لم أصدق أن الشيخ المعمم يخفي "برشامة" طولها متر ونصف في الجبة، لتساعده على الغش في امتحان الفقه، المفروض أنه تخصصه الذي ظل يدرسه فترة طويلة في المعهد الأزهري والكلية الشرعية حتى وصوله للدراسات العليا، بينما نحن خريجو كلية الآداب، درسناه كمادة مقررة علينا – لا تحظ بنفس الاهتمام الذي تلقاه علوم اللغة والأدب. الغريب أن المراقب ترك الشيخ على حريته ولم يعنفه أو يصادر ورقة الغش التي سهر يتفنن في صناعتها ليلة طويلة- كما حكى لزملائه، وكان المراقب ينظر إليه باسما وهو يقول: إمام جامعنا في القرية ولا استطيع أن أقترب منه". هكذا زاد المراقب الطين بلة بعذر أقبح من ذنب الغش ذاته، وهو أن الشيخ يعمل إمام مسجد، ويؤم المصلين في الصلوات ويقوم بوعظهم وإرشادهم لما يعتقدون أنه صحيح دينهم. فإذا كان الغش من المحرمات كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله مر على صبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا". فإن العقوبة مضاعفة لرجل علم ودين، يغش في الامتحانات وهو يعلم أن الغش جريمة ومن الكبائر المنهي عنها، في جميع العبادات والمعاملات من تجارة وبيع وشراء والغش في النصيحة وفي كتمان الحق والعلم أيضا. التبرير الذي سوغه الشيخ لنفسه أن تلك الورقة" البرشامة" لتذكير نفسه فقط ببعض القضايا والمشكلات التي قد ينساها العقل في زحمة المواد الممتحنة، وهو تبرير باطل وتدليس وتزييف للحقائق، فالغش هو الغش، والكذب هو الكذب، لا فرق بين كذبة سوداء وأخرى بيضاء، ما دامت تؤدي إلى فساد وإفساد، أما الفساد فهو أن الدرجة العلمية الناتجة عن الغش تكون باطلة والترقية وما ينتج عنها من زيادة راتب وخلافه، تدخل في دائرة المال الحرام المكتسب بطريقة غير شرعية، وأما الإفساد لأن الغشاش يحرم الطالب المجتهد الذي سهر وتعب في تحصيل العلم من الوصول لأهدافه، لوجود منافس خائن لأمانة الدين والعلم، حصل على نفس الدرجة ونافسه في الترقية وربما تفوق عليه بالنفاق والتقرب إلى رئيسه في العمل. إذا الغشاش ليس بمؤتمن على الناس في توجيه النصيحة لهم أو في تعليمهم أمور دينهم، لأنه نشأ على التضليل وسرقة جهد الآخرين، عن طريق النقل بالمسطرة حرفيا من الكتب والإنترنت. ومن هذا المنطق فإن الإبلاغ عن الغشاشين واجب وطني وديني وأخلاقي، وقد يقول البعض من أصحاب العواطف الجياشة : "حرام نضيع مستقبله"، أقول لهؤلاء: وهل إذا وصل الناس إلى تحقيق أهدافهم بالغش والاحتيال والخداع سيكون هناك مستقبل أصلا؟