محافظ أسوان يؤكد إنهاء جميع التجهيزات والاستعدادات النهائية لجولة الإعادة للانتخابات البرلمانية    أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر بأسواق البحيرة.. الكندوز ب 390 جنيها    رئيس الوزراء يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بالروبيكي    وزير الإسكان: 721 مليون يورو محفظة المشروعات الجارية مع بنك الاستثمار الأوروبي    النائب ياسر الحفناوى: الإصلاحات الاقتصادية نقطة تحول فى أداء الاقتصاد    ميناء دمياط يستقبل 7 سفن خلال 24 ساعة    سفير موسكو: نقدر بشدة اهتمام الرئيس السيسى بالعلاقات مع روسيا    زيلينسكي يبحث مع الناتو المفوضية الأوروبية جهود إحلال السلام بأوكرانيا    انطلاق قافلة زاد العزة ال90 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات إنسانية وشتوية إلى الأشقاء الفلسطينيين    زلزال جديد بقوة 5.3 درجات يضرب قبالة محافظة آومورى اليابانية    مراسلون بلا حدود: إسرائيل أسوأ عدو للصحفيين وأكثر دولة قتلا لهم    «ربما فاتنا الكثير».. كيف علق ألونسو على أزمة صلاح مع ليفربول؟    منتخب مصر يبحث عن 60 مليون جنيه أمام الأردن اليوم بكأس العرب    تواجد الأعضاء للتسجيل في عمومية الزمالك..صور    الضويني يهنئ وزير الرياضة لاختياره رئيسا للجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية باليونسكو    صلاح يرد على استبعاده من مباراة إنتر بطريقته الخاصة    تأجيل استئناف محامي المعمورة المتهم بقتل 3 على حكم إعدامه في الإسكندرية ل3 يناير    ضبط 3 عناصر جنائية شديدة الخطورة لقيامهم بغسل 160 مليون جنيه من حصيلة الاتجار بالمخدرات    سحب 878 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    محافظ القاهرة يرفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة الأمطار    إحالة عاطل للجنايات لاتهامه بحيازة كمية من المواد المخدرة بالقاهرة    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    تكريم عمر خيرت في مهرجان الأوبرا العربية بالدوحة    إبراهيم قاسم: لا مخالفات فى التصويت بالخارج لانتخابات النواب حتى الآن    لصحة: فحص 7 ملايين و 453 ألف طالب ضمن مبادرة الكشف عن «الأنيميا والسمنة والتقزم» بالمدارس الابتدائية    الكشف على 214 حالة أطفال ضمن مبادرة من أجل قلوب أطفالنا بمدارس كفر شكر    محافظ الدقهلية يتفقد مركز طب الأسرة بمحلة دمنة ويؤكد: الخدمات الطبية والعلاجية للمواطن أولوية لا تحتمل التأجيل    زيارة وفد الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA) لكلية السياحة والفنادق بجامعة قناة السويس    أزمة الكلاب الضالة في مصر.. بين الأمان العام وحقوق الحيوان    إحالة عامل قتل صديقة بسبب خلافات فى المنوفية إلى المفتى    مسؤول أممي: اقتحام إسرائيل مجمع الأونروا في القدس يعد سابقة خطيرة    موعد مباراة برشلونة وفرانكفورت في دوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    علاء عابد: خطوة فلوريدا تجاه الإخوان و"كير" انتصار دولى جديد ضد قوى التطرف    البابا تواضروس الثاني يلتقي ممثلي الكليات والمعاهد اللاهوتية بأكاديمية مار مرقس بوادي النطرون    رشا عبد العال: «كارت تميز ضريبي» لتسهيل إجراءات تعامل شركائنا الممولين مع المصلحة    وزير الري يتابع الموقف التنفيذي للمشروع القومي لضبط النيل    رفض ليبي لتصريحات يونانية حول الحدود البحرية    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث آليات تعزيز التعاون بين البلدين    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    جعفر بناهي يترشح لجائزة أفضل مخرج في الجولدن جلوبز عن فيلم «كان مجرد حادث»    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    رحاب الجمل: محمد رمضان في "احكي يا شهرزاد" كان ملتزم وبيصلي    ضبط 1.5 طن سكر ناقص الوزن وغير مصحوب بفواتير بمركز ديروط فى أسيوط    عضو «حقوق الإنسان»: انتخابات مجلس النواب تتم في سهولة ويسر    فريق جراحة القلب والصدر بمستشفيات قنا الجامعية ينقذ شابا من إصابة قاتلة بصاروخ تقطيع الرخام    فوائد الامتناع عن الطعام الجاهز لمدة أسبوعين فقط    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    الحبس عقوبة استخدام التخويف للتأثير على سلامة سير إجراءات الانتخاب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    متحف اللوفر بين الإصلاحات والإضرابات... أزمة غير مسبوقة تهدد أشهر متاحف العالم    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    المستشار القانونى للزمالك: لا مخالفات فى ملف أرض أكتوبر.. والتحقيقات ستكشف الحقيقة    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أمركة" الشرعية الدولية.. من التهجير إلى الإقصاء
