في عشق جيفارا للكاتبة الكوبية آنا ميناندس، بتوقيع الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم (اصدارات دار الهلال المصرية) تعيش الرّاوية بأمريكا وأحب والدها أن تكتب شيئا يعكس ارتباطها بالأرض الأم كوبا فجاءت هذه الرواية بطريقة الراوي العليم؛ تبدأ بسبع صفحات مرثية متخيلة لحياة أبيها الذي قضي بالسجن وحزن أمها التي خافت عليها فأرسلتها لتعيش مع الجد: (نشأت علي أن أبي كان بالسجن ومات هناك، ولحزن أمي عليه أرسلتني بعيدا...) تأخذنا بطريقة مدوّرة هي التي عاشت مع الجد حتي تخرجت من الجامعة، وعادت لتفتش عن أمها فيضنيها البحث تقول بعد إحدي رحلاتها المضنية: (هافانا مدينة الآمال المحطمة وكل مكان أسير فيه يُذكرني أن الحياة بأكملها تميل إلي الفساد والدمار) تستقر ببلدة علي شاطيء ميامي إلي أن تجد طردا ينتظرها علي غير موعد: (اندلقت أوراق وصور لها رائحة أدراج معتمة وغرف مغبرة. تفكك بعضها بمجرد اللمس وكانت بعض الرسائل مكتوبة بيد صغيرة كأن كاتبها يهجس أسرارا في أذن، لكن مع كل إعادة قراءة كنت أجد نفسي تنسحب إلي شيء أعمق حتي خشيت أن أضيع بين الصفحات، أغرق في نقطة من دمي). من هنا تبدأ حكاية الرواية التي تتسق مع عنوانها: في عشق جيفارا لتتضح فيهما مهارة الكاتبة ولغتها الشعرية، باسترجاعها لما قبل الثورة، إذْ تُضفِي علي نوستالجيتها مسحة حزن شفافة بشعرية عالية، يُجيد المترجم الشاعر نقلها بحرفية عالية؛ رسّامة متزوجة من دكتور جامعي ومنتمي للثورة قولا وفعلا يفاجئها ذات يوم باصطحابه الثوري العظيم: أرنستو جيفارا إلي بيتهم، تنظر له بعين الفنانة فتري (موته قادما كفراق مفزع سيغلفه في يوم قادم بسكينة) ومع مقابلته تكتشف أنه يحب الشقراوات الطويلات، فتقع في حبه، وتري عشقه؛ (كزبد بحر علي لوحة، كريح بين النجوم) تمعن في وصف مشاهد حسية عاشتها مع الثوري المتمرد، وتجأر من شدة افتتانها به: (إنه قاتل وحشي ) يدغدغها حين يقول)مهمتي أن أجول للأبد، عابرا طرق العالم وممراته المائية، فضولي دائما، أتقصي كل شيء منشق دائما ) هذا هو الثوري العظيم يعشق النساء ويقتحمهن كما يقتحم الأهوال والصعاب. يحكي لها عن جندي اكتشف خيانته وحينها هو نفسه من أرداه قتيلا. في الجزء الثاني تعود الرّاوية كابنة لتيريزا عشيقة جيفارا بعد أن فضّت الطرد الحكاية لمكانها قادمة من أمريكا، تبحث عن حقيقة قصة والدتها وتمضي قُدما لزمن كاسترو وحكمه فيبدأ بعنوان: رسالة علي الطريق، تدور علي دكاترة جامعيين سابقين ومعاصرين للثورة تسألهم؛ فتعود بانطباع عن شحوب الاشتراكية وإدانة لكاسترو؛ بل سخرية حين تري دبيب الرأسمالية يسري ببطء في حياة الكوبيين فتجد محلا (كله بدولار) والطوابير المتراصة المتهافتة علي الشراء، لا تبتعد كثيرا حين تكشف بحرفية منطلقة من حال بلدها كوبا كمثل جميع بلاد العالم الثالث: (يتأقلم المرء تقريبا فيكف عن الشكوي وهذا سبب أن البلد محلك سر! ) (وبدون الدولار أنت في عداد الموتي ) في رحلة بحثها عن تيريزا نري الزمن وهو يأتي علي حكايات وأشخاص وأماكن فتبهت وتشيخ وتذوي .... تقول الرّاوية وهي تستفسر من عجوز عن حياة أمها: ( تسربت من الحوائط أصوات بكاء وليد، سعلة رجل، غناء واهن ). إنها رواية نجحت فيها الكاتبة بتصوير جانب متخيل عن حياة الثوري العظيم بأنه إنسان تجتاحه الرغبة والحب كأي إنسان لكن إخلاصه لفكرته وقناعاته هما اللذان جعلاه احدي أيقونات العمل الثوري عبر التاريخ. ونجحت أيضا بمقاربة الشخصيات للقارئ فالجزء الأول؛ عبر ثلاث شخصيات تبتعد إحداها لنري في أغلبه تيريزا والثوري جاء بلغة جذابة منسابة شعرية لاسيما مشاهد العشق الملتهب بين البطلة وجيفارا، تجعلك تولع بمتابعة العاشقيّن، والجزء الثاني تنقلات العائدة من أمريكا تحاول رسم صورة لأمها فتعود بلا طائل لكنه جاء بفنية أقل.