها بالمجان عبر مواقع قرصنة الكتب. كل هذا يهدد مهنة الكتابة في روسيا بخطر الانقراض. هناك حالياً من 10 إلي 12 شخصاً في البلد بكامله هم من باستطاعتهم كسب عيشهم من كتابة الكتب فقط، وسيكون عددهم أقل حتي في المستقبل.