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 09 - 2025

التهجير هو مخطط إسرائيلي بالأساس، استهدف سكان غزة، تحت ذريعة الحرب التي أطلقتها حكومة بنيامين نتنياهو، قبل عامين تقريبا، انتقاما لأحداث السابع من أكتوبر، بينما كان الهدف الحقيقي هو وأد الدولة الفلسطينية قبل ولادتها، وانتزاع الشرعية من أصحابها، عبر تقويض حل الدولتين، وذلك بتجريد الوطن المنشود من مواطنيه، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، ارتكبت تل أبيب كافة أنواع الانتهاكات، التي دارت بين قصف المدنيين وتجويعهم، وإغلاق المعابر أمام المساعدات المقدمة لهم، إلا أن ثمة وجها آخر ل"التهجير" تمارسه الإدارة الأمريكية مؤخرا، يتجلى في حرمان الفلسطينيين من التعبير عن أنفسهم أمام الأمم المتحدة، خلال اجتماعات الجمعية العامة المقررة في هذا الشهر، وهو ما يمثل مؤشرا خطيرا في المواقف الأمريكية في لحظة دولية فارقة، ليس فقط في إطار القضية الفلسطينية وإنما أيضا فيما يتعلق بنظام عالمي يبدو في طور التشكيل.
ولعل الهدف المشترك الذي يجمع بين تل أبيب وواشنطن، رغم اختلاف الممارسة، بين الوضع الميداني، والمضمار الدبلوماسي، يتجلى في استهداف الشرعية التي تحظى بها فلسطين، فالأولى تجرد الدولة المنشودة من شرعيتها عبر انتزاع عنصر المواطن، بينما تسعى الثانية إلى تغييب القضية عن المنصة الدولية الأكبر، والمنوطة في الأساس بتحقيق العدالة الدولية، والانتصار لحقوق الشعوب، وهو ما يساهم في تقويض مصداقيتها، وهو ما يصب في صالح الرؤى التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، والذي يحمل موقفا مناهضا للمنظمة الأممية بدا بوضوح منذ ولايته الأولى، ويتجلى في مواقفه العامة المناوئة للمؤسسات بشكل عام.
قرار إدارة الرئيس ترامب بمنع إصدار تأشيرات لوفد السلطة الفلسطينية، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يحمل في طياته العديد من الأبعاد، ربما أبرزها استباق سلسلة من الاعترافات الغربية المنتظرة بالدولة الفلسطينية، بخطوة من شأنها تغييب القضية، عبر حرمان وفد السلطة من الحضور، خاصة وأن الدول التي أعلنت اعتزامها الاعتراف بفلسطين، اتخذت قراراتها دون رجوع لواشنطن، وهو الأمر الذي ربما اثار استفزاز البيت الأبيض، والذي يسعى نحو تعزيز قيادته للعالم، عبر ما سبق وأن أسميته في مقالات سابق ب"هيمنة أحادية ذاتية الشرعية"، لا تقوم في الأساس على دعم قوى أخرى (المعسكر الغربي)، وإنما تستلهم شرعيتها من قوتها ونفوذها، وبالتالي فإن قرار منع الفلسطينيين من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، بمثابة انتصارا للكبرياء الأمريكي أكثر منه انحيازا لإسرائيل، أو بالأحرى هو البعد ذات الأولوية في الرؤية الأمريكية في اللحظة الراهنة، على اعتبار أن مواقف واشنطن الداعمة للدولة العبرية تعد بمثابة ثوابت دبلوماسية تقليدية معتادة.
وامتدادا للسياق نفسه، يمثل حرمان الفلسطينيين من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، انتزاعا لحق الأمم المتحدة، والتي يناهضها الرئيس ترامب كما أسلفنا، في إضفاء الشرعية على المواقف الدولية، لتحل محلها الولايات المتحدة بقرارات منفردة أحادية، وهو ما يمثل امتدادا لمواقف سابقة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، منها الاعتراف الأمريكي بالقدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل خلال ولاية ترامب الأولى، وهو الموقف الذي أثار الكثير من الجدل، في إطار تعارضه مع الشرعية الدولية، التي تمنح فلسطين القدس الشرقية عاصمة لها.
