الحروب والثورات لا تتطلب مديرا جيدا أو مخططا عبقريا بقدر ما تتطلب بطلا وزعيما يستطيع أن يوحد الجهود وأن يثير روحا من الأمل والكفاح ليس فقط لتحقيق التعاون الكامل بين الجماهير بل لتشيع حالة من التفاؤل تيسر على الجميع تحمل الأعباء والمصائب التى تتبع الحروب والثورات جميعا. فحالة الانهزام النفسى والتشرذم السياسى والصراع الذى لا ينقطع على موارد الدولة ومقدراتها يتطلب بطلا وزعيما له من دعم الجماهير ومساندة القانون وصرامة القرار ما ييسر اتخاذ ما يراه من إجراءات يعيد بها النظام مثلما يعيد بها الأمل و الثقة لشخصه ولمؤسساته التى يدعمها ليتمكن من الضرب على يد العابثين ويعاقب المتطاولين. فالقضية ليست قضية انهيار اقتصاد أو دمار بنية تحتية بقدر ما هو ترد عام فى الدولة بأسسها وقواعدها الفلسفية والدستورية التى قامت عليها كل دولة حسب طبيعتها الفكرية وفلسفة القانون الحاكم لها، الأمر الذى يتطلب بناء عبقريا ملهما قائدا يتبعه الناس مؤمنين بقدراته وواثقين فى رغبته الحقيقية فى الإصلاح. استطاع أن يحقق ذلك كثيرون على مدى التاريخ كله كبونابرت والإسكندر وبالطبع عبد الناصر. ولذا فإننى أقول إن القائد والزعيم الذى يعجز عن جذب الناس وإثارة حماسهم ومشاعرهم وجمعهم حول فكرة محددة لتحقيق هدف واضح ومعروف لا يختلف فى فشله عن قائد آخر يسىء التصرف وينهب أموال الدولة ويتسم بسوء الإدارة و الإضطراب فى اتخاذ القرار. فإن كان المال ضرورة للإصلاح و التنمية فإن القدرة على إثارة حماس الملايين و توجيههم وجهة بناء جديدة و تدريبهم على التعامل وفقا لمنظومة جديدةمن القيم و المعايير هو أمر أكثر أهمية و أكثر فاعلية فى تحقيق الأمانى الاقتصادية والاجتماعية المأمولة. إننى إذ أؤمن بضرورة امتلاك الرئيس إلى روح زعيمة ورؤية واضحة قوية قائمة على أسس متينة ذات طبيعة توالدية تقدم حلولا مستمرة للمشكلات الدائمة التجدد والظهور أرى نفسى مذهولا أمام هؤلاء الذين يمجدون شخصا ليس فقط عجز عن أن يحقق حب الناس واحترامهم بل جعل نفسه- بصورة أو بأخرى- أضحوكتهم المفضلة ومحط سخريتهم وسخطهم الدائم وتسرب فى عهده شعور عام من اليأس والإحباط والتشاؤم. لم ندرك أن هناك فروقا عديدة بين اختيار رئيس لاستكمال مرحلة بناء طبيعية واختيار زعيم كان من المفترض أن ينتشل الأمة من مآسيها ويعيدها إلى الطريق التى حادت عنه منذ عقود. إننى أستطيع أن أتفهم حالة التأزم الاقتصادى الحالية لما يمكن تخيله من تركة مثقلة بالديون وفقيرة من مشروعات اقتصادية حقيقة وسياسة اقتصادية قائمة على التبرعات والاقتراض إلا أننى لا أفهم أبدا حالة التردى العام فى مستوى التصرفات الدبلوماسية والسياسية التى وصلت إليها قيادة مصر الحالية إننى لا أستطيع أن أفهم أيضا هذا السوء الشديد الذى أصاب مستوى الخطاب الرئاسى والنافذة الوحيدة التى يطل بها الشعب على طبيعة و كفاءة قيادته. دعونا نتحدث بصراحة إننا جميعا وأقصد ما أقول "جميعا" من مؤيدين ومعارضين قد خاب أملنا أو كما يقولون بالإنجليزية: we are disappointed!