على غرار انتقاء بعض الصور والمشاهد التي بعضها مصنوع لقادة وحكام في الخارج تجسد تواضعهم وبساطتهم، يختار البعض مشاهد وصورا من الماضى ليقارن هذا الماضى بالحاضر ويقول لنا إن هذا الماضى أفضل، وليتنا عشنا فيه حتى الآن.. ولعل النموذج الصارخ هنا ما يحدث بمقارنة بعض مظاهر الحياة قبل ثورة يوليو 1952 وما بعدها.. حيث كانت الشوارع نظيفة بلا زحام أو قبح، وكان الناس في منتهى الأناقة والشياكة، وكانت كل الخدمات سهلة ويسيرة.. وأيضًا كان الجمال يسود الحياة في بر مصر. وفى النهاية يستخلص هؤلاء أن حياتنا كانت ستمضى أفضل إذا لم تقم ثورة يوليو ! غير أن هؤلاء يتجاهلون أن هذه الصور والمشاهد منتقاة ولا تعبر إلا عن حياة بعض وليس كل المصريين، الذين كان أغلبهم يعيشون حياة قاسية صعبة ومهينة أيضا، سواء في الريف أو المدن، ولا يتمتعون بهذا الجمال والنظافة، مثلما كان يحظى به أفراد طبقة صغيرة محدودة وضيقة جدا.. بل إن بعض هذه الصور والمشاهد منتقاة من الأفلام السينمائية التي كانت تنتج وتعد لأبناء هذه الطبقة أيضا وتعبر بالتالى عن حياتهم. وإذا لم تكن هناك ضرورة لقيام ثورة يوليو لما وجدت حركة الضباط الأحرار التأييد والدعم الشعبى الواسع الذي حظيت به.. أما تقييم الثورة وتمخضت عنه فلا يصلح معه ذلك المنهج والأسلوب الذي نبكى فيه الماضى، مع تجاهل أو تناسى آلام وعيوب هذا الماضى.. الماضى لم يكن خاليا من المتاعب والآلام.. والزمن الماضى لم يكن جميلا لدرجة تجعلنا نبكى عليه، ونشعر بالحنين إليه أو لنفكر باسترجاعه وإعادته.. ذلك من قبيل الأوهام.. وبدلا من البكاء على الزمن الجميل فلنسع بكل جهد لأن نجعل حاضرنا أفضل وأكثر جمالا.. ولنجعل زماننا الحالى أفضل من زماننا الماضى، ونجعل زماننا القادم أفضل من زماننا الحالى.. ولنتعامل مع تاريخنا بقدر من الإنصاف والموضوعية، ولا نهيل التراب على ثوراتنا، أو نقلل من شان زعمائنا