حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‎والمآسي الأثرية
‎في بوست بتاريخ السبت 12 يناير 2013 م علي مدونة جدران مدينة مُتعَبة للدكتور محمد عادل دسوقي يعقد مقارنة أليمة عن دفننا لتاريخنا
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 08 - 2015

وهدمنا لتراثنا المعماري مقارنة بما احترمه وحافظ عليه أثريون ومعماريون أجانب قبل عقود من ظهور مفاهيم الحفاظ و التراث الثقافي . و يستشهد المعماري المذكور علي الجريمة بتوقف الاستكشافات الأثرية تقريبا منذ خمسين عاما بالمدينة مما تزامن مع بدايات التردي العمراني والمعماري لكون الظاهرتين متلازمتين كوجهي عملة واحدة كما يقول ويستخدم بعض ما ساقه الأثري الفرنسي جان إيف أمبرور والذي قضي عقودا ينقب عن الآثار بالإسكندرية وكتب إعادة اكتشاف الإسكندرية عام 1998م فقال
‎ بالمقارنة مع حفنة المواقع الأثرية التي يمكن رؤيتها اليوم لقد اختفي عدد آخر هائل من المواقع للأبد علي الرغم من إخلاص وحماس كل الأثريين الذين تعاقبوا علي إدارة المتحف اليوناني الروماني . المديرون الإيطاليون والإنجليز ثم المصريون أبدوا جميعا شغفا حقيقيا بمدينتهم. لكنها كانت معركة خاسرة وأجدني مضطرا للاعتراف أن الأمر يزداد سوءًا ففكرة إعادة البناء بمركز المدينة والتي تجعل الإسكندرية واحدة من أكبر التجمعات الحضرية حول البحر المتوسط تضمنت تضحيات لا يمكن تعويضها والوتيرة تتسارع. في السنوات الأربعين أو الخمسين السابقة لم يتم الحفاظ ولو علي موقع أثري واحد فموقع كوم الدكة المسرح الروماني كان الأخير. لقد تم انقاذه في بداية الستينيات ثم أجريت به حفريات بأسلوب خبير ومنهجي بواسطة فريق بولندي . وهو الرئة الخضراء لوسط المدينة . وبعيدا عن كونه بقعة خضراء فقد أصبح مزارا سياحيًأ يجذب آلاف الزوار كل عام . لا يمكن للمرء إلا أن يأسف أن هذا المثال لم يُحتذَ بعد ذلك.
‎ويتساءل صاحب المدونة والمعماري المتخصص قائلا
‎ هل يعلم أحد إذن الحجم الحقيقي لما تم إخفاؤه أو ردمه أو تحطيمه من اكتشافات أثرية أثناء عمليات الحفر لإنشاء مبانٍ جديدة في الإسكندرية في العقود الخمسة الأخيرة . هل يستطيع أحد أن ينفي ما تتناقله الأجيال المختلفة من سكان الإسكندرية في مناطق مختلفة من اكتشافه عن هذه الجرائم . كم تمثالا تم تحطيمه عند اكتشافه في مناطق مختلفة من المدينة كي لا تصادر الآثار الأراضي ما عدد الصهاريج والأنفاق والأقبية الأثرية التي تمت تغطيتها وملؤها بالخرسانة لتختفي للأبد تفاديا للمصادرة .
‎ويواصل د. محمد عادل دسوقي تساؤلاته هل سمعت مثلي مثلا بما حدث في عمارات الضباط في الثمانينات المعلومات الشفاهية تجزم بوجود اكتشافات مذهلة ظهرت بالفعل أثناء إنشاء العمارات بمنطقة مصطفي كامل و تم ردمها بالكامل تحت أساسات العمارات بموجب اختيار فئة ذات أهمية . ويقول د. دسوقي علي حدود العمارات تقع واحدة من أهم المقابر البطلمية في الإسكندرية وهي مقابر مصطفي كامل التي تعود إلي القرن الثاني قبل الميلاد.
