يتأتّى حبّ الاستطلاع من بوابة الوجدان المدعومة بشغف المعرفة، عندما نتعرض، أو نواجه مثير بعينهِ؛ كي نحاول أن نصل لعمق الفهم، وأن نخرج بنتائج تخلصنا من أنماط الفهم الخطأ، أو تزيل أوجه الجهالة لدينا، وبالطبع نقفز من مرحلة الاطلاع إلى مراحل أكثر إثارة، قد نصفه هنا بدأب الاستكشاف، أو الإبحار في التفاصيل، أو الدخول في بوتقة التجريب، لنتحصل على صيغة معرفية، تضيف لرصيد خبراتنا، وتستوقد العزيمة والهمة؛ ومن ثم نستثمر طاقتنا الداخلية بشكل إيجابي. شعورنا بعوز المعرفة، يُعد من الدوافع الرئيسة، للتخلص من حالة الصراع المعرفي، بين ما نحوزه من معلومات، وما هو متاح عبر بوابة البحث والتنقيب، وهنا لا نغفل مقدرة الفرد على معالجة المعلومات، التي يتعرض لها، أو يطالعها خلال المصادر المتاحة والموثوقة؛ لذا تكمن دوافع حبّ الاستطلاع في التوق إلى الفهم، والتخلص من التعارض المعرفي، وجموح الاستكشاف، وصولًا إلى ماهية الاكتفاء، أو الإشباع المعرفي. أرى أن بناء صيغة من المناهج التعليمية المنسدلة من فلسفة تنمية مهارات البحث والتحري والاستكشاف من قبل المتعلم، باعتباره المحور الرئيس في العملية التعليمية؛ فهذا يساعد قطعًا في تعزيز حبّ الاستطلاع، وزيادة شغف المعرفة؛ من أجل قدح مقصود للأذهان، يزيد من ولع المعالجات العقلية المنتجة، وهذا أعتقد حدوثه في خضم استراتيجيات وطرائق تدريسية، تعتمد على خطوات حل المشكلة بصورة منهجية، وبالطبع يصبح ذلك فاعلًا في ثنايا أنشطة ترتبط بالواقع، ناهيك عن قضايا ومواقف مفتوحة، قد ترتبط أو تتعلق بالظواهر الطبيعية المحيطة بنا. أتصور أن حبّ الاستطلاع في نسيج المناهج التعليمية، لا ينعزل عن مبادرات ثرية، تسهم في تنمية المقدرة على البحث الذاتي؛ ومن ثم نترك الاختيار من بين موضوعات، وأن نزيد من مساحة المشروعات الصغيرة؛ بالإضافة إلى الميدان الذي يتيح للمتعلم الملاحظة، وتسجيل النتائج، والخروج بأطروحات تثري وجهات النظر، وتضيف للرصيد المعرفي الوظيفي، وفي هذا السياق المقترح، يستشعر الفرد أنه في مسار تحمل المسؤولية، الدافعة للهيب حبّ الاستطلاع. البرهنة على صيغة المنهج المعزز لحبّ الاستطلاع، يتأتى من سياق الفكر القائم على الاستكشاف، والمشفوع بالتجريب، والذي تشغل فيه عملية الفهم والبحث مكانة خاصة، ومساحة واسعة، وهنا ندعو لمزيد الأسئلة المفتوحة المخاطبة للعقل؛ حيث تنمية مهارات التفكير العليا لدى المتعلمين، وهنا نتوقع ألا يكتفي الفرد بإجابة واحدة، بل، يحاول البحث عن مزيد من الحلول، التي نصفها بالمبتكرة، وبناءً عن ذلك نعمل بقصد على تغذية الدافع، أو الرغبة نحو التّطلّع لكل جديد. يصعب أن نتجاهل ثمرة التقنية الرقمية، ومقدرتها على تفعيل حبّ الاستطلاع عبر عناصر المناهج التعليمية، وهنا نتحدث صراحة عن جيل رقمي يعشق التعامل مع التكنولوجيا، وتطبيقاتها الداعمة لصور المحاكاة لبيئات قد يستحيل تواجد المتعلم فيها، والواقع الحالي يظهر مدى النجاحات المحققة من خلال التجارب الرقمية، جراء التفاعل مع المعامل الافتراضية، وبالطبع يسهم ذلك في مزيد من الدهشة والإعجاب لدى المتعلمين، ويعلى من مقدار الشغف المعرفي. المناهج التي تسد في سبر غور الفروق الفردية لدى المتعلمين تحسن الدافعية الذاتية، من خلال أنشطة متعددة الأنماط؛ فيسمح باختيار ما يتناسب مع القدرات، ويتناغم مع فلسفة اكتساب الخبرة المنشودة من قبل جميع المتعلمين؛ لذا يصبح المناخ التعليمي داعم لحبّ الاستطلاع، وهذا يؤكد مدى سعى المتعلم نحو ملء الفجوة المعرفية، وفي ذات السياق لا ننسى أو نتجاهل سياسة التقويم بأنماطه المصوبة لمسار التعلم والمحسنة لآلياته. أهمية حبّ الاستطلاع في العملية التعليمية عبر المناهج، يسهم في مزيد من الانتباه والتركيز، وينمي مهارات التفكير، ويساعد في حصد الخبرات، ويفعل المراجعة الذاتية، وأساليب التقويم، وبالطبع يسهم في تعزيز التعلم المستمر والذاتي.. ودي ومحبّتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر