«عيد الأم شكل تاني».. «فيتو» في دار مسنين.. وأمهات يروين قصص جحود الأبناء.. الميراث سبب هروب «آمنة» من الصعيد.. «أم يوسف» تدفع ضريبة رضاء الزوجة.. ومديرة الدار: نستقبل الحالات الصعبة (فيديو) بخطوات متثاقلة تتجه ناحية الشارع الرئيسي بالحي الذي يقع فيه منزل الجدة "زينب"، تقطع الطريق ناحية المدخل المتهالك المؤدي للطابق الثاني حيث تتواجد الشقة، تفتحها لتنبعث من خلف الباب رائحة لا تخطئها أنفها. صمت وسكون تامان يقطعهما بين الحين والآخر أصوات قرع فوق أسطح معدنية في الورشة المقابلة للمنزل بشارع أمير الجيوش، أحد الشوارع المتفرعة من شارع المعز لدين الله بحي الحسين. كل شيء باقٍ كما هو منذ رحيل الجدة منذ نحو عشر سنوات، إلا حنين الحفيدة "هدير" 27 عاما، الذي يتجدد كل عام وقت ذكرى الاحتفال بعيد الأم في الحادي والعشرين من شهر مارس "هي اللي كانت بتجمعنا في اليوم ده، من غيرها فقدنا لمة العيلة، مبقاش أي عيد له طعم". كانت الجدة زينب الكيال هي الأم والصديقة والشقيقة والناصحة الأمينة وحصن الأمان لهدير الابنة الكبرى لآخر أبناء زينب، ساقها القدر إلى بيت الجدة لتولد به وتعيش في كنف السيدة حتى رحيلها، منذ عشر سنوات وقت أن كانت هدير في السابعة عشرة من عمرها، "أنا اتولدت هنا فتحت عيني في المكان ده ولقيت جدتي، ماما كانت دايما في الشغل وبترجع بعد الساعة أربعة، فكنت بلاقي دايما تيتة هي اللي في انتظاري، سواء في الطفولة وحتى بعد ما دخلت المدرسة، كانت حريصة على إنها تحضر كل يوم أمام باب المدرسة تنتظرني وتروح بيا، ونفضل قاعدين مع بعض لحد ما ماما ترجع ونتغدى كلنا". تتجه هدير ناحية الحجرة القائمة في نهاية الصالة الضيقة، حيث كانت تنام رفقة جدتها، سرير كبير يلتصق به سرير في حجم أصغر، يتخذان الهيئة ذاتها، "هي كانت بتنام على السرير الكبير وأنا الصغير، على مدار ال 17 سنة اللي عشتها معاها مانمتش غير جنبها، علشان كانت بتحكي لي وأنا صغيرة حدوتة الشاطر حسن، ولما كبرت شوية عرفت إنها كانت شغالة زمان مدرسة ألعاب في مدرسة للجالية اليهودية في مصر، وتحكي لي عن يهود مصر وكيف كانوا يعيشون، وبقيت مش عارفة أصدق حكاياتها عنهم ولا اللي بشوفه في فلسطين، لحد ما كبرت وفهمت الفرق". عشر سنوات لم تكن بالقدر الكافي لتمحو من ذاكرة هدير ذكريات صنعتها رفقة الجدة أو الجدة بدرجة أم، كتوصيف أدق، لا زالت تذكر مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، الذي لم تمل من مشاهدته وهي تجلس بجوارها، والبرنامج الأسبوعي "خلف الأسوار"، "لسه فاكرة تفاعلها مع الجرائم اللي كان بيعرضها البرنامج، جدتي كانت بتحب التمثيل ونفسها تطلع ممثلة لكن أهلها رفضوا، وكان عندها ملكة تقمص الشخصيات، وممكن تقلد أي شخصية حتى لو قابلتها مرة واحدة، أنا طلعت زيها بحب التمثيل والمسلسلات من كتر الجلوس معها لسنوات ومشاهدة المسلسلات القديمة". عيد الأم هذا العام والأعوام التسعة المنصرمة، اكتشفت هدير معنى جديدا للعائلة، غير الذي عهدته بجوار الجدة، فها هو يوم الحادي والعشرين من مارس يأتي، والمنزل يعمه الصفير، لا وجود للعمات والأعمام والأحفاد، والولائم التي كانت تقام وصوت الضحكات الذي يتعالى كلما كثر عدد الوافدين، وتناول وجبة الغداء على صوت فايزة أحمد وأغنية ست الحبايب، الذي لا ينقطع صداها على مدار اليوم "هي كانت متعودة تلمنا كلنا ونعمل أكل ونقعد مع بعض. عيد الأم كان زي عيد الأضحى أو عيد الفطر، كان اجباري كله يأخذ إجازة من شغله، ويعمل حسابه إنه هيقضي اليوم كله هنا في بيت جدتي". لكن منذ رحيلها وانتقال هدير وأسرتها المكونة من 5 أفراد إلى السكن في منطقة التجمع الخامس، أصبح عيد الأم كسائر أيام العام، الشقة غارقة في الصمت، "بنيجي كل فترة نقعد فيها كام يوم ونمشي، أنا مفتقدة جدتي وحنانها عليّ لما بمر بأزمة معينة بسترجع كلامها، ساعات بحلم بيها لما أكون متضايقة بتيجي تكلمني وتنصحني كأن روحها لسه في المكان". تغالب هدير دموعها لحظة استحضار الأيام الأخيرة من حياة الجدة، وكذلك يوم وفاتها، حينما استيقظت هدير التي كانت في الصف الثاني الثانوي حينها، على حوار دائر بين الأب والأم يوحي بأن الجدة تصارع الموت بل غارقة في سكراته، "جيت قعدت جنبها طول الليل مكنتش بعيط لأني كنت بقول أكيد هما شوية تعب وهتروح، افتكرت إنها قبلها من شهرين اعطتني خاتم ذهب وقالتلي خلية معاكي، هو كان بتاعها، قلت يمكن هي كانت حاسة إنها هتموت".