لا شك أن فن الأفيش من الفنون التي ارتبطت بفن السينما وتطورت معه، ولعل الإفيشات كانت فيما مضي - قبل ظهور البروموهات الدعائية - هي بوابة عبور المشاهد الأولي إلي عالم الفيلم، بل كان الأفيش هو المحفز الأول لجذب المشاهدين، وقد كان الأفيش فيما مضي أشبه بلوحة تشكيلية حيث كان يتم رسمها يدويا، وكان هناك فنانون معروفون بالاسم لرسم الأفيش، ولكن ومع تطور التكنولوجيا تغيرت معالم الأفيش تماما، وتدخلت التكنولوجيا والجرافيك، وظهرت العديد من القضايا من بينها الإفيشات المسروقة والاقتباس من الغرب وغياب بصمة مميزة للأفيش المصري. وقد ظل فن الأفيش من الفنون المظلومة لفترة طويلة حتي بدأ الاهتمام به مؤخرا وبتوثيقه، حيث قدم الناقد محمود قاسم موسوعة "الأفيش في السينما المصرية"، كما قدم الناقد السينمائي سامح فتحي كتاب الأفيش الذهبي في السينما المصرية" الذي ضم مجموعة نادرة من أفيشات أفلام السينما المصرية مصحوباً بدراسة تفصيلية هامة عن فن الأفيش. ويقول الناقد محمود قاسم إن أفيش الفيلم هو أول علاقة حميمة بين الفيلم والمرء حتي وإن كان هذا المرء لن يشاهد الفيلم، أو من غير محبي السينما، إلا أنه، أي الأفيش، سوف يحيط بالأعين، ويقف قبالتها في أماكن عديدة، وبأشكال مختلفة، حتي قبل العرض بفترة طويلة. لذا يجب أن يكون بمثابة المختصر المفيد، والجذاب المؤكد الذي عليه أن يولد ما يمكن تسميته بالحب من أول نظرة بين الطرفين: المشاهد والفيلم، مما يدفع بالمتفرج إلي انتظار العرض والتهافت لرؤيته. وإحياءً لفن الأفيش نظم مركز درب 1718، معرض "سنيمانيا" ضم أكثر من مائة أفيش من بين أكثر الأفيشات تميزا وتعبيرا عن الأفلام المصرية علي مر التاريخ... من خمسينيات إلي سبعينيات القرن العشرين, والتي أعاد إنتاجها ورسمها مجموعة من الفنانين المعاصرين, من خلال رؤي ووسائط فنية مختلفة، كان من بينهم الفنان عمرو عكاشة، وإيهاب خليل، وفادي جلال، وهيثم شريف، وهبه أبو هميله، ومحمد خليل، ومحمد مسعد، ومريم عبد الرحمن، ومحمد سعيد، ونورا سليم وعن سبب تنظيم المعرض يذكر القائمون علي التنظيم في البيان الصادر عن المعرض أن إعلانات الأفلام .. أو ما عرف "بأفيش الأفلام".. تجمع في آن واحد أنواعا مختلفة من فنون التصوير والجرافيك والخط، وتخلد هذه الأفيشات بجميع أشكالها وأحجامها، في صور جمالية معبرة عن الجو العام للفيلم الذي تعلن عنه.. بما يضمه من أحاسيس ومشاعر. وقد يغلب علي بعض منها الألوان الداكنة لبث الإحساس بالغموض والترقب، بينما قد يكون البعض الاخر مبهرا تغلب عليه الألوان الزاهية المبهجة. لقد عكس فن تصميم أفيش الأفلام السينمائية خلال العصر الذهبي للسينما المصرية واقع المجتمع المصري الذي ضم لفيفا من الجنسيات المختلفة والتلاحم والتعاون بين الفنانين المصريين واليونانيين والإيطاليين والأرمن، مما أثري فن أفيش السينما في مصر. وبينما يذكر البيان أن الهدف من المعرض استعراض أفيشات الأفلام علي اختلاف أنواعها.. وتناولها .. وألوانها والأساليب الجرافيكيه والرؤي الفنية المتعدده التي اتبعت في تنفيذها .. لتقديم نسخ أصلية لأفيشات أفلام سواء مرسومة يدويا أو اتبع في إعادة تنفيذها الأسلوب الرقمي، إلا أن ذلك لم يكن واضحا بما يكفي للزائر. حيث لم يتضح من الملصقات مثلا أي إفيشات تم إعادة تقديمها كما هي وأي منها تم تقديمه برؤية جديدة، خاصة في تلك المجموعة الخاصة بمحمد خليل إبراهيم المولود عام 1927، وأحد فناني الأفيش المعروفين . وإذا كان الغرض الأساسي من الأفيش الدعاية والترويج للأفلام .. و إثارة فضول الجمهور، فإن المعرض لم يعكس هذا أيضا، حيث ركز المعرض علي الاحتفاء بالأفيش القديم، من خلال رؤي فنية مغايرة دون إضافة تعكس كيف يري هؤلاء الفنانون فن الأفيش حاليا، أو الكيفية التي كان سيقدم بها الفنانون تلك الأفيشات لتلائم لغة العصر الحالي، فمثلا نجد أن الفنان هيثم شريف خرج عن فكرة الأفيش التقليدية ليحوله إلي لوحة فنية بألوان الأكريلك علي القماش والتي غاص فيها في رموز ومفردات التراث الشعبي والفرعوني ولجأ للألوان المبهجة مقدما "الحرام" و"الزوجة الثانية"، و"شفيقة ومتولي"، " شيء من الخوف". بينما نجد أن الفنان محمد مسعد، لجأ إلي إعادة تقديم الأفيشات القديمة ولكن مع تغيير الأبطال، حيث استعان بموديل تصوير من اختياره ليمزج بين فن التصوير الفوتوغرافي وفنون الديجتال والأفيش، بينما لجأت مريم عبد الرحمن خامات متعددة وأكريلك علي توال والتي مزجت بين الكولاج والرسم، لتستخدم صورا حقيقية للأبطال الفعليين وتضيف إليهم من رؤيتها، وغير ذلك. والخلاصة أن معرض "سينمانيا" قدم مجموعة بديعة من الأعمال الفنية التي غاصت في فن الأفيش قديما، إلا أنها اكتفت بكونها أعمالا عكست أساليب فنية ورؤي الفنانين المختلفة، إلا أن أيا منها لم يتعرض لكيفية النهوض بهذا الفن حاليا من خلال توظيف العناصر الفنية والتكنولوجيا لنقدم اليوم أفيشات فنية تلائم لغة العصر.