يطمح كثير من اللاجئين إلى ممارسة مهنتهم والعمل بمجال تخصصهم الأصلي في ألمانيا أيضا، لكن ذلك ليس بالأمر اليسير وتحول دونه صعوبات عديدة، وللاجئين السوريين في ألمانيا تجارب مختلفة مع رحلة البحث عن فرصة عمل في نفس مهنتهم التي كانوا يمارسونها في سوريا، فمنهم من رفض العمل في مهنة أخرى ومستمر في البحث، ومنهم من استسلم أو اضطر إلى قبول العمل في مهنة أخرى من أجل الاندماج في سوق العمل. اللاجئ السوري صلاح (27 عامًا) الذي يقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات ونصف تقريبًا، درس الرياضيات 3 سنوات في سوريا وعمل مدرسًا في عدد من المعاهد والمدارس الخاصة هناك، وكان يريد دخول الجامعة ودراسة الرياضيات في إحدى الجامعات الألمانية، لكن حاجز اللغة حال دون ذلك، إذ رسب في امتحان اللغة الألمانية DSH مرتين وهكذا أنهى جميع الفرص التي كانت أمامه للحصول على مقعد في الجامعة، ويقول عن تلك الفترة: "تفاجأنا نحن الشباب بصعوبة اللغة وامتحانات القبول في الجامعات. وبسبب الوقت الذي يمر بسرعة من دون عمل أي شيء والأهل الذين تركناهم في سوريا ينتظرون مساعدتنا لهم، كان يجب على البحث عن بديل آخر"، وفي الفترة التي كان الشاب السوري يبحث عن حل لمشكلته، التقى بمهندس ألماني، نصحه بالالتحاق بالتأهيل المهني في المحاسبة. منذ سنة تقريبًا بدأ صلاح تأهيله المهني في مجال بيع وشراء العقارات، وعن هذه التجربة يقول "إنه هو مجال بعيد كليًَا عن مجال عملي، وأنا دخلته عن طريق الصدفة، لأنه حتى الحصول على مقعد في التأهيل المهني ليس سهلًا، فقد تلقيت رفض لأكثر من 25 طلبا تقدمت به، والتكوين المهني طريق مختصر لولوج سوق العمل في ألمانيا، خاصة للاجئين الشباب مثلي". "عم صلاح" هو الآخر يعاني من المشلكة ذاتها، فهو يبلغ من العمر 53 عامًا، وكان يعمل مهندسا معماريا في سوريا لأكثر من عشرين سنة، ولم يتمكن حتى الآن من الحصول على فرصة عمل في ألمانيا، بحكم كبر سنه، وويقول إن عمه بالرغم من إنهائه مستوى B2 في اللغة الألمانية الذي يعتبر متقدما، هو الآن "جالس في البيت ويعتمد على المساعدات الاجتماعية". ويضيف: "الألمان لا يعتمدون على الشهادات الجامعية بقدر ما يعتمدون على التجارب العملية، والتي تختلف في بعض المجالات كليًا عن سوريا مثل التدريس والهندسة وغيرها، في حين أن مجالات مثل الطب والصيدلة والميكانيك هي المجالات الأكثر طلبًا في ألمانيا". مثل الشاب صلاح أيضا لم يتمكن الشاب السوري "سيدو رشيد"، المنحدر من مدينة عفرين، والمقيم في ألمانيا منذ ما يقارب الخمس سنوات؛ من الحصول على فرصة عمل في المجال الذي يحبه في ألمانيا، إذ عمل رشيد سابقًا في سوريا بمختبر في شركة لصناعات الدوائية لعدة سنوات، وذلك بعد إتمام دراسته في جامعة حلب تخصص علوم الأغذية. ومنذ وصوله إلى ألمانيا اشتغل رشيد في مهن مختلفة بعيدة كليًا عن تخصصه، منها العمل في مطعم لما يقارب السنة والنصف، إلى أن تقدم بطلب للعمل في شركة فورد للسيارات. ويصف رشيد تجربته هذه بأنها "مجال مختلف كليًا عن عملي السابق في مختبر الأدوية، الذي كنت أجد فيه متعة لأنه مجال تخصصي، مقارنة بالعمل في شركة السيارات، الذي يتطلب جهدا أكبر، ولكن ما كان يهمني بالأساس هو العمل والاستقرار، لأني لم أكن أريد أن أبقى عالة على المجتمع الألماني". على عكس صلاح ورشيد، اختار الشاب سعيد، والذي يعيش في ألمانيا منذ عامين ونصف تقريبًا، مواصلة البحث عن فرصة عمل في مجاله، رغم حاجز اللغة، ويحمل سعيد شهادة ماجستير في التجارة والاقتصاد من سوريا وعمل لعدة سنوات في أحد البنوك في سوريا، وعند وصوله ألمانيا أنهى سعيد مستوى اللغة B2 وحاليًا يدرس في دورة أخرى للغة الألمانية في جامعة كولونيا. "سعيد" لم ييأس حتى بعد تقديم عدة طلبات من أجل الحصول على فرصة عمل في مصرف أو شركة، دون جدوى، ويقول في حديثه: "بحثت كثيرًا عن فرصة للعمل في مجال تخصصي، أجريت أكثر من مقابلة عمل في مصارف وشركات ألمانية مختلفة، لكن كلهم أشاروا إلى أن مستواي باللغة الألمانية لا يؤهلني للعمل، وأنه من الضروري للعمل معهم أن أتقن اللغة الألمانية بشكل ممتاز". بالنظر إلى تجارب مختلفة للاجئين في سوق العمل، فإن اللغة الألمانية هي العامل الحاسم في نجاحهم أو إخفاقهم المهني، إذ أن المؤهلات الدراسية وحدها لا تكفي في ألمانيا، وبحسب تقرير لمكتب العمل، فإن نحو 20% من اللاجئين حاصلين على شهادة جامعية، لكن المؤهل المهني لديهم دون المستوى المطلوب، إذ أن أكثر من 70% من اللاجئين لم يتلقوا تدريبًا مهنيًا كاملًا، ويرجع بأول إبزن، المختص في قضايا اللاجئين والاندماج، سبب نجاح البعض وإخفاق الآخرين في ممارسة مهن تلائم تخصصاتهم إلى إتقان اللغة. وتعمل وكالة العمل الاتحادية بالتعاون مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، على دعم اندماج اللاجئين في سوق العمل من خلال العديد من البرامج المتمثلة في الدعم اللغوي واكتساب مؤهلات التعليم والتدريب في ألمانيا، وذلك انطلاقًا من تقييم الكفاءة والاعتراف بالدرجات العلمية وصولًا إلى دعم توظيف اللاجئين. هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل