الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، وبعد، فقد أصبح التقدم العلمى والتكنولوجى فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى هو السمة المميزة لهذا العصر، ولم يعد استعمال هذه التطبيقات خيارًا مطروحًا يحتمل القبول أو الرفض، وقد حمل هذا التقدم فى طياته مجموعة من الإيجابيات والسلبيات أثرت على سلوك الإنسان وأخلاقه وقيم مجتمعه الذى يعيش فيه، الأمر الذى يتطلب أن نقوم بالواجب العلمى والمجتمعى تجاه هذا التطور المتسارع فى أنظمة الذكاء الاصطناعى، وأن نحرص من خلال بحوث جادة على بيان أوجه الفائدة منه، وكيفية استثماره، وضمان استخدامه وفقا للضوابط والقيم الأخلاقية فى المجتمع. إن الذكاء الاصطناعى مجال جديد يثبت أقدامه يومًا بعد يومٍ، أسهم بشكل فعال فى تطوير كثير من المجالات عبر تطبيقاته؛ حيث أدى التطور فى استخدامه إلى إيجاد العديد من فرص التقدم والتغيير على الصعيد العالمى، بدءا من تيسير التشخيص لأغراض الرعاية الصحية، وانتهاء بتمكين البشر من التواصل فيما بينهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى. هذه التغيرات المطردة تُثير بطبيعة الحال مخاوف أخلاقية حول حماية قيم العدالة، والشفافية، والمسؤولية الاجتماعية، مخاوف تنبع من الإمكانات الكامنة فى الذكاء الاصطناعى، فمع أنه قادر على تطوير الأنظمةِ والبرامجَ التى تحاكى قدراتِ العقلِ البشرى فى التحليلِ المنطقى والاستنتاجِ الموضوعى من خلال قدرته على معالجة كمٍّ هائلٍ من البياناتِ بكفاءةٍ وسرعةٍ؛ إلا أننا نخشى التحدياتِ الكبيرةَ والمخاطرَ المتعددةَ التى قد تصحبُه، والتى منها: انتهاك الخصوصية، وتهديد حقوق الإنسان، وإلحاق الأذى بالفئات المهمشة، واستخدام تطبيقاتِه بطرقٍ غير أخلاقية، فضلًا عن التحيز وعدم الشفافية فى القرارات التى تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعى وآليات تنفيذها فى المجالات الحيوية مثل الصحة والعدالة الجنائية، الأمر الذى يستدعى مزيدًا من النظر فى المبادئ الأخلاقية اللازمة لها. وعليه، فإننا إذا لم نُخططْ للتعاملِ مع الذكاء الاصطناعى بمعاييرَ تضمنُ الإفادةَ من فرصِه، وتجنبَ مخاطرهِ المحتملةِ، فلن نضمنَ نتائجَه. إننا نؤكد على ضرورة التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعى بالإيجابية وحسن الاستثمار، حيث إن ذلك يخدم فى جوهره التنمية المستدامة، ويساعد على تحقيق أهدافها؛ ويعين على توفير حياة أفضل للناس، وتعامل رشيد مع موارد المجتمع وثرواته، وهذا من جملة المصالح التى راعتها الشريعة الإسلامية، ودعت إليها وأمرت بها، واعتبرته من جملة تكليفاتها الشرعية التى تُحاسِبُ عليها. ولا بد لنا أن نعلم حدود التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعى إيجابًا وسلبًا، وأن الفيصل بين إيجابيات تطبيقاته وسلبياتها يتوقف على وعى الأفراد ومسؤولية المؤسسات؛ فإذا استخدمت هذه التطبيقات فيما يستثمر الوقت والفكر والأدوات، فهذا بلا شك يحقق نتائج نافعة، بخلاف ما لو استخدمت بلا ضوابط أخلاقية أو قيود مجتمعية. وإننا نؤكد على ضرورة تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى بشكل مسؤول، ووضع ميثاق أخلاقى لاستخداماته يشمل: مجموعة المبادئ والقيم والاعتبارات الأخلاقية، التى توجه وترشد وتسهم فى تطوير أنظمته، واستخدامه بطريقة مسؤولة وأخلاقية، تحمى حقوق الإنسان، وتعمل على تعظيم الفوائد، وتقليل الأضرار، وتسهم فى تقليل التحيز، وتعزيز قيم العدالة والمساواة والشفافية. وختامًا: فإن الذكاء الاصطناعى يفرض تحديات أخلاقية تفرض على المجتمعات اتخاذ خطوات واعية للحفاظ على عاداتها وقيمها ومبادئها، ووضع ضوابط أخلاقية لاستخدامات الذكاء الاصطناعى سوف يحقق الاستفادة القصوى من تطبيقاته ويعمل على التقليل من مخاطر تقويضها، وضمان تسخيرها بشكل يسهم فى بناء مجتمع منفتح وعادل يستفيد من الابتكارات التقنية دون أن يفقد مبادئه الدينية وقيمه الأخلاقية، بمنهج متوازن يشكّل إطارًا شاملًا يمكن من خلاله توجيه هذه التقنيات لخدمة الإنسان وتحقيق أهداف المجتمع.