‎ويذكر المعماري جهود مدير الحدائق والتشجير ببلدية الإٍسكندرية المهندس الذي صمم حدائق البلدية مبقيا علي الأسوار العتيقة للمدينة بداخل حيز الحدائق مما زادها جمالا ويشير إلي استيعاب المعماري لكل أجزاء السور الأثري للإسكندرية أثناء انجاز مبني الاستاد الرياضي البديع معماريا وهناك المعماري الذي احتوي أسفل عمارتي تورييل بشارع فؤاد صهريج صفوان الأثري دون تدميره بل أوجد مدخلا يؤدي إليه حتي صارت البلدية تسمح وتنظم استخدامه كمخبأ أثناء الحرب العالمية الثانية .
‎و من ناحية أخري كتب پيتر شڤارتز شتاين في ناشيونال جيوجرافيك موضوعا مطولا تم نشره بتاريخ 19 أبريل 2014 م وعنوانه أو انفجار مصر السكاني يهدد كنوزها الثقافية يحكي فيه فصولا من المأساة المصرية وهدم البلدوزرات لفيلا أجيون التاريخية ذاكرا أنه من عامين يقصد 2012 م ذهب عدد من الأثريين الفرنسيين في أجازة طويلة ليجدوا لدي عودتهم بعض المقاولين وقد استولوا علي موقع الحفر الأثري وبنوا عليه في منطقة الفسطاط القديمة لكن في السياق السكندري يكتب شتاين أن الإسكندرية علي وجه الخصوص ابتُلِيَت بوباء الحوادث الناتجة عن إنجاز البناء بسرعة بشكل خاطئ مشيرا إلي انهيار جدار أسمنتي الشهر السابق مارس 2014 م بجوار عدد من المشاريع والأبنية ليقتل ستة أفراد كما يستشهد بأرقام تخص ما وصفه ب وزارة الظل للإسكان وهي جماعة بيئية ناشطة عن انهيار 468 مبني ما بين 2012 م و 2013 م في مصر ويستعين بمعلومات من محمد أبو الخير من مبادرة أنقذوا الإسكندرية الذي قال كل هذا الجنون المعماري سببه عدم وجود رؤية .
‎ شروع محافظ الإٍسكندرية الأسبق اللواء طارق مهدي في هدم جزء من سور الميناء الشرقي الذي يعود عمره إلي عام 1905 م وهو مسجل بمجلد التراث للمدينة تحت رقم 122 وردم البحر فعليا بمحاذاة الكورنيش في جزء من تلك المنطقة برصفها بالأسمنت تمهيدا لإقامة موقف لسيارات القضاة ووكلاء النيابة بدعوي تخفيف الاختناق أمام مجمع المحاكم بالمنشية وقد توقف المشروع بعد احتجاج مبادرة أنقذوا الإسكندرية.
‎قصرا عزيزة فهمي و سباهي
‎هناك المئات من الفيلات والقصور بالمدينة أقل شهرة من الناحية التاريخية عن بعض القصور الضحايا المذكورة هنا .. كنت أري حطامها ولا معلومة عما كانته . الدور قادم علي أشهر قصرين هائلين في الإسكندرية بعد ما انضم ملاك قصر عزيزة فهمي علي كورنيش جليم وورثة عائلة سباهي ذات القصور والفيلات التراثية المتعددة في رشدي وستانلي باي إلي قائمة تضم 90 مبني تراثيا في القضاء الإداري للمطالبة بحق الهدم أما عن أعداد الفيلات المسجلة تراثيا فهي تتجاوز الألف وكثيرا ما كان يتم الهدم دون ترخيص أو بمجرد كسب القضية أمام القضاء الإداري بعد رفض لجنة التنسيق الحضاري بالمحافظة للمساس بالمبني المسجل تراثيا زد علي هذا التكتم الشديد الذي يحيط به قتلة المعمار عملياتهم فهم يضللون الناشطين والمعماريين الأكاديميين في حركات مثل مبادرة أنقذوا الإسكندرية بمعلومات تجافي مساعيهم الحقيقية كما حدث في الاتصالات بين المبادرة وبعض أفراد عائلة سباهي فبعد نفي العائلة وجود أية نية وأنه ليس للبيع تبين لعناصر من المبادرة أن هناك قضية رفعتها العائلة أمام ما يسمي القضاء الإداري تطالب بحق الهدم.
