الثورة فى تعريفها المستقر الأقرب إلى المعنى السياسى، هى تمرد الشعب على نظام اجتماعى وسياسى قائم وسعيه إلى استبداله بنظام اجتماعى وسياسى آخر يرى الثوار أنه يحقق مصالحهم ومصالح الوطن، فإذا تم هذا السعى من خلال الوسائل القانونية والتشريعية دون عنف عُدّ ذلك إصلاحا، وإذا تم باستخدام وسائل العنف والقوة والإكراه، وتخطى القوانين القائمة عُدّ ذلك ثورة، وما دون ذلك لا يعتبر ثورة. ولقد كان أهم ما يميز ثورة يوليو هو وحدة كيان المجموعة القائمة بها فهم جميعا من مهنة واحدة يجمعهم رابط واحد منذ اللحظات الأولى التى فكروا وخططوا فيها للقيام بالانقلاب.كما يميز ثورة يوليو أيضا أنها كانت تملك جميع مقومات النجاح فهى تملك قيادة موحدة هى عقلها المدبر كما تملك هيكلا بشريا وجسدا ماديا سيقوم بتنفيذ أفكارها على أرض الواقع وهو الجيش. نأتى الآن إلى ثورة 25 يناير التى بدأت نزولها إلى الشارع لتعبر عن غضب المواطنين مما يعانون ومما آلت إليه أحوال الوطن، هذه التظاهرة اكتسبت زخما فى اليومين التاليين حين تبين للمتظاهرين مدى قوتهم ومدى ضعف النظام وهشاشته وربما خوفه منهم، وقد راق هذا النجاح لكثير من المواطنين الجالسين فى بيوتهم فاندفعوا إلى الميادين والشوارع مؤيدين للمتظاهرين، ولكن كل هذا لم يكن أكثر من رأس الثورة الذى يفكر ويقود، ولكن أين باقى الجسد؟ لقد نظر ثوار يناير حولهم بعد تنحى الرئيس فاكتشفوا أنهم مجرد ملايين من الشباب الثائر لا يملكون أى وسيلة لتنفيذ ما ينادون به، ولم يكن يوجد على المسرح سوى الجيش الذى عهد إليه الرئيس المخلوع بإدارة البلاد، وهو نظام متماسك اختار لنفسه أن يمتنع عن أى إجراء ضد الثوار، بل ربما ساندهم، لكنه لا يعمل عندهم ولا يشتغل أجيرا لديهم لتنفيذ أهدافهم، وإن كان قد بدا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة تقديره للشباب الثائر، وربما بدا عليه أيضا رغبته فى مد يد المساعدة لهم خاصة وهم لا يعلمون شيئا سوى ترديد الشعارات ورفع المطالب، ولا يملكون أى خبرة عملية وإدارية لصياغة هذه الشعارات وتحويلها إلى قوانين قابلة للتطبيق، كما لا يملكون أى هيكل مادى بشرى يتولى تنفيذ هذه المطالب.وهنا اختلط الأمر على بعض الثوار وظنوا أن من واجبات الجيش أن يقوم على تنفيذ مطالبهم، ظانين أنهم أصبحوا من ضمن تنظيمات السلطة، وأن الذى يكلف الجيش بتنفيذ عمل ما لابد أن يكون ضمن التنظيم الهرمى للسلطة فى الدولة، لا أن يكون مجموعة من الممسكين بذيل الثورة فى ميدان التحرير، مهما بلغ عددهم، ولو كانوا أفضل شباب مصر. ونتيجة لهذا الفهم الخاطئ فقد بدأ التمادى شيئا فشيئا فى الطلب من المجلس الأعلى، أعقب ذلك الاجتراء عليه وتحميله المسؤولية، ثم تلا ذلك قبول ورفض مقترحاته، حتى وصلوا إلى التطاول عليه، كل ذلك لأن المجلس كان وطنيا مخلصا لوطنه فلم يستجب لطلبات النظام بفض الاعتصامات، ولأنه كان مقدرا لمسؤولياته فى محاولة مساعدة الثوار حيث أنه كان هو الهيكل الوحيد الذى بقى متماسكا فى مصر بعد انهيار النظام وانهيار الأمن. ومن هنا بدأت أزمة الثورة التى تتفاقم يوما بعد يوم، والتى لم تنشأ من الثوار الأصليين المثقفين زملاء الشهداء أنفسهم، وإنما نشأت من مجموعة سقط الثورة الذين بقوا فى الميدان واستولوا على الثورة وأصبحوا المتحدثين باسمها، مما تسبب فى انحراف بوصلة الثورة عن أهدافها الأصلية، بعد أن تعددت الآراء والاجتهادات، هؤلاء الذين لم يلتحق البعض منهم حتى بالجيش لأداء الخدمة العسكرية وربما كان منهم من لم يكمل تعليمه حتى، يتحدث بلغة ساقطة عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يتكون من نخبة النخبة من الضباط العظام الذين درسوا إلى جانب العلوم العسكرية علوم الهندسة والاقتصاد والقانون الدولى وعلوم التعبئة العامة والإحصاء سواء فى مصر أو فى الخارج كما درسوا لعدة سنوات فى أكاديمية ناصر والذين لا تقل الدرجة العلمية لأى منهم عن الدكتوراه، وقاتلوا العدو دفاعا عن الوطن فى حروب مصر كلها «ييجى واحد من سقط الثورة ينتقد اللواء الفنجرى ويقول إحنا ما بنخافش وما نقبلش إن حد يرفع صباعه للشعب ويطلب منه الاعتذار». أخلص من هذا إلى أن الثورة تحتاج إلى عملية تطهير مما لحق بها من أدران، وفصائل الثوار التى تجاوزت الأربعين تحتاج إلى إعادة تنظيم واختيار قيادة لا أقول واحدة ولكن أقول قيادة مشتركة تتحدث باسمهم وتطرد الدخلاء الذين يسيئون للثورة ولمصر دون أى مبالاة.