حامد عبود، كاتب سوري مرشح لجائزة دولية مرموقة للأدب.. أمضى سنوات في رحلة الاغتراب ووضع لنفسه موطئ قدم في المهجر من خلال كتابه "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد" ويتحدث فيه بأسلوب ساخر لا يخلو من أمل وألم عن رحلة هروبه من سوريا. تم ترشيح الكاتب السوري حامد عبود مع المترجمة الألمانية لاريسا بيندر في القائمة القصيرة للجائزة الدولية للأدب للعام 2017 عن كتابه "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد". الكاتب السوري والذي ولد في عام 1987 في محافظة ديرالزور خرج من وطنه في نهاية العام 2012 في رحلة اغتراب عبر مصر والإمارات العربية المتحدة وتركيا، قبل أن يستقر في النمسا ويقيم في العاصمة فيينا. التقينا الكاتب في برلين قبل حفل توزيع الجوائز وكان لنا معه الحوار التالي: DW: تبدو سعيدًا أستاذ عبود، هل صحيح أن عائلتك في برلين الآن؟ عبود: صحيح، أمي وأختي وصلتا البارحة إلى برلين. لم أرهما منذ أربع سنوات. وأخي أيضًا جاء من باريس. أنا سعيد أن عائلتي استطاعت بعد هذه المدة الطويلة من الاغتراب أن تجتمع مرة أخرى في برلين. الآن يستطيعون أن يعيشوا معي لحظات توزيع الجائزة. وهذا يمثل فرحة إضافية بالنسبة لي. منذ نهاية العام 2014 وأنت في فضاء الكتابة باللغة الألمانية، ونحن الآن نتحدث مع بعضنا بالألمانية. كيف استطعت أن تتعلم بشكل مذهل وبهذه السرعة؟ في البداية كنت أرغب أن أتحدث مع الناس على الفور. كنت في أحد أرياف النمسا حيث يتكلم الناس هناك قليلا من الإنكليزية. وأنت أعلم أنني أريد أن أغوص في فضاء الأدب وأنه ليس من الممكن أن أعود لسوريا على الأمد القريب. تعلم الألمانية كان بالنسبة لي إشارة أنني أتطلع إلى الأمام وليس للخلف. وهذا ما فعلته خلال السنوات الأربعة الماضية. أنت واحد من الكتاب الست المرشحين للجائزة الدولية للأدب والذين جاءوا الهذا الغرض إلى برلين. أنت والمترجمة لاريسا بيندر مرشحان من خلال كتابك "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد".. هل تستطيع أن تخبرني من أين جاء هذا العنوان؟ في العادة لا يشرح الكاتب النص، ولا حتى العنوان. ولكن عنوان الكتاب يتضمن عدة معاني بأسلوب ساخر. الموت ربح العديد من الأصدقاء السوريين، والذين خسرناهم نحن. هم الآن في طرفه. عندما يتحدث السوريون مع بعضهم، فهم فكاهيون وخفيفو الظل. لهذا السبب أعتقد أن الموت يحتفل أنه فاز بالعديد من الأصدقاء الجدد. هذا هو أحد أوجه سبب تسمية الكتاب. الأوجه الأخرى، أو الانعكاسات، يستطيع القارئ بنفسه أن يكتشفها. خرجت من سوريا في عام 2012 وبعد ذلك بقيت أربع سنوات على طريق الاغتراب. ما هو سبب اغترابك؟ كنت أدرس هندسة الاتصالات في حلب عندما تطور الوضع من مظاهرات سلمية إلى صراع مسلح. عندها أدركت أن الوقت قد حان. الكثير من أصدقائي أدخلوا السجن، حتى صديقي المقرب تم إعدامه من قبل الحكومة السورية، وتم إغلاق الجامعة وبذلك لم يبق لي مبرر لعدم الذهاب للخدمة العسكرية. وعائلتي التي كانت تعيش في حلب أيضا كانت في خطر. يضاف إلى ذلك أنني كنت كاتبا وكنت أسمع من الأصدقاء الآخرين ما يتعرض له الكتاب الآخرون في السجون. لهذا السبب رأيت أنه من الضرورة أن أخرج. الحكومة خطيرة جدا، وما تفعله مع الناس غير قابل للتصديق. حتى عندما كان المرء يتحدث أو يكتب أو يكون ناشطا في مواقع التواصل الاجتماعي، كان هذا يشكل خطرًا كبيرًا على حياته. في سوريا لم يعد لدى شيء أفعله. اعتقدت أنني عندما أذهب إلى مصر، أستطيع أن أفعل شيئا وبالتحديد الكتابة. حاولت أن أكتب في الصحف المصرية المهمة عن الوضع في سوريا، وهذا ما فعلته لأربعة شهور، إلى أن تطور الوضع، وعرفت جميع وسائل الإعلام العالمية ما يجري في سوريا. عندها تركت العمل الإعلامي وعدت إلى الكتابة الأدبية. كنت أشعر أن دوري وواجبي هو أن أنهي ما بدأت به ولكن الوضع تأزم وأصبح أكثر تعقيدًا. قمت بنشر ديوان شعر في سوريا. في إحدى القصائد تقول: "الشيء الذي يقتلنا هو البعد". ألا يمكن للبعد أن يساعد أيضًا في تأمين رؤية أوضح للأشياء؟ صحيح. يحتاج المرء لمسافة أبعد لكي يتمكن من رؤية الصورة العامة. لكنني كتبت عن البعد عندما كنت قد هربت للتو إلى مصر. في ذلك الوقت كان البعد يسبب لي الألم. كان أصدقائي مازالوا هناك وأبي كان قد بقي في سوريا. الآن، وبعد خمس سنوات، أستطيع أن أتحدث عن البعد بطريقة أخرى. هل ستعود والدتك وأختك إلى سوريا؟ عاشتا لمدة طويلة في مصر، وكانتا طول هذه المدة بانتظار أن تستقر أوضاعنا أنا وأخي. هم الآن في فرنسا. كنا قد هربنا إلى مصر في شهر أغسطس من عام 2012 وأخي كان هناك قبلنا بعدة شهور. انتقلنا من القاهرة إلى الإسكندرية، وأنا وأخي سافرنا إلى دبي ولكن بسبب عدم امتلاكنا للأوراق الضرورية، تم تسفيرنا إلى إسطنبول. كنا دائما نبحث عن وسيلة لتستقر أوضاعنا، كي نتدبر أمور معيشتنا ونبقى مع بعضنا، لكن هذا لم يكن سهلًا. لذلك اضطررت أن أعمل بشكل غير قانوني، وبعد سنتين عادت فكرة الاغتراب من جديد. هذه كانت بداية رحلتنا التي استمرت ثلاثة أشهر سيرًا على الأقدام. في نهاية العام 2014 وصلنا إلى النمسا. وانتظرنا في اليونان شهرا ونصف حتى استطعنا أن نعبر الحدود. جربنا هذا الشيء عدة مرات وكان يجب علينا أن نفعل ذلك في صربيا والمجر (هنغاريا) أيضًا. كان بالتأكيد وقتًا صعبًا... لهذا السبب تغيرت كتاباتي. ما كتبته في ديواني الأول، كان شعرًا فلسفيا، ولكن هذه كانت حياة أخرى، نظرة أخرى إلى الحياة. بعد هذا الاغتراب تدور كتاباتي عن كيفية رؤيتي للحياة. كيف أرى سوريا؟ حول هذا الموضوع يتحدث كتابي. أن أعيش هذا الاغتراب بنفسي، وليس عن طريق السماع عنه من الآخرين، أن أعيشه بنفسي، هذا يعني بدون موطن، بدون أمان، وعدم توفر الطعام في بعض الأحيان، وأن أرتجل وأقرر ما الذي أفعله، هذا الشيء كان له أثره الكبير على نفسي وعلى كتاباتي. لديك الآن حق اللجوء في النمسا. كم استغرقت هذه العملية؟ أحد عشر شهرًا، أحد عشر شهرًا من الانتظار في الريف، حيث القليل من الناس. ومن هذه الشهور الإحدى عشرة عشت ستة أشهر من العزلة. في ذلك الوقت لم يكن لدى احتكاك مع النمساويين، حيث لا زوار ولا متطوعين يزوروننا. خمسة وعشرون لاجئًا في منطقة جبلية بعيدة عن كل المتاجر. لم يكن هنالك حافلات، وكنا نقطع المسافات سيرًا على الأقدام. كتبت عن هذا في كتاباتي. هذه كانت خيبة أمل إنسانية كبيرة بالنسبة لنا، حيث كيف يمكن للناس المحيطين بنا أن يتركوا خمسة وعشرين لاجئًالوحدهم دون أن يقولوا لهم ولو كلمة "مرحبًا"؟ كان ذلك وقتًا مخيباُ. ولكن بعد الأشهر السبعة أتت امرأة، والتي هي جارتي وصديقتي المقربة انغرد تاوخر، وقالت: "مرحبًا، أريد المساعدة." من خلالها تغيرت حياتي، فقد عرفتنا على أناس آخرين وكسرت خوفنا. بعد ذلك أصبحت هنالك إمكانية لعمل شيء ما. استطعنا معًا أن نساعد، ذلك أنني كنت أعرف من اللغة الألمانية ما يكفيني للتواصل الاجتماعي. فقط لهذا السبب، بفضل مساعدتها كشخص من السكان المحليين، استطعت أن أكتب بأمل عن تجربتي كلاجئ. لمن كتبت كتاب "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد"؟ لنفسي ولأصدقائي. كانت وسيلة لكي أستطيع أن أفهم حياتي. كتبت النص الأول عندما كنت في مصر، والنصوص الأخرى في السنوات الخمس الأخرى في النمسا. عندما أستطيع بالفعل أن أكتب عن الموت والخسارة بأسلوب ساخر، عندئذ يستطيعون هم أيضًا أن يشاركوا معي. أنا استطعت أن أكمل، لأنني كنت أكتب قبل ذلك. في محاضرتك، وفي الفصل الأخير من كتابك، "كيف أصبحت الطيور المهاجرة؟"، ظهر بوضوح تفاعل القراء الألمان، وفرحوا بذلك. ماذا يعني لك ذلك؟ بعد أن حكيت قصة اغترابي، من المنطقي أن النمساويين أيضًا لعبوا دورا في النص. هم لم يبقوا متفرجين فقط، وإنما أصبحوا جزءًا من الأدب. إنها عملية تبادل. أريد أن أكتب أكثر عن هذه العلاقة، عن المقارنة، عن التباينات والتشابهات الموجودة. هذا هو أرشيفي، وهذه هي حياتي. لا خيال، وإنما الحقيقة هي التي تتواجد في الأدب. أنا لاجئ، ولدي قصة لجوء، وعندما أحكيها، يصبح لهذا اللاجئ دور. الناس تعود بعد المحاضرة إلى بيوتها ولديها صورة مليئة بالحياة، عني، وربما عن سوريا أيضًا وعن الأدب العربي. هذه هي الجسور التي أريد أن أبنيها. أجرت الحوار: زابينا بيشل/م.ع.ح هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل