يطرح البعض على الساحة السياسية فكرة لجوء مصر إلى السيناريو العسكري في ملف سد النهضة؛ حيث يرى البعض ضرورة لجوء مصر إلى عملية عسكرية تستهدف تخريب السد نظرًا للقدرات مصر العسكرية الكافية، ولتفوقها في هذا المجال، ولأن تصرفات إثيوبيا تهدد أمن مصر المائي بما يحق لها استعمال حق الدفاع الشرعي المكفول بموجب المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، وفي هذا الصدد يجب أن نعرف بداية ما هو معنى الدفاع الشرعي وفقًا للقانون الدولي. فالدفاع الشرعي الدولي يعرف بأنه الحق الذي يقرره القانون الدولي لدولة أو لمجموعة من الدول باستخدام القوة المسلحة لصد عدوان مسلح حال، يرتكب ضد سلامة إقليمها أو استقلالها السياسي، ومتناسبًا معه، ويتوقف حين يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. كما أن الدفاع الشرعي حق يقرره القانون الدولي وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة؛ حيث جعل الميثاق هذا الحق من مستثنيات مبدأ حظر استخدام القوّة في العلاقات الدولية وفقًا لنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من أحكام الميثاق. حيث نصت المادة 51 من الميثاق «أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأممالمتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالًا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه».
صد عدوان مسلح وبهذا النص يحق لأي دولة أو لمجموعة من الدول بأن تستخدم القوة لصد عدوان مسلح في حال ارتكب ضد سلامة إقليمها أو إستقلالها السياسي، كما أن الدفاع الشرعي يستهدف دفع أو رد خطر جسيم من قبل المعتدي والعمل على إيقافه لحماية أمن الدولة وحقوقها الأساسية، ويجب أن يكون الدفاع متناسب مع العدوان، ويتوقف حين يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، بالإضافة إلى أن الدفاع الشرعي يجب أن يكون هو الطريق الوحيد، ويكون هناك تناسب مع أعمال العدوان ولا يتجاوزها، كما يجب أن يكون موجهًا بشكل مباشر ضد مصدر الهجوم المسلح، ولكن بمجرد تدخل مجلس الأمن يمكن وقف الهجوم وحل النزاع. ََوتجدر الإشارة إلى أنه يجب لاستعمال حق الدفاع الشرعي أن تكون هناك ضرورة ملحة بحيث لا تترك للدولة الحرية في اختيار وسيلة الدفاع أو التدبر في الأمر، بمعنى انه لا يكون أمام الدولة للحفاظ على أمنها ثمة وسيلة أخرى لصد العدوان غير استخدام القوة المسلحة، فإن وجدت طريقة أخرى يمكن للدولة رد العدوان بها غير القوة المسلحة، وإذا استخدمت هذه القوة فلا يكون فعل الدفاع الشرعي مباح، وإنما يعتبر عدوانًا مارسته الدولة، وشرط الضرورة يتم تقديره أو لزوم أعمال الدفاع يعتمد على عوامل كثيرة ومهمة منها حجم الضرر الناجم عن هذه الأعمال العدوانية ومدى جسامة وخطورة أعمال الهجوم وما يملكه الطرف الآخر من وسائل تدميرية وما يتوقع ارتكابه من أعمال عدوانية أخرى. ومن الملاحظ أن هذا السيناريو لن تلجأ إليه مصر في الوقت الراهن؛ لأن هناك سيناريوهات أخرى قد تأتي بحل للأزمة، ونظرًا لسياسة مصر الخارجية التي تؤكد على أنها ليست دولة عدوان، علاوة على أن الآثار التي ستنتج عن هذا السيناريو لا يمكن تداركها وستضر بالجميع، وسيكون له آثار سلبية كبيرة خاصة الإضرار الاقتصادية وغلاء الأسعار بالإضافة إلى الضغوطات والانتقادات التي قد تتعرض لها مصر من المجتمع الدولي، وذلك لرفض فكرة الحرب في القانون الدولي الذي يفرض على الدول تسوية النزاعات بالوسائل السلمية، إلا أن الوضع قد يتغير في أي لحظة وتطرح كافة السيناريوهات نتيجة تصرفات إثيوبيا غير المسئولة ولأن أفعالها تمثل حصارًا وعدوانًا على الشعب المصري.
التدابير الاحتياطية والأمانة تقتضي أننا نقول وبصدق أن الدولة المصرية تهتم بهذه الأزمة بشكل كبير، وهي كارثة تجبرنا أن نتكاتف، وقد لاحظنا أن مصر اتخذت كافة التدابير الاحتياطية لتنمية الموارد المائية والبحث عن وسائل بديلة، وحتى لا يشعر المواطن بأي ضرر وخاصة أن حصة مصر من نهر النيل أصبحت لا تكفى احتياجتنا المائية مع التزايد الكبير في النمو السكاني، وهذا لا يعني نهائيًّا التفريط في أي قطرة ماء، ولا ننسى دور العناية الإلهية التي تحفظ شعب مصر العظيم، بالإضافة إلى العيوب الفنية الجسيمة بالسد التي أدت إلى فشل إثيوبيا وتغيير خطتها في الملء، ووفقًا لخبراء المياه لا أضرار حتى الآن والأمور مستقرة، لكن يوجد خطر أكيد يهدد مصر يستحق التحرك بشكل عاجل، ولن يقبل أي مصري شريف المساس بحقوقنا المائية المكتسبة. ويجب أن نعلم أنه عندما لجأت مصر للخيار التفاوضي، لم يكن ذلك ضعفًا، لكن الدولة أرادت حل النزاع بالوسائل السلمية، ولا تبتغي سوى تنفيذ إثيوبيا قواعد ومبادئ القانون الدولي واحترام إعلان المبادئ، مع العلم أن مصر تتخذ كل السبل الممكنة من أجل حل الأزمة وديًا مع الأشقاء، ولم تتخذ طريق مجلس الأمن فقط، وهناك وسائل أخرى للضغط على أديس أبابا، وليكون لمصر مبرر قانوني لأي تصرف قد يصدر منها لحماية أمنها المائى إذا تخلى عنها مجلس الأمن، واضطرت إلى أن تلجأ لأي سيناريو أخر، بالإضافة إلى أن هناك تحركات دولية لحل الأزمة للحفاظ على الحقوق المائية للجميع، ولحفط الأمن والسلم الدوليين بالمنطقة.. حفظ الله الوطن. -------------------------------------------------------------------------------------------- ( * ) كاتب المقال: الدكتور محمد محمود مهران، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية.