البورصات الأوروبية تغلق على تباين مع استيعاب المستثمرين لبيانات التضخم الأمريكية    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لاستقرار العراق والأردن ضد محاولات النيل منهما    رئيس بولندا يؤكد دعم بلاده لتوسيع عضوية الاتحاد الأوروبي    عاجل:- دخول جماهير الأهلي مجانًا لنهائي دوري أبطال إفريقيا في ملعب رادس    ضبط شخص بالمنوفية لقيامه بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب    5 معلومات عن إميلي شاه خطيبة مينا مسعود.. تعشق الرقص والسفر    تعرف على القطع الأثرية المميزة لشهر مايو بالمتاحف.. صور    بعد تصدره مؤشر جوجل.. أعمال كريم قاسم الفنية    قبل البيرة ولا بعدها؟..تعليق علاء مبارك على انسحاب يوسف زيدان من تكوين    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    بسبب تأكل المواسير| تسرّب في خط الوقود الرئيسي المغذي لمنطقتي المنيا وأسيوط    المشدد 3 سنوات ل6 أشخاص بتهمة حيازة أسلحة واستعراض قوة بشبرا الخيمة    جامعة حلوان تنظم ورشة عمل للتعريف باختصاصات عمل وحدة مناهضة العنف ضد المرأة    وزارة الأوقاف تفتتح 12 مسجدًا الجمعة القادمة    5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر |إنفوجراف    بيخوفني.. لهذا السبب كريم قاسم يتصدر مؤشر جوجل    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    بعد تصدرها التريند.. ما هي آخر أعمال نسرين طافش؟    مفاجأة كبرى.. ديبالا في مدريد هذا الصيف    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    دولة أوروبية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين 4 أضعاف    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    وزيرة الهجرة: للمجتمع المدني دور فاعل في نجاح المبادرات القومية الكبرى    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    نائب محافظ أسوان تتابع معدلات تنفيذ الصروح التعليمية الجديدة    كورتوا على رادار الأندية السعودية    أخبار الأهلي : مروان عطية يثير القلق في الأهلي.. تعرف على التفاصيل    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    أشرف عطية يتفقد الأعمال الجارية بمشروع محور بديل خزان أسوان الحر    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    مقبلات اليوم.. طريقة تحضير شوربة الدجاج بالمشروم    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    التشكيل الرسمي لمباراة الاتحاد السكندري وسموحة في الدوري    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    مهرجان الإسكندرية يعلن تفاصيل المشاركة في مسابقة أفلام شباب مصر    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    «الأونروا»: أكثر من 150 ألف إمرأة حامل فى غزة يواجهن ظروفا ومخاطر صحية رهيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الاعتراف المتآخر والاحكام المسبقة
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 08 - 2015

كان لبيريسترويكا جارباتشوف تأثير عظيم علي الحركة الأدبية في روسيا، فقد خلقت مساحات متسعة من الحرية سمحت بتواجد العديد من الأصوات الأدبية التي أثرت الإنتاج الأدبي الروسي بأسماء صارت ملء السمع والبصر اليوم، نجوما لامعة في سماء الأدب، تجاوز صيت بعضها حدود روسيا، محلقة بين أكبر الأسماء الأدبية المعاصرة في العالم.
تسلم هؤلاء الكتاب الراية من الأجيال التي سبقتهم، منهم من سار علي خطاهم، ومنهم من خط لنفسه مسارا خاصا وغرد خارج السرب بأعمال مختلفة ومتميزة في آن. لكن الصفة التي اجتمع فيها الغالبية هي حالة الغضب، الغضب الذي تجسد في صرخات هذا الجيل سخطا من الحال الذي وصلت إليه البلاد علي كافة المستويات الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية. وقد كان للمجلات الأدبية فضل كبير في ظهور أسماء الأدباء الجدد، التي تعتبر من الوسائل التي وجدوها أمامهم دون تعقيدات النشر التقليدي، خاصة في ظل ظروف النشر الصعبة التي واجهت تلك الأسماء بعد تراجع حركة النشر الرسمية وفتح المجال أمام النشر الخاص، ذلك الذي قدم مفاهيم مغايرة لتلك التي سادت الفترة السوفيتية، هذا بالإضافة إلي الإنترنت، الذي فتح مجالاً واسعاً أمامهم ساهم في تعريف القاريء الروسي بهؤلاء الكتاب الموهوبين، خاصة وأن العديد منهم ظهر خارج موسكو وسان بيتربورج. وهذا أيضا من الظواهر الإيجابية جداً، حيث اقتصر الظهور الأدبي قبلا علي هاتين المدينتين الكبيرتين. صار الجميع الآن يعرف أسماء زاخار بريليبين، رومان سانتشين، فيكتور بيليفين، فلاديمير ساروكين، أليكس إيفانوف، ديميتري نوفيكوف، بالإضافة إلي تاتيانا تولستايا، نينا سادور، لودميلا أوليتسكايا، ولودميلا بيتروشيفيسكايا.

