وبعدين تسألوا هوه التطرف بيجى منين

حين طلبت منى ابنتى، التى تدرس فى الصف الرابع الابتدائى، أن أساعدها فى عمل واجب التعبير، رحبت لأنها أول عام تدرس مثل ذلك النوع من الأدب الرفيع، وأقول على التعبير أدب رفيع لأنه النواة الأساسية لفنون الكتابة وإبداء الرأى ولذلك أسموه تعبيراً، جاءت ابنتى وجلست بجوارى وعرضت على الموضوعات، فهذا موضوع عن وصف ما شاهدته فى حديقة الحيوان وهذا موضوع آخر عن معالم مصر السياحية وهذا ثالث عن الأم وفضلها، رائعة تلك الموضوعات التى تنمى لدى التلاميذ روح الصياغة وإفراغ الأحاسيس.
قلت لها بماذا تريدين أن نبدأ قالت لى أى موضوع تحبه المهم أن نبدأ بالمقدمة والنهاية التى أعطتها لنا "المس"، ذهلت وقلت لها هل أعطتكم المدرسة بداية محددة ونهاية محددة لكل موضوعات التعبير، أجابتنى وقالت نعم وبدونها لن نحصل على الدرجات النهائية فى موضوعات التعبير.
اسمعوا معى ياسادة: البداية لقد نظرت من حولى لأبحث عن موضوع أكتب عنه ولم أجد أفضل من.... (اسم الموضوع).... ثم تكتب الموضوع وتنتهى بتلك الجملة كنهاية "وفى النهاية أرجو أن أكون قد وفقت فى الكتابة عن هذا الموضوع الشيق"، أترون يعلمون أبناءنا حفظ صيغ معينة وتكرارها دون حتى أن يعلموا معناها، يجبرونهم على أن يصموا عن ظهر قلب جمل معينة كالروبوت ويرددونها بلا فهم أو مغزى، كيف يكون إذا هذا اسمه تعبيراً وهم حولوه إلى إجباراً وقهراً وقسراً، لماذا نصمم على أن نفعل فى أبنائنا أبشع الجرائم ونضحك على أنفسنا ونقول نحن نعلمهم، أى علم هذا وأى تربية تلك.
أراهن إن كانت مدرستهم فى الفصل تستطيع أن تكتب فقرة واحدة من وحى عقلها عن موضوع اجتماعى أو مشكلة تحدث فى مصر، وأنا متأكد من فشلهم لأن هؤلاء المدرسين تربوا على مثل تلك العقول الخربة وشبوا على يد معلمين عجاف لا يعرفون من علمهم إلا ما حفظوه فى ببغاوات مدارسهم، كيف لكم أن تحولوا حصص الإبداع وفنون الكتابة إلى حصص مسخ وتدمير لعقول أطفالنا، نحن ننتظر من بين هؤلاء الأطفال شباب علماء وكتاب وأدباء فكيف لهم أن يخرجوا من بين براثن تخلفكم وفشلكم.
إن كنتم تريدون اقتلاع الإرهاب من جذوره فجذوره موجودة فى المدارس قبل أن تكون مختبأة فى الكهوف المظلمة والجبال، ربوا أجيالاً تتعلم كيف تستنبط وتحلل لتصل للنتائج، كيف تفكر وتتخيل، كيف تحاور وتقنع، كيف تتبع أسلوب التفكير الاستكشافى مروراً بالتجارب ووصولاً إلى الحقائق، علموا أولاد شعبنا على النقد والأخذ بالصواب المقنع والبعد عن الإجبار والقهر والانسياق.
نحن نحتاج إلى مدرس بدرجة مربى كما كنا زمان وليس مدرس قشرى يحتاج إلى من يربيه،نحتاج إلى أن نغرس فى أولادنا الجرأة والشجاعة والإقدام على فعل الصواب،بدلاً من التلقين والحفظ بلا فهم.
أنا أخاف على ابنتى من تلوثها بالتعليم الجاهل فى مصر،الذى يعتمد على الحشو من أجل حصد الدرجات الوهمية،وأشد ما أخشاه أن تحولها طريقة التعليم فى بلدى إلى أعلى درجات الجهل فتنحرف إما إلى الإفراط والتشدد والمغالاة أو التفريط والرعونة والتفاهة.
مستقبل مصر الحقيقى فى التعليم،وفرصة القضاء على التطرف والمغالاة تتحقق من خلال التعليم الجيد وسنظل هكذا دائماً نغوص فى دوامة حرب الإرهاب إلى أن نبنى أجيالاً ذات شخصية مستقلة تعرف كيف تفعل ومتى تفعل لتصل إلى ما تريد فيعم السلام وتنتفع الدنيا بعلمنا كما كنا فى عصور مجدنا.