«طلائع» الاستبداد ! أما وأن فى الأمر مجالا للريبة فى العلاقة بين التيارات الإسلامية والمجلس العسكرى, فهذا أمر كبير الاحتمال منذ التقى عمر سليمان رئيس المخابرات الأسبق بوفد جماعة الإخوان منفردا, حين التقى ببعض فصائل المعارضة المصرية بعد أن تم تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية وسط أحداث ثورة يناير، تردد الكثير حول هذا الكلام الذى اعتبرته أنا -إن حدث- حماقة تاريخية ستعود بالإخوان إلى غياهب التاريخ, لأن الثورة هذه المرة فعلها الشعب وليس الجيش ليأخذوا منه شيئا، استبعدت أن يقعوا فى هذه الحماقة التاريخية التى تذكرنا بعلاقتهم الأولى بثورة يوليو وما انتهت إليه بعد أن انتهى عبد الناصر من التيارات التى كانت تطالب الجيش بالعودة إلى ثكناته عام 1954، لكن ما جرى بعد ذلك من شواهد صار يؤكد كل يوم أن هناك اتفاقا ما، امتناع الإخوان عن خروج الجمع المهمة بعد الثورة التى أريد بها الحفاظ على الثورة ومحاكمة رجال النظام البائد، موقف الإخوان من الأحداث الدامية الكثيرة التى جرت للثوار وعلى رأسها معركة أهالى الشهداء الذين اتهمهم بعض عناصر الإخوان بالبلطجة, ثم أحداث ماسبيرو , ثم أحداث محمد محمود, ثم أحداث الشيخ ريحان. اعتبر الإخوان أن الأحداث الأخيرة مقصود بها تعطيل الانتخابات، وهو نفس كلام المجلس العسكرى، وكل عاقل يعرف أن الأحداث الأخيرة مقصود بها صرف شباب الثورة عن حضور الانتخابات ليخلو الأمر للإخوان والسلفيين معا، خاصة أنها كلها أحداث بدأت بيد الشرطة العسكرية دون أى مبرر لذلك، ما علينا من ذلك, فليأت من يأتى عبر صناديق الانتخابات، فنسبة التزوير لا تقاس بالعهد السابق, وطريقة التزوير تغيرت فصارت تبدأ قبل وضع الورق فى الصناديق بالتطوع مثلا لمساعدة كبار السن أو الأميين أو بالوجبات أمام الطوابير أو بالورقة الدوارة أو بتكفير الخصوم أو غيرها , وكلها أمراض تنتمى لزمن لا يزال فيه كثير من القوة خاصة تراثه فى التدليس الذى لم يكن يمتلك غيره، شيئا فشيئا سينتهى هذا التراث الملعون . كل هذه الشواهد سكت عنها المجلس العسكرى وتركها للقضاء الذى هو فى ارتباك عظيم , إما بسبب فداحة حجم القضايا , وإما لأنه يرى فى ذلك شيئا لا يعتد به قياسا على تزوير العهد السابق، يعنى الحمد لله على كده، وأنا شخصيا موافق، الحمد لله على كده، لكن أن يعتبر الإخوان المسلمون الهجوم على مقرات المنظمات الحقوقية أمرا مشروعا وطبيعيا , وأن يردد بعضهم أن هذه المنظمات غير قانونية ولا لزوم لها, أمر لا معنى له إلا شيء واحد, وهو أن الإخوان المسلمين بعد أن طابت لهم الثمرة متعجلون على الاستبداد، وإذا ربطت بين ذلك وما قاله الدكتور عصام العريان من أنه إذا لم يحدث توافق على لجنة تشكيل الدستور فى مجلس الشعب ستقوم الأغلبية بذلك، أما إذا توسعت قليلا ونظرت إلى ما فعله من يسمون أنفسهم بجماعة الأمر بالمعروف , وأنا أعرف طبعا أنهم ليسوا من الإخوان , وكيف تحركوا فى بعض المدن ليقيموا شرع الله, الذى هو ليس شرع الله, لكن شرع الوهابية المتخلفة, فسيتأكد لك أنهم جميعا رغم اختلافهم متعجلون على الاستبداد، الإخوان يريدون استبدادا من خلال القانون، والسلفيون يريدون استبدادا بالقوة, وهكذا يتأكد لك أن كليهما لا يفهم حتى الآن طبيعة الثورة المصرية العظيمة التى لن تسمح أبدا لا لهذا ولا لذاك بهذا الاستبداد الذى يلوحون به, وأبسط ما يقال هنا أن هذه الثورة قام بها الشعب وفى طليعته الملايين من الشباب الذين لا يزالون يناضلون من أجل تحقيق أهداف الثورة، مع ثورة يوليو كانت طوائف كثيرة من الشعب متعاطفة مع الجيش لأن الثورة كانت ضد الملك والنظام القديم والإنجليز معا، هذه المرة الثورة قام بها الشعب وأى تعاطف مع المجلس العسكرى سرعان ما يزول مع مشاهد القتل والتعذيب للثوار مهما بذل الإعلام الخادع من جهد، ومن ثم فالرهان على تصفية الثوار لينفرد الإسلاميون بالحكم رهان خاطئ، وإذا انفردوا بالحكم بسبب الانتخابات فالثورة هى التى أخرجتهم جميعا إلى النور، ومن ثم أى صدام قادم معها سيخسرون، الثورة قامت ضد الاستبداد ولن تسمح به مرة أخرى من أى فصيل، وعلى رأى المثل كان حسنى مبارك أشطر !!