‎كنتُ قبل معرفة هذا أوشكت أطير فرحا باللافتة علي واجهة القصر التي تقول إنه ليس للبيع حين وقف رجال الأمن الثلاثة لمنعي من التصوير سائلين عن سبب تصويري . أبرزت ما أملك من بطاقات وهويات عمل.
‎قال أحد رجال أمن قصر سباهي بستانلي ده مفروض يتعمل متحف . قلت وده اللي حاكتبه .
‎ينفرد قصر سباهي علي كورنيش ستانلي بأن مهندسه كان مصريا بناه في الخمسينات من القرن العشرين وطرازه مختلف عن قصور الإسكندرية معماريا يمكن وصفه ب إسلامي محدث . كونه يعود للخمسينات علي تميزه وجماله فهذا يجعله أحدث تاريخيا من نظرائه الجاري هدمهم وكان قد تم تشييدهم في العشرينات أو الثلاثينيات من نفس القرن أو قبل ذلك مثل عدد من فيلات المدينة أو عمارات المنشية بعضها يعود لعام 1907 م وعام 1911 م في حين أن بعض قصور المدينة مثل قصر الكونت زغيب تعود لعام 1877 م شأن أكثر مبانيها الخدمية العامة كسراي الحقانية أو المحاكم المختلطة بميدان المنشية التي تم افتتاحها عام 1876 م والتي شارك في بنائها المهندس الإيطالي لازوف وفي عام 1886 م تم تجديدها وقام بوضع تصميمها المهندس إلإيطالي ألفونسو مانيسيكالكو وشارك في بنائها المعماري أوجستو سيزارياس كما يفيدنا كتاب ذاكرة الإسكندرية الفوتوغرافية والبنك الإمبراطوري العثماني بذات الميدان Imperial Ottoman Bank وهو من تصميم المعماري الإيطالي بروسبير ريمي الذي أعاد بناءه بعد القصف البريطاني للإسكندرية عام 1882 م والذي كان تمهيدا لبدء الاحتلال البريطاني لمصر.
‎حكي أحد المواطنين في شارع علي يمين القصر أن ثمة قضايا حوله ذاكرا اسم د. أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق كأحد المشترين الراغبين وهو ما نفاه الحراس وظل الكلام متضاربا لعامين بين من يفسر من جيران القصر سد نوافذه بالحجارة والأسمنت كدليل علي نية ملاكه هدمه مشيرين إلي مصادر وصفوها بالموثوقة تؤكد أن الهدف التعتيم علي محاولات إتلافه من الداخل تمهيدا للهدم لبناء ناطحات مكانه وبين من ظل يدعي أن سد النوافذ كان بعد تعرضه للسرقة ثلاث مرات. وتبقي الحقيقة المُرة في حالة قصر سباهي وقصر عزيزة فهمي وغيرهما أن تراث المدينة وحق الشعب في الاحتفاظ بتاريخه والانتفاع به والاستمتاع بالجمال كلها أمور ملغاة لأن القانون ما زال يستبعد الشعب ويغمض عينيه عن حقوقه بعد ثورتين مُحاصِرا مصير التاريخ والجمال في علاقة ثنائية بين طرفين المالك والمشتري.
‎ سكندريا يكون الألم
‎ليس هذا فقط عنوان أحد أقدم الدواوين الشعرية للراحل العظيم شاعرنا حلمي سالم الذي استلهم الإسكندرية هواءً و بحرا. هو حقيقة تنبعث من كل شيء في المدينة حتي تخترق الروح .
‎ربما ما يتم هدمه ليس فقط بسبب الاكتظاظ السكاني وقلة الأراضي .
‎ ربما ل حُمَّي الهدم بُعد طبقيّ أعنف مشوب برغبة انتقامية طفح بها مجتمع العولمة والانفتاح المتوحشين منذ جئت أزور بلدي شهورا قبل حرب أكتوبر 1973 م حين راعني وأنا قادمة من أوروبا في إجازة منظر تلك الأعلام الورقية الأمريكية التي صار أطفال مصر يضعونها في دراجاتهم فتظل تتحرك عجلاتها دائريا بالعلم. وأقصد أن ثقافة أفلام الجزارين وال كُلَجيّة الذين يبررون نهمهم الذي لا يشبع للمال بمنطق يرتكز علي الجمهور عايز كده هي التي تهدف إلي تسييد ذائقتها وسبيلها في مقاومة ما لا تفهمه أو تشعر بدونيتها تجاهه هو تحطيمه محوه ببساطة. المال يقدر علي فعل هذا ولعل استقالة د. محمد عوض أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية من رئاسة لجنة الحفاظ علي التراث الحضاري والعمراني بالمدينة من سنوات ما يبين حجم اليأس لكنه لا يحرج الفساد فرغم الاستقالة المسبَبة للعلاّمة المتخصص الذي كرمته إيطاليا ورئيسها بوسام الاستحقاق لجهوده في الحفاظ علي تراث الإسكندرية وإسهاماته في دراسة الإرث الثقافي الإيطالي بها فإن حديثه عن عدم تنفيذ القوانين والاشتراطات البنائية الخاصة بالمناطق التراثية مع استمرار المخالفات في حق المباني والمناطق التراثية خاصة في المساجد وترميمها كما يفيدنا طارق حسين رئيس تحرير أنباء الإسكندرية المصورة يعزز رعبنا لأن د.عوض رأي عبر سنوات ما لا نعرفه . حقا د.عوض يترأس مركز دراسات حضارات المتوسط في مكتبة الإسكندرية لكنه بانسحابه من رئاسة لجنة التنسيق الحضاري كأنما يقول لنا مفيش فايدة وهو ما يعيد إلي أذهاننا ذلك العلم الأبيض الذي رفعه د.أبو الغار في مسلسل الراية البيضاء أمام المعلّمة فضة المعدواي . لم أجد نفسي مصدومة من تصريحه لذات الجهة الإعلامية المذكورة أنه توجد منظومة فساد وتخاذل تصل إلي درجة التخريب المتعمَد لتراثنا .
‎رؤيتي لمسجد إنجه هانم بمحرم بك أجابت علي حجم ما يحدث للجوامع لأنه حتي المنشآت التي يصعب أن يهدمها رأس المال هنا بالفساد تكاد تخرج من قوائم الآثار بحكم أساليب ترميم تعتدي علي تاريخيتها حد التشويه الكامل. في حالة المسجد المذكور كانت مئذنته هي التي تبين كونه أثرًا والجميل أن الحكومات المتعاقبة لم تفكر في تغيير اسمه لكون من أقامته سيدة مما يتشابه مع احترام الهند لمقامات وليات صالحات حيث بقيت الأماكن منسوبة لصاحباتها. العمارات حول المسجد تكاد تستلقي عليه.
‎طوال حياتي أنفر من الحالة الطبقية في مجتمعنا. أنظر إلي تفشي جرثومة جمع المال بأية طريقة فأجدها موزعة بين كل الطبقات. المال العنيف الذي يعزز شراسة أصحابه ممن ينتمون لمرجعية قيمية واحدة ويبدون علي استعداد لقتل أمهاتهم من أجله. كل من يقف ببلطجيته وبلدوزراته تهدم تاريخي والهوية الثقافية لمراحله علي الحق في نسمة هواء هو مغتصب صنعته أنظمة حكمت بلدي. في بلدان أخري يتم إعدام قتلة المعمار والتاريخ الذين يشبهون من يدور علي الجيف في الحروب لسرقة أموالها.