قرار إدارة ترامب بمنع إصدار تأشيرة لأعضاء الوفد الفلسطيني بالأمم المتحدة، يمثل الوجه الآخر لقرار القدس فيما يتعلق بالانحياز الأمريكي الصارخ للدولة العبرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولكن في الوقت نفسه يحمل أهدافا أعمق، ستترك تداعيات كبرى على القضايا الدولية الأخرى، وهو ما ينبغي أن تلتفت إليه القوى الدولية والإقليمية الأخرى، فالهدف هو تحويل بوصلة الشرعية نحو واشنطن وليس نيويورك، وهو ما يعني مواقف البيت الأبيض بمفرده هي من تحكم العالم وتسيطر على قضاياه، على غرار الوضع في أوكرانيا، والقضايا التجارية والأزمة في كوريا الشمالية، وغيرها من القضايا الأخرى سواء المتفاقمة أو المرشحة للتفاقم بصورة كبيرة خلال المرحلة المقبلة.
تحويل بوصلة الشرعية من الأمم المتحدة إلى البيت الأبيض يمثل تطبيقا عمليا لفكرة الهيمنة الأحادية، فإذا كانت السيطرة الأمريكية على العالم عبر المنظومة الأممية، والمعتمدة على الفيتو، اتسمت بازدواجيتها وسيطرة المصالح الفردية للقوى الكبرى على القرارات الصادرة منها، فإنها ستتجه، حال نجاح المخطط الأمريكي، نحو أحادية مطلق تقوم على "فيتو وحيد"، لا تملكه أي قوى دولية سوى الولايات المتحدة، عبر ما يمكننا تسميته ب"أمركة" الشرعية الدولية، ولكن يبقى التساؤل حول ما إذا كانت القوى الدولية قادرة على المواجهة خلال اجتماعات الجمعية العامة المرتقبة، أم أن الأمور ستسير كما تخطط لها إدارة الرئيس ترامب.
في الواقع، يبدو أن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المقبلة ستكون أحد أصعب اختبارات المنظومة الأممية، فالعالم أمام أحد قرارين، إما الخضوع للقيادة الأمريكية، وهو ما يعني ليس فقط المقامرة بفلسطين أو الاستقرار في الشرق الأوسط، وإنما أيضا مستقبل العديد من القضايا الأخرى، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة إلى صوت دولي موحد في مواجهة الأحادية الأمريكية التي تنشدها إدارة ترامب، عبر الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية، والضغط لحصولها على العضوية الكاملة بالمنظمة الدولية، وهو ما يمثل في اللحظة نفسها انتصارا للأمم المتحدة، والاحتفاظ بحد أدنى من الديمقراطية الدولية، والتي يمكن من خلالها للقوى المؤثرة القيام بأدوار ملموسة فيما يتعلق بمختلف القضايا، بعيدا عن النهج الذي يسعى البيت الأبيض إلى إرسائه.
وعلى الرغم من الرؤية الأمريكية سالفة الذكر، والقائمة على تعزيز فكرة "الهيمنة الأحادية ذاتية الشرعية"، نجد أنها تفتح الباب أمام بدائل أخرى للقوى المنافسه لها، لشرعنة قرارتها بعيدا عن الأمم المتحدة، والتي أصبح وجودها داخل الأراضي الأمريكية تهديدا للعدالة الدولية، من خلال تنظيمات صاعدة، على غرار "بريكس" ومنظمة شنغهاي، وغيرهما من التنظيمات الأخرى التي باتت تحظى بإقبال دولي، وربما مصداقية شعبوية، مما يمكنها من إضفاء الشرعية على المواقف التي تتبناها الدول الأعضاء تجاه القضايا، وهو ما يخلق حالة أشبه ب"الفوضى" تنظيمية، في إطار حلقة من "الشرعيات المتصارعة" التي قد تمدد حلقة الصراع الدولي إلى سياقات أبعد في المستقبل.
وهنا يمكننا القول بأن ما بدأ كقرار أمريكي أحادي بحرمان الفلسطينيين من منصة الأمم المتحدة، لا يقف عند حدود القضية الفلسطينية وحدها، وإنما يمثل أحد تجليات التحول الأعمق في النظام الدولي، حيث تتراجع المرجعية الأممية لحساب "فوضى تنظيمية" تتنازعها الكتل الصاعدة والطموحات الأمريكية، لتصع العالم عند مفترق طرق، فإما أن تستعيد الأمم المتحدة جزءًا من مصداقيتها عبر مواجهة الانحياز السافر، أو أن تفسح المجال لشرعيات بديلة قد لا تحمل الاستقرار المأمول، وإنما مزيدًا من الانقسام والاضطراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.