في دروب الحياة المتعرجة، لن تمشي طويلاً دون أن تصادف حجارة تتناثر أمامك، تعترضك في كل منعطف، وتنتصب أمامك كأنها قُدّت خصيصًا لتعوق خطاك، بعضها صغير يلسع دون أن يوجع، وبعضها كبير يحاول أن يسقطك أرضًا، لكن الحكمة ليست في خلو الطريق، بل في براعتك في عبوره. الذين يسيرون بخطى ثابتة لا يملكون طرقًا ممهدة، بل يملكون عزيمة تشبه الرياح، تمضي رغم الجبال، وتلتف حول العوائق كأنها تعرف مسبقًا أنها ستصل، والحجارة التي يراها البعض عثرة، يراها آخرون فرصة لبناء شيء ما، شيء يُرتقى إليه لا يُسقط منه. الحياة لا توزع النجاح مجانًا، بل تتركه معلقًا في أعالي السلالم، وتتحداك أن تبني طريقك إليه، كل فشلٍ، كل خيبة، كل كلمة محبطة، كل باب أوصد في وجهك، ليس سوى حجر أُلقي في طريقك، لتختبر: هل ستتوقف؟ أم أنك ستنحني، تلتقط الحجر، وتضيفه إلى سلّمك؟ الناجح لا يولد من رحم الحظ، بل يُصنع في أفران التجربة، ويتكوّن من خليط الصبر والإصرار، هو ذلك الذي تعلم كيف يجعل من كل حجر خطوة، ومن كل سقوط انطلاقة، ومن كل جرح درسًا يُضاء به درب الغد. حتى الجبال التي تراها شاهقة، كانت يومًا تلالًا من الحصى، تراكمت بصمت حتى وصلت عنان السماء، وهكذا أنت، كل عثرة تمر بها، كل وجع تخبئه في قلبك، يمكن أن يكون لبنة في بنائك، شرط أن تؤمن أنك أنت المهندس، لا الظروف. لا تُصغِ كثيرًا لمن يحذّرك من كثرة العوائق، فهؤلاء لا يبنون شيئًا، إنما حدّق في عيني أحلامك، واجعل الحجارة وقودًا لا قيدًا، سُلّمًا لا سكينًا، واعلم أن من سار على جمر الطريق، صار قلبه حديدًا، لا تهزّه العواصف ولا تكسره الرياح. اجمع أحجارك، لا تهرب منها، احملها بيدك، لا على ظهرك، ابنِ بها لا تدفن تحتها، فالحياة لا تخلع لأحدٍ تاج النجاح، إلا لمن تعب في تشكيله من عرقه، وسقاه بدموع خيباته، ونحته بإزميل الأمل. في نهاية الطريق، ستصل إلى القمة، ليس لأنك لم تتعثّر، بل لأنك تعثّرت، ثم وقفت، لأنك لم تلعن الحجارة، بل شكرتها، وبنيت منها درجتك الأولى نحو مجدٍ تستحقه.