وإذا ما أردنا إلقاء الضوء علي المشهد الأدبي بالنسبة لسيدات روسيا المبدعات، نجد الأمر مختلفا إلي حد بعيد عنه بالنسبة لكتاب روسيا الرجال، فقد مرت كاتبات روسيا بأوقات عصيبة،علي طريق طويل وشاق امتد لفترات زمنية ليست بالقصيرة حتي تمكنّ من التعبير عن أنفسهن، وقد أتيحت لهن هذه الفرصة خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي قبيل نهاية العهد السوفيتي.
بدت هذه الفرصة كطاقة من نور فتحت لهن لتمثل بداية لتواجد حقيقي، بعيداً عن الهامش الذي عشن فيه، حيث لم تنل أي منهن فرصة للتواجد ونيل التقدير اللازم بعد آنا أخماتوفا ومارينا تسفيتايفا. وشرعت الكاتبات الروسيات في اكتساب مساحات جديدة، ونيل قدر متزايد من الاعتراف والتقدير والتواجد، مستفيدات بتراجع مستوي الرقابة والقيود التي كان يمارسمها الرقيب السوفيتي. من بين هؤلاء الكاتبة لودميلا بيتروشيفسكايا، وتاتيانا تولستايا، اللتان حققتا نجاحا كبيرا في مواجهة الأنماط السائدة عن المرأة في المجتمع الروسي الأبوي. ورغم هذه المساحة المشتركة التي تتقاطع فيها مسارات الكاتبتين علي خط الصراع مع المجتمع وأفكاره التي وضعت المرأة في حيز ضيق خانق، انتفضتا لكسره وتغييره، إلا أن هناك تبايناً في طريقة الرفض التي اتبعتها كلتاهما في مسيرتها الإبداعية، لتشكلا معا ميليشيا فنية نسائية ضد ظلم وقهر الأفكار النمطية، التي مثلت عدوانا صارخا علي مدار عقود طويلة. وتعتبر لودميلا بيتروشيفسكايا من أكثر كاتبات روسيا شهرة وتحققا، ومن أكثرهن إثارة للجدل كذلك، استهلت طريقها في الكتابة قبل الفترة المعروفة بالجلاسنوست. أما تاتيانا تولستايا، لا تقل في شهرتها وقيمتها الأدبية عن بيتروشيفسكايا، خاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قضت بعض الوقت هناك، حيث مارست الكتابة والتدريس. عرفت تاتيانا بقدرتها اللغوية المتميزة، التي ساهمت بشكل كبير في صناعة اسمها ككاتبة، وقد استهلت تولستايا مشوارها الأدبي مع الجلاسنوست.
