«المشاط»: التأمين الصحي الشامل هدف استراتيجي للدولة المصرية ضمن منظومة التنمية البشرية    الرقابة المالية تحدد قواعد استثمار صناديق التأمين الحكومية.. استثمار 5-20% في الأسهم المصرية    بعد سحب الجنسية الكويتية منه، من هو الداعية طارق سويدان وما هي جنسيته الحقيقية؟    "ذا جارديان": خطة ترامب في أوكرانيا صفقة قذرة تهدد مستقبل أوروبا نفسها    اتهامات متبادلة بعدم الاتزان العقلي بين عمران خان ورئيس أركان الجيش الباكستاني    تجنب الوقوف بجوار اللاعب الإسرائيلي، تصرف ذكي من محمد السيد في كأس العالم للسلاح    صبة خرسانية تسفر عن 8 مصابين بمبنى تحت الإنشاء ببنها    مصرع شابين وإصابة ثالث في تصادم مروع ببني سويف    جريمة اسمها حرية الرأي    وزير السياحة والآثار: إعلان خطة تطوير المتحف المصري بالتحرير قريبا    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    الإدارية العليا تبدأ نظر 300 طعن على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب    وزير الخارجية يبحث تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي    هزتان ارتداديتان قويتان تضربان ألاسكا وكندا بعد زلزال بقوة 7 درجات    تقارير: الدورى السعودي يستعد لاستقطاب محمد صلاح براتب أكبر من رونالدو    ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سائحين بالهند    قرار هام من القضاء الإداري بشأن واقعة سحب مقررين من أستاذ تربية أسيوط    حبس الحكم العام و3 من طاقم الإنقاذ في غرق لاعب السباحة يوسف محمد على ذمة التحقيقات    حسام حسن VS حلمى طولان    موعد مباراة ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    استقرار أسعار الخضراوات داخل الأسواق والمحلات بالأقصر اليوم 7 ديسمبر 2025    هيئة الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بإمساك بعض السجلات    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 20 درجة    حصاد حملات الداخلية خلال 24 ساعة.. آلاف القضايا في النقل والكهرباء والضرائب    الأمن يضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل ترويجها بالسوق السوداء    مصر تنضم إلى مركز المعرفة للتغطية الصحية الشاملة UHC Hub    انتخابات متعثرة.. إلا قليلًا    «ميلانيا» تفتح أبواب الجحيم    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا بمحافظات الجمهورية خلال نوفمبر الماضي    روجينا تبدأ تصوير مسلسل "حد أقصى" وتحتفل بأولى تجارب ابنتها في الإخراج    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية    مستشفى كرموز تجح في إجراء 41 عملية لتغيير مفصل الركبة والحوض    وزارة الصحة توضح أعراض هامة تدل على إصابة الأطفال بالاكتئاب.. تفاصيل    تعليمات من قطاع المعاهد الأزهرية للطلاب والمعلمين للتعامل مع الأمراض المعدية    هل تعلم أن تناول الطعام بسرعة قد يسبب نوبات الهلع؟ طبيبة توضح    حضر التلاميذ وغاب المدرسون، استياء بين أولياء الأمور بسبب غلق أبواب مدرسة بمطروح    نظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    وزير الرياضة يهنئ محمد السيد بعد تتويجه بذهبية كأس العالم للسلاح    تراجع سعر اليورو اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    المتهم بقتل زوجته فى المنوفية: ما كنش قصدى أقتلها والسبب مشاده كلامية    الخشت: تجديد الخطاب الديني ضرورة لحماية المجتمعات من التطرف والإلحاد    نظر محاكمة 9 متهمين بقضية خلية داعش عين شمس اليوم    رئيس جامعة حلوان: منتدى اتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية منصة لتبادل الخبرات    كان معاه 20900 جنيه.. "اهل مصر" تنشر اعترافات أحد سماسرة الأصوات بقنا    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    مواعيد مباريات الأحد 7 ديسمبر 2025.. ختام المجموعة الأولى بكأس العرب وريال مدريد وقمة إيطالية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 7 ديسمبر    جيروم باول يتجه لخفض أسعار الفائدة رغم انقسام الفيدرالي الأمريكي    إنقاذ شخص من الغرق في نهر النيل بالجيزة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيراني تطورات الملف النووي والحلول الدبلوماسية لخفض التصعيد    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    "ولنا في الخيال حب" يفاجئ شباك التذاكر... ويُحوِّل الرومانسية الهادئة إلى ظاهرة جماهيرية ب23 مليون جنيه    محسن صالح: توقيت فرح أحمد حمدى غلط.. والزواج يحتاج ابتعاد 6 أشهر عن الملاعب    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرعية "الكونية"
نشر في اليوم السابع يوم 28 - 09 - 2025

استمدت الأنظمة الحاكمة شرعيتها، على مدار عقود، وتحديدا منذ الحرب العالمية الثانية، على الديمقراطية، والتي تعتمد العديد من الإجراءات والمعايير، على رأسها العمليات الانتخابية، التي تسمح للشعوب باختيارات قادتهم وممثليهم، بينما قام النظام الدولي على نظام ديكتاتوري، يعتمد القوة المطلقة، التي تحظى بها الولايات المتحدة، ليصبح القمع هو الوسيلة التي فرضت بها الديمقراطية، وهو ما بدا في العديد من النماذج، منها العراق، والذي يجسد الكيفية التي أدارت بها أمريكا العالم، تحت غطاء نشر الديمقراطية، عبر القوة، في صورتها الصلبة، من خلال التدخل العسكري المباشر، بينما اعتمدت أدوات أخرى، على غرار العقوبات والعزلة الاقتصادية، على خصومها الأكثر قوة بهدف إنهاكهم والضغط على أنظمتهم السياسية للدوران في الفلك الأمريكي.
تلك الحالة المختلة دعمتها الأوضاع الدولية، في ضوء التحالفات الأمريكية، والتي شكلت أغلبية كبيرة، خاصة في إطار قيادة واشنطن للمعسكر الغربي، تحت مظلة الناتو، وامتداداتها في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، والعديد من دول أمريكا اللاتينية، مما منح الرؤى الأمريكية قوة الشرعية الدولية، وهو ما ساهم بصورة أو بأخرى، في معظم الأحيان، في تواري العورات الأممية، وعلى رأسها حق الفيتو، رغم انكشافها في مواقف محدودة، منها القضية العراقية التي أسلفت الإشارة إليها، حيث لم يحظى الغزو بموافقة أممية، مما دفع إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش باستبدالها بما أسميته في مقال سابق ب"شرعية التحالفات"، معتمدا على مشاركة عسكرية رمزية من فرنسا وبريطانيا، ودعم سياسي واسع النطاق.
وأما الآن فالأوضاع تبدو متغيرة، فالمواقف الأمريكية لم تعد تحظى بالزخم الدولي، بل وأن قيادة واشنطن الدولية أو حتى لمعسكرها الغربي، باتت على المحك، في ضوء خروج صريح أحيانا، أو على استحياء في أحيان أخرى، على الرؤى التي يتبناها البيت الأبيض، وهو ما يبدو في الموقف الدولي الموحد ضد العدوان على غزة، وسلسلة الاعترافات المتواترة بالدولة الفلسطينية، تخلق واقعا جديدا، يدور حول ما إذا كان الأوان قد آن لتطبيق الديمقراطية في مفهومها الدولي، بعد عقود طويلة من الترويج لها عالميا، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن الالتزام بما أرسته أمريكا لعقود كان مرهونا بما تقدمه لحلفائها من مقابل سواء سياسي أو اقتصادي أو أمني أو عسكري، وهي المزايا التي باتت تتنصل منها واشنطن في السنوات الأخيرة.
