العشرات يصطفون.. كبار وصغار ينتظرون في صمت اقتراب لحظة وصول عريس القليوبية محمولًا على الأعناق.. الحذر والترقب هما سيدا الموقف.. الحزن الذي ينهش في القلوب كان ينعكس في دموع تفر خلسة من أعين الأحباب والأصدقاء والجيران.. رجالهم ونسائهم وأطفالهم.. فبعضهم شهد العريس وهو صبي صغير ينطلق بين أصدقائه يلعب ويجري بين جنبات هذه المنطقة التي يقفون فيها جميعًا في انتظاره وسط صمت مهيب.. يتذكرون في أسى حينما هل عليهم لأول مرة ببدلته العسكرية مارًا في شموخ والابتسامة لا تغادر وجهه.. ولا ينسون للحظة حينما قاموا بتهنئته في كل مرة كان يحقق فيها أي نجاح في حياته.. وبين كل هذا كان من الصعب عليهم تقبل فكرة غياب ابتسامته وخفوت صوت ضحكاته بعد عودته إليهم ملفوفًا في علم وطنه الذي ضحى بروحه في سبيله.. كان من الصعب عليهم تقبل فكرة عودته إليهم شهيدًا. «بانرات» بأحجام عدة تحمل اسم النقيب خالد المغربي شهيد القليوبية وصورا له ببدلته العسكرية كانت في استقبال الشهيد.. حملها الأهالي منتظرين وصول عريسهم والحزن والأسى باديان على الوجوه. أما السيدات فلم تتوقف أعينهن لحظة عن البكاء حزنًا على شهيدهم.. اصطففن في الشرفات والشوارع والحزن يخيم عليهن.. فاليوم كلهن أمهات ثكالى يذرفن الدمع على شهيد رحل عنهم في ريعان الشباب. وحينما وصل عريس السماء وظهر جثمانه في الأفق امتزجت أصوات النحيب والبكاء مع أصوات الداعين له بالرحمة والمغفرة والشفاعة مع كلمة "الله أكبر" حتى اهتزت المنطقة بأكملها لهذا الحدث الجلل.. وكأن أهل شهيد القليوبية يبعثون برسالة تحذير لكل إرهابى بأن الله أكبر مما يفعلون وأن الجميع على استعداد للثأر لدم النقيب الشهيد ومن سبقوه من الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. ووسط كل الهتافات والأصوات والأدعية كان الجميع يهرول عند تشييع الجثمان، وكأن روح الشهيد تتعجل للقاء ربها راغبة عن هذه الدنيا بكل زينتها ومتاعها، تاركة خلفها العشرات من أهل القرية والحزن لم يفارق ملامحهم، بينما ينهش قلوبهم حزنًا على ذلك الشاب الذي قدم روحه بحب فداء لوطنه.