تكرار الجلاسنوست هنا يعود لأهميتها حيث أنها فتحت الباب لتغيرات حقيقية في المجتمع السوفيتي، حيث جاءت ب "بحث المرأة المعاصرة عن مكانها في الحياة"، وفي الأدب كذلك. ومن المعروف أن رجال الأدب الروسي هم أصحاب اليد العليا تماما، حيث وضعوا وحدهم دون النساء كافة القواعد الخاصة بالعمل الأدبي، الطرق، التقنيات، الأفكار، الأسلوب. كما أن النقد الأدبي لم يسلم من سيطرتهم، مما وضع الكتابات النسائية في مرتبة أقل، لا ترتقي لمستوي كتابات المبدعين الروس من الرجال. وقد اندهش العديد من الدارسين للأدب الروسي من حالة التهميش الكبيرة التي عاني منها أدب السيدات في روسيا علي مدار عقود طويلة، وأن السياق الثقافي والنقدي الروسي قد وصل لحد وضع دلالات شديدة السلبية لتعبير"الأدب النسائي"، فهو الأدب الرديء الذي ليس له قيمة. وبالطبع حاربت العديد من السيدات المبدعات في روسيا هذه الأفكار السلبية، رافضات هذا الربط المخل بين كتابة المرأة وضعف المستوي، معتبرات كما تاتيانا تولستايا أن "هناك مستويات من الكتابة عند الرجال أضعف بكثير من تلك الكتابة التي يسمونها بالنسائية"، التي أصرت أيضا علي عدم الربط بين النوع والكتابة، فليس جميع الرجال يمكنهم الكتابة، كما لا تستطيع كل النساء فعل هذا، الأمر برمته قائم علي الموهبة التي تعتبر حجر الزاوية في مسألة الكتابة من عدمها، فلا الرجل دون موهبة يمكنه الكتابة، ولا المرأة عديمة الموهبة تستطيع. ولم ينكر النقاد والمؤرخون هذه النمطية القاسية في نظرة مجتمع الكتاب الرجال إلي نساء المبدعات، بل اكدوا علي التأثير الكبير لفكرة النوع عند النظر لأي منتج أدبي.
بدأت لودميلا بيتروشيفسكايا الكتابة عام 1968، لكنها لم تتمكن من نشر سوي خمسة من قصصها القصيرة حتي عام 1974، وظلت مستبعدة تماما من النشر لمدة ثمانية أعوام. ولم يلتفت النقاد لكتابتها خلال تلك الفترة حتي نشرت قصتها "جمعنا" عام 1985. ولكنها أحرزت شهرة كبيرة، في الفترة بين 1974 و1985، من خلال مسرحياتها، رغم أن هذه المسرحيات لم تعرض في المسارح الرئيسية، ومنها من لم يعرض علي
الإطلاق. لكن النجاح وجد بيتروشيفسكايا مع الجلاسنوست، حيث لاقت مجموعتها "حب خالد" قبولا نقديا جيدا بعد نشرها عام 1988، وحصلت علي جائزة بوشكين، ثم دخلت القائمة القصيرة للبوكر الروسية عام 1992 بروايتها "الوقت: ليلا". هذا وتعتبر لودميلا واحدة من أكثر كاتبات روسيا ترجمة للغات أخري. تتميز أعمال بيتروشيفسكايا، كما تقول هيلينا كوسيلو، ب "أجواء يأس مقيم"، بها جرعات كبيرة من "الغرائبية، المبالغة، الفانتازيا" كما تري ناتاليا إيفانوفا. في حين يصنف نقاد أخرون أعمال لودميلا ب "الكوميديا السوداء، والهزل المرعب"، تترك القاريء في حالة مربكة من الحيرة. هذا وتصر الكاتبة علي أن القاريء عليه أن يشعر بمدي البؤس الذي يعيشه هؤلاء الناس (شخصياتها)، وأن يحس بالأسي تجاههم، بل ذهبت إلي أبعد من ذلك، حيث قالت أن عليه أن يتعرف علي نفسه بينهم. إنها لا تسمح للراوي بالوعظ، فهي تترك الأمر للقاريء الذي عليه الاعتماد علي أدواته الخاصة للقراءة والتفسير.
تناولت بيتروشيفسكايا فكرة النوع كثيرا في نصوصها خصوصا فيما يتعلق بالتأليف، وهو هاجس يصيب العديد من الكاتبات في العموم. وتري الكاتبة أن المبدع عليه أن "ينسي تماما نوعه أثناء الكتابة ويتعامل مع نفسه بحياد كامل، وكأنه بلا نوع محدد" عندما يتصدي للكتابة، رغم أنها اشارت في عدة مناسبات إلي كتاباتها بأنها تكتسي بمزاج ذكوري، وهذا بالطبع ينفي عن نصوصها أنها تحمل صفة "نثر نسائي". وقد ساد اعتقاد لدي العديد من النقاد الروس أن نثر بيتروشيفسكايا كامرأة يخالف أو يخون طبيعتها كامرأة، فهي تكتب كرجل. وفي نفس السياق ترفض الكاتبة نفسها أن توصف بكاتبة ذات نزعة نسوية، وهو تقريبا ما تفعله نساء روسيا، وكانت دوما تتحاشي أن توضع في الخانة الضيقة بوصفها سيدة تكتب "كما تكتب النساء". ويرجع ذلك في الحقيقة إلي رغبة لديها في تحاشي الأبعاد السلبية للمسمي في الثقافة الروسية. ولا تري في الحقيقة بيتروشيفسكايا أية فروقات وجودية بين الرجل والمرأة، ويري أحد النقاد أن أعمال بيتروشيفسكايا "تخلو نسبيا من ازدواجية النوع" حيث أنها تصور "الجنسين في إطار معاناة متواصلة داخل دائرة من العدوان المتبادل". ولاحظ أدلام أن أبطال بيتروفشيفسكايا من الرجال يعانون من عيوب قاتلة، بينما بطلاتها من النساء تتسم بالقوة، الطموح، وكذلك التناقض. كما أكدت مونيكا كاتز أن الكاتبة لا ترسم في نصوصها شخصيات نسائية مثالية أو إيجابية، ولو مرة واحدة. لكن مع هذه المساواة بين الرجل والمرأة التي تتسم بها أعمالها، فإنها تذكر إختلافا جوهريا بين الرجل والمرأة ... الحضور. فظهور النساء عندها يكون في غياب تام للرجال، وإن ظهر الرجال، حين لا تكون المرأة أرملة أومطلقة، يكون ظهورا سطحيا، فهي من تقوم بكل الواجبات العائلية. هذا ورغم أنها تعالج فكرة النسوية في أعمالها، إلا أنها ترفض أن تخلق نموذجا، فهي تترك شخصياتها لتجاربها الخاصة دون تدخل.
تاتيانا تولستايا، اسم شهير آخر في عالم الأدب الروسي، حظها أوفر من غيرها، حيث ظهرت بصحبة البيريسترويكا، وكان توقيتا مثاليا لها، فظهرت لها أول مجموعة قصصية بعد بداية مشوارها في الكتابة بخمس سنوات، فقد ظهرت عام 1983، ونشرت أول أعمالها "علي الدرب الذهبي" عام 1987. ومن يعرف جيدا الأجواء السائدة في روسيا قبل هذا التوقيت، يعي جيدا كيف كان صعود تولستايا صعودا صاروخيا. عاشت تاتيانا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت بالتدريس في بعض الجامعات الأمريكية مثل جامعة تكساس، وعملت ككاتب مقيم في جامعة برينستون. نشرت عام 2007 مجموعتها "الجدران البيضاء" التي احتوت علي كل قصصها في إصدار واحد مع بعض الحكايات الإضافية. وجدير بالذكر أن تميز نثر تولستايا، إضافة إلي آرائها المفعمة بالحياة في موضوعات مختلفة، بما فيها النسوية، جعل أعمالها موضوعا للدراسة في مناهج أقسام العديد من الجامعات الأمريكية. فهذه السيدة التي تتمتع بشخصية قوية وصلبة للغاية، كما يقول زيكولين، إلا أنها تعارض فكرة الأدب النسوي تماما. وهي تؤكد علي أنها فكرة "شديدة السطحية، تجارية، تتسم بالتطرف العاطفي"، بل أنها اتهمت بعض الرجال أنهم يكتبون نثرا مماثلا لما يسمونه نثر النساء، مؤكدة علي أن هذا المفهوم مهين عموما. وكبتروشيفسكايا، تمتلك تولستايا إيمانا بنظرية "الإبداع المحايد الذي لا جنس له"، وهي قد قررت أن تبتعد عما يسمي أدب النساء، لأنها تؤمن أن المبدع عليه أن يتجاوز الحدود الضيقة ويحلق في سماء العالم، دون التقيد بنظرة تشكل الدنيا من زاوية رجل أو امرأة.
يري النقاد أن أكثر ما يميز مشروع تاتيانا الإبداعي اللغة، فقد درست فقه اللغة في الجامعة، ويعتبر صوتها الأدبي من أبسط الأصوات الأدبية في الأدب الروسي الحديث، حتي أن البعض يزعم أنه يدرك كتابة تاتيانا تولستايا قبل أن يقرأ اسمها علي غلاف الكتاب، وهو صوت يتميز بالدفء والتلقائية، ويتمثل ذلك في قدرتها علي وصف تفاصيل الحياة اليومية بمقدرة فذة، تفعل ذلك ببساطة، مولية عناية فائقة للأسلوب أكثر من الايديولوجيا، مع قدر مناسب من الفانتازيا والسخرية، باختصار تتعامل مع اللغة برشافة واضحة، كأنها تعزف الموسيقي، أو حتي أنها تبدو وكأنها ترقص بكلماتها علي الصفحات. وقد اعترفت في احدي المقابلات الصحفية أنها تستخدم عبارات لا يفهمها سوي الروس، فهي ترتبط بهم دون غيرهم، تستخدم السخرية كوسيلة لفصل القاريء عن المواقف التي قد يتعاطف معها. وهكذا تحتاج أعمالها، ليس إلي قلب يشعر، إنما لعقل يفكر بعمق، يكتشف معها اشياء جديدة، يدخل في نفسه حتي يري ما لم يره من قبل، يعيد تشكيل الواقع حوله علي نحو ينمي وعيه.

أما عن فكرة النوع في أعمالها، يري النقاد أن تاتيانا تولستايا تعمل بإصرار كبير علي قتل الاكليشيهات، من خلال أساليب متنوعة مثل السخرية اللاذعة، التي تعبر عن سخط كبير وثورة مكبوتة ضد كل أصناف التنميط، إضافة إلي محاولاتها لإعادة النظر في الأساطير السائدة التي يؤمن بها الناس علي أنها حقيقة لا تقبل الجدل أو الشك. قدمت فكرة مطاردة الحب في قصتها "صيد الماموث"، حيث تبحث زويا بطلة القصة عن الحب، وعندما وجدت فريستها فلاديمير لاحقته حتي تدفعه للزواج منها. المهم في القصة هي رؤية زويا لنفسها من وجهة نظر الرجل المحايدة، وكيف صار الرضا بالزواج مساويا لفكرة الاستهلاك. تتبع زويا مسارات محددة، فهي تستدرج الفريسة للمنزل، تعد له الطعام، توفر له مكانا للعيش في المنزل، تأخذ ملابسه للتنظيف. تتجاهل أن تسأله عن نواياه، كما تفعل كل النساء عبر العصور، في حين اختفي فلاديمير وراء خطة خبيثة. هذه المسارات هي بالضبط ما تصارعه تاتيانا تولستايا، مفاهيم ايديولوجية بائدة، تؤكد علي أنها تطورت عبر قرون وأصبحت من مفردات التفكير الراسخة لدي الناس. وهي بذلك تفك رموز النقوش التي وجدتها علي الأحجار التي سجل عليها تاريخ روسيا وثقافتها، إنها القوانين والمسارات المقدسة التي يؤمن بها الناس دون تفكير، أو حتي إعادة نظر. وجدير بالذكر أن تولستايا قد نجحت في وصف التبعات المدمرة للتحايل علي الحياة من خلال اكلاشيهات النوع السائدة، وفتحت المجال أمام مناقشة ودراسة مدي القوة والسطوة التي نالتها هذه الأفكار التقليدية عبر العصور لتصنع واقعا بائسا. ونجد هنا منطقة تشابه واسعة بين تولستايا وبيتروشيفسكايا، حيث قررتا أن تمنحا القاريء الحرية في اتخاذ ما يراه مناسبا حيال هذه المشاكل المزمنة، مع كشف النقاب عن سخافة وعبثية هذا الأفكار التقليدية. ولم تقدم أيا من بيتروشيفسكايا أو تاتيانا حلولا لهذه المشاكل، إنما نجد في أعمالهما عرضا حيا نابضا يصفع القاريء بحقائق ترسخت في ذهنه علي أنها مطلقة صادقة، بغرض لفت انتباهه، وعليه في النهاية أن يقرر لنفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.