في الواقع، تبدو الديمقراطية التي أرست واشنطن وحلفائها الغرب مبادئها، منذ الأربعينات من القرن الماضي، اعتمدت نهجا عالميا، عبر تعزيز المفهوم داخل الدول، بينما قمعته على المستوى البيني، في إطار مناقشة القضايا الدولية، وهو ما يبدو في بنية النظام الدولي نفسه، عبر منطق "الفيتو"، الممنوح لخمسة دول فقط، ليعطي أي منهم الحق في تقويض أي قرار، فيما يتعلق بالمسائل الإجرائية، حتى وإن حظى بالأغلبية المطلقة، داخل أروقة مجلس الأمن، بل وأنه في حالة الخلاف بين ما هو إجرائي أو غير إجرائي، يتم التصويت على تصنيف المسألة محل التصويت، باعتباره شأن إجرائي، فتنتصر إرادة دول الفيتو في نهاية المطاف، وهو ما يعكس ازدواجية صارخة بين نداءات واشنطن الديمقراطية، ونزعاتها الديكتاتورية، والتي باتت تتجاوز الشأن الدولي، نحو الداخل الأمريكي نفسه، وهو ما أثار قلقا بالغا بين المتابعين.
المشهد الأخير في الأمم المتحدة، والذي تجسد في انسحاب الوفود من القاعة أثناء خطاب بنيامين نتنياهو، يعكس تغييرا جذريا في المشهد الدولي، لا يقتصر على مجرد استفاقة عالمية على ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات، وإنما يمتد إلى حقيقة العزلة التي لا تعانيها إسرائيل بمفردها، وإنما أيضا أمريكا، فالدعم الدولي الذي حظت به تل أبيب لعقود، كان مرتبطا بالأساس ب"أمريكا المهيمنة"، وبالتالي فالخروج عن طوعها يعني عزلتهما معا.
العزلة لا تقتصر على النطاق الدولي، فالداخل الإسرائيلي والأمريكي يعانيان من قدر كبير من الغليان، وهو ما يبدو في احتجاجات تل أبيب لوقف الحرب وإعادة الرهائن، وتراجع نفوذ اللوبي الداعم لإسرائيل في واشنطن، وهو ما أكده الرئيس دونالد ترامب نفسه، في تصريحات تلفزيونية قبل أسابيع، ليصبح استمرار الحرب والدعم الأمريكي لها مناهضا لمفهوم الديمقراطية، في الداخل.
المشهد الحالي برمته، يعكس عجز الشرعية الدولية، في إطارها الأممي، عن تحقيق العدالة، والقائمة في قضيتنا الفلسطينية، على حل الدولتين، وإنهاء الحرب في غزة، بينما يخلق شرعية جديدة، ذات طبيعة شعبوية، تتجلى في خروج الاحتجاجات بين أوروبا والولايات المتحدة، وحتى إسرائيل نفسها، لتحمل نفس المطلب، وهو إنهاء الحرب، متجاوزة لحدود دولة أو حتى إقليم بعينه، للانتصار لقضية ذات طبيعة دولية، بينما يبقى محلها هو الشارع، وليس القاعات المكيفة، وعبر الهتافات، وليس الخطابات الرسمية المنمقة
الشرعية الجديدة تتجاوز في قوتها الشرعية الأممية، التي تنتهك يوميا تحت مظلة الفيتو، وتتجاوز شرعية التحالفات، التي استحدثتها واشنطن إبان حربها على العراق، إذا أنها تتجاوز التمثيل الرسمي للشعوب عبر ممثلي الأنظمة الحاكمة، نحو خروج آلاف البشر في الساحات والميادين، ليس للمطالبة بإصلاح الداخل، أو لتحقيق أهداف فئوية، ولكن للانتصار إلى شعب مظلوم منذ عقود، يعاني ويلات القصف والجوع والتشرد، وهو ما يضفي أبعادا إضافية للشرعية الدولية، ويضع الأمم المتحدة في صورتها الحالية في مأزق حقيقي.
وهنا يمكننا القول بأن الشرعية الجديدة التي تحظى بها فلسطين، تحمل إطارا "كونيا"، يتجاوز الدول والمنظمات، تمتد في نطاقها من مشارق الشمس إلى مغاربها، بل واقتحمت دار نتنياهو، وأصدائها تصدح داخل منزله، بالدعوة إلى إنهاء الحرب، وتحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما لا يمكن أن يتحقق سوى بإنهاء الاحتلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.