مع مرور عام على سقوط العاصمة دمشق في قبضة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، يتجاهل الكثيرون أسباب الدعم الأمريكي لنموذج قائد المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، الذي تتعامل معه واشنطن بوصفه نموذجًا وظيفيًا جديدًا يمكن تعميمه في مجتمعات تعاني من صعود الجماعات المسلحة في ظل الانهيار الحكومي. ترى الولاياتالمتحدةالأمريكية أن خطاب أحمد الشرع الداخلي، القادر على بسط السيطرة على الجماعات المتشددة وخلق ارتباطات سياسية، هو ما تحتاجه خلال الفترة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، طالما أنه لا يهدد النظام الأممي والدولي. وقد رفعت الولاياتالمتحدةالأمريكية اسم أحمد الشرع من قوائم الإرهاب خلال الأسابيع الأخيرة، بهدف توظيفه كأداة استراتيجية في القارة الإفريقية ودول الساحل خلال الفترة المقبلة، لملء الفراغ الفرنسي ومواجهة النفوذ الصيني والروسي الذي يتصاعد تدريجيًا في القارة السمراء. وليس الدعم الأمريكي للمسلحين جديدًا؛ فقد دعمت الإدارة الأمريكية حكومة طالبان في حربها ضد "تحالف الشمال" المدعوم من روسيا عام 1996، مع تعزيز التعاون الاقتصادي معها. كما تم التوافق بين طالبان وشركة "يونيكال" الأمريكية على تمرير أنبوب غاز من تركمانستان إلى الهند عبر أفغانستان بطول 1730 كيلومترًا، عقب قيام وفد من طالبان بزيارة مدينة هيوستن الأمريكية في ديسمبر 1997. وبعد انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرًا من أفغانستان وقبولها بحكم حركة طالبان وفق شروط محددة، أبرزها محاربة أعداء واشنطن، أعادت الولاياتالمتحدة تعريف استراتيجيتها تجاه الجماعات المسلحة في العالم. إذ ترى في أحمد الشرع شخصية تفتقد لأي طموح جهادي دولي، وتمتلك في الوقت ذاته قدرات عسكرية يمكن ضبطها. وقد أبرزت تقديرات مراكز أبحاث أمريكية أن واشنطن تحتاج إلى إنجاح نموذج أحمد الشرع كي تعمّم التجربة في منطقة الساحل الإفريقي لمحاربة الجماعات المتطرفة ومواجهة خصوم الولاياتالمتحدة في القارة السمراء. لكن هذا التوجه يُعد سلاحًا ذا حدين، يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، إذ لا يمكن الوثوق بجماعات مسلّحة يكون ولاؤها للأشخاص لا للأوطان، وقد يصبح هذا النموذج الأمريكي الأكثر ضررًا على الإطلاق. وتتوقع الولاياتالمتحدة أن تحاول جماعات مسلحة في إفريقيا استنساخ تجربة أحمد الشرع، بالابتعاد تدريجيًا عن تنظيم القاعدة المنتشر في القارة السمراء، وهو ما سيدفع واشنطن إلى توفير دعم لوجستي لهذه الجماعات بما يحقق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة. وتسعى واشنطن إلى توجيه رسائل غير مباشرة إلى القارة الإفريقية من خلال الترويج لنموذج أحمد الشرع، الذي بات الأفضل بالنسبة لها في مرحلة ما بعد التدخلات العسكرية الثقيلة، والتأكيد على أن عصر إسقاط الأنظمة بالقوة قد انتهى، وبدأ عصر جديد قائم على البراغماتية. وقد وضعت الولاياتالمتحدةالأمريكية رؤية واضحة تتمثل في عدم التدخل العسكري المباشر، والدفع نحو دعم وكلاء محليين، وتوظيف بعض الجماعات المسلحة في احتواء "داعش" و"القاعدة"، وهو ما تطبقه حاليًا في سوريا وعدد من الدول. وتشكّل سوريا، في الوقت الراهن، خطرًا داهمًا على دول شمال إفريقيا؛ إذ يُقدَّر عدد المقاتلين المتطرفين المنحدرين من شمال إفريقيا والذين يقاتلون في سوريا بنحو 1200 مقاتل، يمثّل التونسيون أكبر كتلة منهم بنسبة تقارب 50%، يليهم الليبيون والمغاربة. ينتشر نحو 75% من هؤلاء في مناطق إدلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، فيما يتواجد البقية في البادية السورية أو ما زالوا في مخيمات قوات سوريا الديمقراطية "قسد". ويتمثل السيناريو الأخطر حاليًا في احتمال انتقال هؤلاء إلى ليبيا أو دول الساحل، وهو ما يستدعي تنسيقًا استخباراتيًا على أعلى مستوى لإحباط انتقال المتطرفين إلى ساحات أخرى قد تزعزع أمن واستقرار شمال إفريقيا.