‎ المستشفي اليوناني تحول إلي هيئة التأمين الصحي وتطور إلي مستشفي جمال عبد الناصر . هذا ما أعرفه وشاهدته علي الطبيعة. لكن ظهر مواطن شاهدني أصور مبني تراثيا بمحطة الرمل ليقول إن هذا هو المستشفي اليوناني. أحتاط من كم المعلومات المجانية ويندر أن أجادل أصحابها.أبرزت بطاقتي وقد ظننته الحارس فأفادني أنه عامل . قال إنه مُبهَر مبهور بحسب وصفه بصب الحديد الزهر وتشكيله علي بوابات مداخل أبنية زمان و مُبهَر بكل أبنية المدينة. لم يكن سكندريا لأنه لم يكن معتادا علي رؤية هذا الجمال الكثيف. كم كان جميلا أنه عامل وليس في نظرته للأشياء تلك الغِلظة والمادية الكريهة لكبار المقاولين. كنت أوقاتا أتكلم بصوتٍ عالٍ مع نفسي أسب البلادة وسكوت الناس عن الوحشية والقبح . كانوا يتعللون - بأصوات زاعقة في الترام ب قانون التظاهر و الواصلين كأنما نحن في دار كبيرة للعجزة وبلغ الأمر حد التحرش الجسدي من أحد المستخلصين الجمركيين في الشارع حين ظنوني سائحة. قلت الله يرحم السياحة .. متي نفهم أنها ليست آثارا فقط
‎العدوانية للكاميرا
‎كتب عدد من الناشطين المعماريين بالإسكندرية ممن يقومون بالتصوير لحصر المباني التراثية في السجلات ومعهم هوياتهم عن بعض ما تعرضوا له علي مدونة جدران مدينة متعبة للدكتور محمد عادل دسوقي . يأتي شاب لمهاجمة شاب يقوم بالتصوير ويدس أنفه فيما لا يعنيه وحين يقدم المصور إثباتاته يرميها المتحرش المعتدي علي الأرض دون نظرة واحدة لها رغم بيانات الهوية وأرقام الاتصال ومكان العمل . ثم يفاجأ المصوِّر أو أستاذ العمارة المصوِّر بقدوم والد المعتدي لنزع الكاميرا وضرب صاحبها وحين يشرع في الدفاع عن نفسه وما معه يجد الأم تلقي بقوالب من الطوب الأحمر والحجارة من نافذة البيت ويتدخل المارة
‎كنت قد كرهت كاميرتي من كثرة المشاكل والعنف اللفظي والاستفزاز وطرق الكلام المهينة الفظة التي تم التعامل بها معي بسببها . الكاميرا رعب مواطني هذا البلد فعلا حتي الأطفال والفتيان كانوا يهاجمونني لفظيا بأية عبارات يرونها جارحة وأقل رد فعل سلمي كان النظرة المذهولة الصامتة كأنما يرون امرأة عارية أو كأني أصوّر أمهاتهم عرايا
‎في حي اللّبان والجمرك كنت أصوّر مباني تراثية علي مسافة فهي خلف أرض خلاء شاسعة حين فزع رجل من علي مقعده وترك من بجانبه ليصرخ No مشيرا بيده للمنع وهو قادم نحوي . اتجهت إليه ودون أن أسأله أو يسألني سؤالا واحدا قال دي أرضي وحابيعها . لم أرد . حينها سأل لماذا أصوِّر. أوضحت أني أحب تصوير الأشياء القديمة فقال تعالي مشيرا لكشك هزيل بابه مفتوح وعلي حائطه شهادة . قلت مش فاهمة . فقال منتفخا شفتي مسرحية ريا وسكينة .أجبت بنعم . قال فيها باب عليه اسم السمني . أوضح أن والده وهنا قلت رحمه الله كان يمثل تلك العائلة وكان مشهورا بشراء الأراضي والمباني وبيعها . شكرته وانصرفت مغتمة .
‎لم أكن أصور أفرادا في اللّبان حين سمعت فجأة صوتا مهددا أنتِ يعني عمالة تصوري تصوري واحنا ساكتين لك . نظرت له وواصلت التصوير بخوف وهنا سألني أنتِ صحفية ولا أعرف لماذا فضلتُ الكذب. لم يصدق لأنه لحقني بعدها وبادر بتقديمي لناس في الحارة بوصفي صحفية فسألته هل أنا قلت إني صحفية بينما لاحقني أحد ملاك الأراضي في أحد أحياء المدينة تاركا البلدوزر يواصل عمله وهو يسألني أنتي بتعملي إيه فلما أجبته وهو أنا سألتك بتعمل إيه أشهر موبايله في وجهي محاولا تصويري يعني ينفع أصورك دلوقت فأخبرته أني لم أصور أشخاصا وأحب تصوير القديم لكن ظل يستجوبني فقلت نائب رئيس تحرير فوجدته يقول أنا معايا حكم محكمة يقصد بالهدم .هنا فقدت أعصابي جزئيا قائلة ما أنا عارفة إن البلد كلها بتتهد بأحكام القانون ولطمأنته أضفت أني لا أعرف من هو أو في أي منطقة كنت وانصرفت أما النساء فكن أكثر جرأة وعنفا وبعضهن في فليمنج كن يلحقنني ويحركن أيديهن بفجاجة لاستعجالي إبراز هويتي رافضات تصويري لافتات محلاتهن بينما يمضغن العلكة.
‎ميدان المنشية ما زال بخير قلت لنفسي حين استوقفني فتي نحيف يشبه تلميذا في مدرسة إعدادية لاحقني علي امتداد رصيف كامل ليسألني لماذا أصوّر فقلت له إني سأريه أوراقي لو عرفت علي من أعرضها . أبرزَ كارنيهاً يفيد أنه يتبع جهة استخبار عسكرية وأعطيته بطاقاتي. كان في غاية التهذيب لكنه أصر علي أن أجلس علي مقعد أنتظر رئيسه لأني رفضت الذهاب لهذا الأخير الذي كان علي مسافة بعيدة . بعدها جاء وفد بعض عناصره بزي الأمن وبالسلاح وفي جليم ترك الأمن الكلاب البوليسية بلا كمامات لتخويفي والبعض بملابس مدنية لأعيد القصة وحلف اليمين وذكر رئيس تحريري للتأكد. فتحوا استجوابا حول مكان سكني في القاهرة وأين إقامتي في الإسكندرية وكم من الزمن سأبقي بها. ظلوا ينصحونني بعدم تصوير أي بنك في شارع البنوك لأن شرطة العطارين كما قالوا ستكون غليظة وسيتم اصطحابي لقسم الشرطة. سألت لو كنت سائحة كنتم حتعاملوني كده فأجابوا كنا ناخدك فورا علي البوكس سيارة الأمن التي يوضع بها المقبوض عليهم . قلت ونتحسر علي غياب السياحة . شكرتهم وانصرفت .
‎في أحد الأحياء كنت أصور لافتة جراج مكتوب عليها الاسم اليوناني القديم ولكونه مجاورا لمركز الشرطة هرول المخبرون خلفيوبعد قسمي برحمة والدي أني لم أقم بتصوير مبني القسم لأني لن أعرضهم للخطر وإبرازي لبطاقاتي وجدت المخبر لا ينظر تجاهي ويقول طب اتفضلي معانا . هنا تغيرت لهجتي فقلت أنتم شفتم أنا مين وعرفتم باعمل إيه ما كنتش باصور القسم وممكن أوريكم الصورة أنا مش حاروح معاكم أي مكان . ظللت علي هذا الموقف حتي قال المخبر خلاص اتفضلي .
‎أما القنصلية الأمريكية فلم أكن أعرف أنها سفارة أصلا وإلا ما اقتربت من الشارع المؤدي إليها دخلت شارعا جانبيا لاحظت الأمن المدجج في نهايته لتصوير لافتة اسم الشارع ومن نفسي أبرزت لأحد الجنود بطاقة المهنة بصورتي والصورة التي التقطتها للافتة الشارع حين جري خلفي رجل أخذ بطاقاتي والكاميرا وركض بها لداخل مبني القنصلية . دخلت وراءه وقلت أرجوكم يكون اللي حيفحص الكاميرا بيفهم في الكاميرات عشان ما يحصلش ضرر للصور . جاء ضابط مخابرات .. لا بد أنه مخابرات وإلا لماذا يضع نظارة شمس سوداء علي عينيه داخل المبني . حتي موظفة المدخل المحجبة ظلت تنظر بارتياب . وللمرة المليون أكرر اسم رئيس التحرير. لما تأكدوا أن لا صور لمبني السفارة أعادوا لي الكاميرا والبطاقات .
‎عمود روماني أثري و ربما تراثي وقف علي شارع رئيسي في جليم . كان في امتداد سور عتيق يحوط أطلال قصر الأمير عمر طوسون التي جاورت مدرسة الرمل الثانوية بنين. علي جدار مواجه للمدرسة التي سيقول لك الجميع أنها كانت القصر قصر عمر طوسون - ستقرأ مصر بلدكم فحافظوا عليها مطلية حديثا. هكذا والقصر بالداخل يتعفن حتي سقطت حوائطه الخارجية وصارت حديقته كالحرش التاريخ المتراكم يُداس بالبطر من كثرته وندعو الناشئة إلي الحفاظ الشعاراتي علي ما لم نحافظ عليه. هكذا يعلو معني المسخرة
‎المربع الهائل حول القصر يحيط بمنشآت حكومية أخري حتي تصل إلي لافتة مكتوب عليها مقر الجمعية الخيرية لرعاية العاملين بالشركة المصرية لنقل الكهرباء . لا باب علي المساحة المهولة لأرض خلاء تري بعض أبراج القصر المذكور منها علي مسافة ربما تتجاوز كيلو متر وحين رأيت حيوانا استغربته أردت التصوير فاتضح أنه محنط وسألت المراهق المسئول هل يمكن التقاط صورة . سمعت من ظهري سيدة اتهمتني مباشرة جاية تصوري عربيات فانتبهت إلي وجود سيارتين علي المدي لم أكن أصورهما وقلت لها ذلك لكنها زادت باستفزاز وارتفع صوتها أيوه جاية عايزة تصوري فضايح عشان تنشريها وكنت بالتزامن مع هذا أعطيت بطاقتي الصحفية ورقمي القومي لرجل لا يقل عنها شراسة لم أسمع منه غير ممنوع ثم تفضلي مع دعوات متكررة لخروجي .
‎لما كنت أصور العمود الروماني القديم سخرت السيدة مصرة علي حتمية تصريح عدا كارنيه النقابة . قلت لها ده أثر فواصلت بعنف وإيه اللي خلاه أثر عشان مكسر فقلت بعد أن طفح الكيل مش ذنبي إنك مش شايفاه أثر وأنكم مش مقدرين قيمة اللي في بلدكم بعد ما سبتوا الإسكندرية يشتريها واحد قاتل كنت أعني أحد أبرز حيتان رأس المال السجين هشام طلعت مصطفي ... الفضايح لما ترموا الزبالة مش لما أصور اللي بيرمي الزبالة . لم يكن أحد منهم بزي رسمي وتكالبت أصواتهم المتصايحة لإخراجي من الأرض الخلاء . تبين كيف يكفي نطق كلمة وطن لينفجر في وجهك هؤلاء الموظفون الحكوميون بسخرية لا صلة لها بكونهم يعملون في الحكومة فقال المراهق مش عايزين خطب ورددت ما هو التعليم اللي خلاك تقول كده لواحدة في عمر والدتك هو اللي مسئول. علي فكرة أنا مش باصور الحاجات القديمة بس عشان صحفية أنت كمان كمواطن من حقك تصور أي حاجة في أي مكان بالعالم. حاكتب إنكم مانعين التصوير فإذا بالمستفِزة تَزعَق اعطيها اسمي يا ... خليها تكتب فقلت حاقول مواطنة رفضت ذكر اسمها وشكرتهم ومشيت بغضبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.