فإنه منذ زمن ليس ببعيد كتبت مقالا عنوانه ، "المدينة الفاضلة بين الواقع والخيال"، جسدت فيه ما جال بمخيلتي وما كنت أحلم به لمدينتنا العالمية ، عالمنا الذي نحياه ، ونسجت ذلك من خلال مطالعتي لجمهورية أفلاطون ، ولمدينة الفارابي الفاضلة ، وليتوبيا توماس مور ، وكذلك لمؤلفات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ، خصوصا مؤلفاته الأخلاقية ، وكتابه الملهم الذي كان بمثابة مشروع لو تم لتحقق السلام العالمي ، كتابه ، المشروع الدائم للسلام العالمي. لكنها على ما يبدو كانت أضغاث أحلام نجمت عن مراهقة فكرية ، أو بمعنى أدق ، مثالية مطلقة كالتي ينسجها الشعراء في أشعارهم ، أو كقصص ألف ليلة وليلة وغيرها التي كانت تصور الحياة وردية وأن الجميع سينعم بالاستقرار والسلام الدائم وأنه لن يسطو أحد على حقوق وممتلكات الآخرين ، ولن تكبل الحريات ويقمع الفكر ، كنت أظن ذلك كذلك ، وأنه ستتحقق جنة الله على الأرض ، التي يؤمن بها المؤمنون أنها ستتحقق في عالم آخر. وقد تعرض المقال لانتقادات كثيرة بين مؤيد ومعارض ، لا نقد لشخص الكاتب ، وإنما للأفكار التي تناولتها المقالة ، وهناك من وصف المقالة قائلا ، تلك (مراهقة فكرية)، لكن السؤال الذي أطرحه وقد طرحته قديما وسأظل أناضل من أجل أن أجد جوابا عليه ، إذا كان المقال يحمل ما يحمله من فكر مراهق ، فهل أفلاطون والفارابي ، وأوغسطين ، وابن طفيل ، وابن باجه ، وايمانويل كانط وتوماس مور كانوا مراهقين فكريا ، أم جسدوا حال واقعهم الذي يحيونه محاولين جل جهدهم أن يصنعوا حياة فاضلة لشعوبهم.؟! أليس من حق العالم بقاراته ، بجمهورياته ، بأقاليمه ، أليس من حق قاطنيه أن ينعموا بالراحة والهدوء والسلم العام..! أما آن الأوان لقوى الشر أن تندحر وتترك الشجر ينمو ويخضر ، والحجر يزهو ويلمع ويناجي ناحتيه هلموا إلي وأظهروا ما بي من جمال مرمري بنحوتاتكم الرائعة ، أما آن أن تتحقق الإخوة الإنسانية فبدلا من أن يكون الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ، يصير أخا لبني جلدته مهما اختلفت ألوانهم ولهجاتهم ومعتقداتهم ، فلا طائفية ، لا عنصرية ، لا طبقية. أما آن الأوان حتى ننعم بفكر حر راق مستنير تسوده لغة الحوار لا لغة الصراع ، يندرس فيه رسم الأنا العليا ويغلب فيه العقل الجمعي. نعم سيظل هذا القلم يناضل لا يمل ولن يكل من خطاب العقل ، وخطاب القلب ، فما أجمل خطاب العقل إذا ما استخدمه العقلاء دونما الحمقى والأغبياء ، ما أجمل خطاب العقل إذا لامس القلب وتعانقا ، فإنه بالتأكيد سيحدث ما نصبو إليه . تحقيق حلم المدينة العالمية التي لا تحدها الحدود ، المدينة الوجودية التي ينعم فيها أهل الفكر مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية ، فكثرة الاتجاهات الفكرية يثري الفكر ويكسبه الحيوية والحركية ، طالما أن ثم تفكير موضوعي يقود لغة الحوار . بعيدا عن الأصوات الحنجورية وتشبث كل فريق برأيه ، فلابد أن يستمع صاحب الفكر الإسلامي إلى صاحب الفكر الليبرالي ، والشيوعي والماركسي واليساري ، والفكر المسيحي وكذلك الفكر اليهودي ، حتى أصحاب نزعة اللادين ، الملاحدة ، لماذا ننبذهم ، لماذا لا نناقشهم مناقشة موضوعية لعلهم يعودون إلى صوابهم ويعدلوا عن خطئهم. هذه رسالتي أوجهها لكل شعوب العالم ، ناضلوا من أجل تحقيق حلمكم ، حلم السلام الدائم الذي يضمن لكم حياة رغدة سعيدة ويؤمن مستقبل أولادكم وأحفادكم ، وقفوا خلف قياداتكم ، إذا رأيتموهم أجادوا وأحسنوا فشدوا على أيديهم وادعمهم بكل ما أوتيتم من قوة. وإن رأيتموهم ضلوا طريق الإصلاح فقوموهم بالتي هي أحسن من خلال توجيه النصح والإرشاد ، ومن خلال النقد البناء الذي يبني ولا يهدم. وقفوا خلفهم وبجوارهم ضد أي مؤمرات تدبر بليل للأوطان ، ولا تعطوا آذانكم للمغرضين ، الشامتين الذين لا يرون إلا منتصف الكوب ، أو أولئك الذين أصابهم العشى الليلي ، فراحوا يعيثون فى الأرض فسادا ، جل غرضهم ، إثارة الفوضى فى الأوطان. من أجل نشر حالات اليأس مستغلين ، حادثة تحدث هنا أو آخرى تحدث هناك ، حادثة قدرية كانت أو حتى بفعل فاعل ، فهذا ليس شأننا ، فهناك أجهزة أمنية ستكشف ذلك عاجلا أو آجلا. المهم لا تسمحوا لهؤلاء المغرضين أن يخترقوكم ولا يخترقوا وحدتكم ولا يشقوا صفكم ، وإنما اغلقوا في وجوههم العكرة كل الأبواب. فيا شعوب العالم خذوا العبرة والعظات من شعب مصر العظيم البطل ، الذي لا يفت من عضده مؤامرة خبيثة دبرت لتفتيت وحدته وللتشكيك في حكومته ، ولزعزعة أمنه واستقراره ، ووحدة جيشه ، ففي وقت الشدائد تظهر المعادن النفيسة . فهل آتاكم نبأ موقعة عين جالوت ، أم هل أتاكم نبأ حملات الفرنسيس والانجليز والتتار ، والعدوان الثلاثي ، أليست الأجيال تعي حرب أكتوبر المجيدة ، أليس الجميع يدرك مواقف مصر الثابتة من القضية الفلسطينية. كما قلت آنفا حادثة هنا ، حريق هناك ، تم بتدبير مدبر أو قدرا أيا كان ، ماذا شاهدتم ، ألم تشاهدوا رجال الإطفاء حتى من كان في راحته هب لنجدة زملائه ولبى نداء الواجب ، ألم تشاهدوا حتى طلاب كليات الهندسة هبوا للمساعدة. إنها مصر ، خلية النحل ، التي تعمل تحت مظلة واحدة ، مظلة حب الوطن ، فالجميع يذهب ويبقى الوطن ، وهذا هو السر ، هذه هي كلمة السر المحفورة بأحرف من نور في قلوب كل مصري حر محب لوطنه ، يتوارثه الأجيال ، جيل بعد جيل ، مهما اختلفنا مع بعضنا لكن اختلافنا لا ولن يفسد وحدتنا . وهذا السر الأعظم الذي يقف خلف بقاءنا صامدين متحدين مهما حاول المتآمرون تفتيت وحدتنا فلن يفلحوا ، ولا يفلح الساحر حيث أتى. فيا شعوب العالم ، إذا أردتم تحقيق المعادلة وفك رموزها ، وتحقيق السلام الدائم انظروا إلى مصر واعتبروا.