هل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الحالي تستدعي القيام بثورة جديدة، وما هو المردود الإيجابي والسلبي الذي سيعود على الشعب في حالة نجاح تلك الثورة، وما الصورة التي ستبدو عليها مصر عقب الاطاحة بنظام السيسي؟ أسئلة خطيرة، أعتقد أنها دارت في أذهان أغلب الشعب المصري، وتحتاج إلى إجابة هادئة، ولا سيما بعد حالة الشحن المعنوي الرهيبة التي مارستها عدد من القوى الداخلية والخارجية على المصريين خلال الأيام الأخيرة، من خلال التشكيك في مؤسسات الدولة، داعية الشعب للخروج إلى الشوارع والميادين والثورة على النظام، واكتمال الصورة بالمؤامرة التي قادتها قناة الجزيرة القطرية مساء يوم الجمعة الماضي. إلا أنه قبل الإجابة على تلك الأسئلة، كانت لا بد من النظر بموضوعية إلى حيثية هؤلاء الذين تزعموا الموقف، ومدى الوطنية التي جعلتهم يقررون الإلقاء بأنفسهم إلى المقدمة، وتوجيه الدعوة للشعب للخروج للتظاهر، حيث سنكتشف وللأسف، أنهم جميعا "بلا حيثية" ولا يمتلك أي منهم الحد الأدنى من التاريخ أو القبول الذي يجعل الشعب يلتف من حوله، كما هو المعتاد في كل الثورات التي يقودها "زعماء شعبيون" من الخارج، وأنهم مجرد مجموعة من "المرتزقة" يعيشون في خارج، ولا انتماء أو تصنيف لأي منهم تحت أي لواء، وأن ما يجمعهم فقط، أنهم باعوا أنفسهم لقوى ودول خارجية من أجل المال، في مقابل التشكيك وتصدير الأكاذيب وزعزعة الاستقرار في مصر. أن الواقع يقول، إن النظام الحالي، والذين يدعون للثورة عليه، قد اختار الطريق الأصعب والأكثر ألما في علاج "الاقتصاد المصري" والذي رفضت كل الانظمة السابقة مجرد الاقتراب منه، مفضلة ترحيل الكارثة لمن يليها في الحكم. في حين أن النظام الحالي، جعل من "برنامج الإصلاح الاقتصادي" أمرا حتميا، وسار في خطواته، لإنقاذ البلاد من كارثة "الإفلاس" وشرع في اتخاذ قرارات صعبة، كانت لا مفر منها -على حساب شعبيته- كان أهمها "تحرير سعر صرف الجنيه المصري، ورفع الدعم عن الوقود" وغيرها من الإجراءات التي مست بشكل مباشر المواطن المصري الفقير، إلا أنها استهدفت ضبط إيقاع الاقتصاد "المتردي". وهو ما صدرته قوى داخلية وخارج في صورة المؤامرة على الشعب، تستوجب "الثورة" دون أن يقروا في دعواتهم، أنه على الرغم مما اتخذه النظام من إجراءات اقتصادية صعبة، مازالت كل السلع في مصر "الأرخص" على الإطلاق، بالمقارنة بمثيلاتها في كل دول العالم. كما أنه لا يختلف اثنان على ضرورة توسيع أفق الحياة السياسية، والسير في إجراءات تكفل منح الشعب مزيدا من الديمقراطية وحرية التعبير، وتنوع التمثيل في كافة المجالس النيابية وإدارة شئون البلاد، إلا أن المنطق يقول إن تطبيق مثل هذه الإجراءات يتم بشكل متفاوت طبقا لظروف كل دولة. ولا أعتقد أن الظروف التي جاء خلالها هذا النظام، وما يحيط به من إرهاب داخلي وخارجي، يستطيع أن يتعامل في هذا الملف بذات الرفاهية التي يطالب بها البعض، وإلا سيتحول الأمر إلى فوضى، قد تؤدي بالبلاد إلى كوارث، ولاسيما وأن الواقع يؤكد أنه ما زالت هناك قوى داخلية وخارجية تنتظر سقوط البلاد، وأن تلك القوى تمتلك "فكرا وسلاحا" يستطيع أن يحول البلاد إلى ساحة قتال على ذات النسق السوري والليبي. أؤكد أن مصر بخير وتسير في الطريق الصحيح على الصعيد الاقتصاد، وقد تسمح الظروف الأمنية في المستقبل، بإجراء مزيد من الإصلاحات السياسية المقيدة والمفروضة على النظام "جبرا" بحكم المخاطر التي تحيط بالبلاد داخليا وخارجيا، إلا أن ما يتم في مجملة لا يدعو إلى الثورة. أؤكد أن من يطلقون دعوات الثورة، لا يريدون سوى "ذبح مصر" بأيدي أبنائها، وتحويل الشعب المصري إلى مجموعة من اللاجئين، يعيشون في مخيمات ينتظرون عطف المنظمات والجمعيات الخيرية ب "وجبة" كما هو الحال في كثير من الدول المحيطة، ولا سيما وأن هناك العديد من القوى في الداخل والخارج تنتظر "مخطط السقوط" لتنفيذ مخططاتها التي لن تبقي في مصر أخضر ولا يابس. ولنا فيما بعد يناير 2011، وما شهدته مصر ودول الجوار ل "عبرة" وكفى.