وسط منطقة مضطربة وصراعات إقليمية تحتفظ الكويت بميزة منحتها استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فهى تنتهج الدبلوماسية الهادئة، أو بمعنى أدق دبلوماسية التقريب والتصالح، التى اعتمدها الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير الكويت، التى كان من نتاجها أن للكويت صلات مع كل دول العالم، حتى مع إيران المعتبرة من بعض دول الإقليم بأنها عدو، لكن أمير الكويت يسير على خط رفيع فى علاقاته وسياسته الخارجية، منحته قوة الحضور والتأثير على الجميع، لأنه لم يقطع حبال التواصل مع الجميع، ويتعامل بمنطق المصلحة العامة، وليس المصالح الضيقة. «شيخ الدبلوماسية» أو «رجل التوازنات»، هما تعبيران يمكن إطلاقهما على أمير الكويت الذى ينظر إليه من جانب الكويتيين، على أنه مؤسس الدبلوماسية فى بلدهم، منذ أن كان يتولى وزارة الخارجية قبل أن يتولى مقاليد الحكم فى 29 يناير 2006، فهم يطلقون عل الدبلوماسية الكويتية اسم «دبلوماسية صباح الأحمد» حتى أضحت الدبلوماسية الكويتية تتميز بثلاثة أمور هى: السياسى والاقتصادى وفى جانبها الإنسانى، ويتميز الجانب السياسى فيها بأمرين، الأول أن الكويت استطاعت دائما القيام بدور الوسيط إقليميا وعربيا وعالميا، وتميزت بهذه السمة نتيجة مصداقيتها السياسية وتبنيها البعد الخليجى والعربى والإسلامى، ووفق ميثاق الأممالمتحدة، أما الاقتصادى فلأن الكويت دولة نفطية ويلعب اقتصادها دورا كبيرا، لذلك قامت الكويت بمبادرات اقتصادية كثيرة أبرزها القمة الاقتصادية العربية الأفريقية وحوار التعاون الآسيوى الأفريقى، كما أطلقت مشاريع عملاقة عدة وصناديق، فضلا عن دورها على الصعيدين الخليجى والإسلامى، كما أنها كانت صاحبة فكرة انطلاق القمة العربية الاقتصادية التنموية. وحافظ مؤسس السياسة الخارجية للكويت على مبادئ وثوابت رئيسية فى مقدمتها التوازن الاستراتيجى، والحياد الإيجابى، والدفاع عن الثوابت القومية، والابتعاد عن التحالفات العسكرية، حيث قاد الشيخ صباح الدبلوماسية الكويتية باقتدار ونجاح منقطع النظير، محافظاً على توازنها فى مراحل صعبة مرت بها منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط، بدءاً من حروب الصراع العربى والإسرائيلى عامى 1967 و1973، مرورا بقيام الثورة الإيرانية الإسلامية والغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979، ثم الحرب العراقيةالإيرانية ما بين عامى 1980 – 1988، وبعد محنة الغزو العراقى للكويت انتهج الشيخ صباح دبلوماسيته الهادئة إزاء التهديدات العراقية التى كان أخطرها فى 1998، ثم حرب تحرير العراق عام 2003، وقبل ذلك تداعيات أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وكان للشيخ صباح الأحمد دور كبير فى عدد من القضايا التى مرت بها الأمة العربية، لعل أهمها دعمه اللامحدود للقضية الفلسطينية ووقوفه على مسافة واحدة من الفرقاء الفلسطينيين، إضافة إلى عدم انصياعه للضغط الأمريكى والأوروبى، لا سيما بعد تحرير الكويت من الغزو العراقى من التطبيع مع إسرائيل، كما ساهم فى تطوير الصندوق الكويتى من أجل إقراض الدول العربية وإنجاز المشاريع التنموية. واختار الشيخ صباح الأحمد فى عهده «دبلوماسية الحياد»، ولا سيما أن الكويت تقع بين ثلاث دول عملاقة وكبيرة وذات تأثير وثقل سياسى واقتصادى وكثافة بشرية، «العراق والسعودية وإيران»، لذلك أبقت الكويت على علاقات جيدة مع العراق فى نظامه الجديد، وهو ما مكّنها من حلّ جميع قضاياها المعلقة، وإغلاق جميع الملفات التى كانت سبباً فى توتر العلاقة بين البلدين، كما أن تمسكها بمجلس التعاون الخليجى لم يمنعها من إقامة علاقات ممتازة مع إيران، التى لا تتمتع بعلاقات جيدة مع السعودية. وكان لأمير الكويت دوره الفعال فى إنهاء التوتر الذى شهدته منطقة الخليج قبل عدة أشهر، حينما قاد مبادرة للمصالحة بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، بعدما كاد مجلس التعاون الخليجى أن ينهار بسبب تصرفات قطر وسياسات أميرها الشيخ تميم، الذى دفع الدول الثلاث للمرة الأولى فى تاريخها أن تتخذ قرارا صعباً عليها باستدعاء سفرائهم من الدوحة، كإجراء احتجاجى على سياسة قطر التدخلية فى شؤون دول الخليج ودول أخرى فى المنطقة، ونجحت مساعيه فى لم شمل البيت الخليجى وعودة سفراء السعودية والبحرين والإمارات إلى الدوحة. ربما يكون ما تشهده الكويت من استقرار فضلاً عن التحركات الإنسانية لأميرها هو ما دفع الأممالمتحدة لكى تطلق عليه «أمير الإنسانية»، حيث كرمته الأممالمتحدة، بمقرها فى نيويورك فى التاسع من سبتمبر العام الماضى، بعدما وضع الكويت على قائمة الدول الإغاثية الأولى فى العالم، وشرح الشيخ صباح فلسفة بلاده بقوله: «إن دولة الكويت سنت لنفسها، منذ استقلالها، نهجا ثابتا فى سياستها الخارجية ارتكز على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية لكل البلدان المحتاجة بعيدا عن المحددات الجغرافية والدينية والعرقية، انطلاقا من عقيدتها وقناعتها بأهمية الشراكة الدولية». وساعدت الكويتالأممالمتحدة فى عقد ثلاثة مؤتمرات للمانحين على أراضيها لإغاثة الشعب السورى، الذى يعانى الملايين من أبنائه بسبب الأزمة الدائرة هناك، وبجانب الدبلوماسية السياسية، فإن الكويت انفردت عن غيرها بمبدأ الدبلوماسية الاقتصادية الذى أطلقه الأمير صباح كمفهوم جديد فى عالم الدبلوماسية العالمية، بمعنى تطويع الاقتصاد ودوره المهم ليكون فى خدمة القضايا والمبادئ العادلة المثلى كويتيا وعالميا، ولعل أبلغ ما يتمثل ذلك فيما يقوم به الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية من جهود فى العالم كله من خلال المساعدات والقروض والمنح استفادت منها نحو 200 دولة وعشرات المؤسسات والصناديق التنموية تخطت قيمتها ال18 مليار دولار منذ نشأته قبل نصف قرن تقريبا. وباستعراض السياسة الخارجية لأمير الكويت، سنجد أنها تطبيق للسياسة النموذجية لأى دولة لا يمكن أن يحدث فيها تحول نوعى بسهولة، وخلال فترة قصيرة، لأنها تقوم على ركائز رئيسية وقواعد منهجية تتميز نوعاً ما بالجمود والثبات، وسياسة الكويت الخارجية لا تشذ عن هذه القاعدة.