بين أحضان تلك البقعة السمراء في أقصى جنوب مصر، تشع «النوبة» بنور كرامتها وطيبة أهلها، هناك فقط يحلق الدراويش والمشايخ وأولياء الله الصالحون على كل شبر بها، فمسك النوبيين عطر نصر أكتوبر 73، وكلمات شيوخ أهدت العشرات للإسلام فكانوا خير سفراء للدين الحنيف. تاريخيًا يظل «الشيخ محمد عثمان البرهانى - شيخ الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية»، أحد أشهر مشايخ النوبة، ويروى أبناء النوبة عنه العديد من القصص والكرامات، ويقولون إن له دورًا مهمًا في نصر أكتوبر 1973. وينسب إلى «البرهاني» الكثير من الحكايات والقصص والنوادر ويقال أنه كان عالمًا فقيها متصوفا وكان يقصد مجلسه كثير من علماء عصره مثل الدكتور عبدالحليم محمود والشيخ أحمد حسن الباقورى والشيخ عبدالمنعم النمر ثم مرت الأيام وجاء النصر لمصر في أكتوبر المجيد». ذو النون والخواجة عبدالقادر كان ذو النون المصرى من أهل النُّوبة أسمر اللون جميل الطلعة وقد أوتى علمًا كثيرًا، روى الموطأ عن مالك، وإمامًا زاهدًا عابدًا فاضلًا؛ روى عن الإمام مالك والليث بن سعد وابن لهيعة والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة وغيرهم؛ وروى عنه أحمد بن صبيح الفيومى وربيعة بن محمد الطائى والجنيد بن محمد وغيرهم؛ وكان أبوه نوبيًا.. وكان رجلًا نحيفًا تعلوه حمرة ليس بأبيض اللحية. يقول عنه صاحب «الكواكب الدرية» أبو عبد الرحمن السلمي: «إن الطير الخضر أخذت ترفرف فوق جنازته حتى وصل إلى قبره»، كما ذكره ابن يونس في تاريخ مصر، قائلا: «كان أبوه نوبيًا، وكان حكيمًا فصيحًا، قيل: (وسئل عن سبب توبته فذكر أنه رأى على قبره يمامة نزلت من عشها فانشقت لها الأرض عن وعاءين من ذهب وفضة في أحدهما سمسم وفى الآخر ماء، فأكلت من هذا وشربت من هذا». وشكا مرة إلى المتوكل فأحضره من مصر إلى العراق، وكان عمره يناهز التسعين، فلما دخل عليه وعظه فأبكاه، فرده مكرما، فكان بعد ذلك إذا ذكر عند المتوكل يثنى عليه. يروى أهل النوبة أنه عاصر قصة الخواجة عبدالقادر الذي أسلم على يد الشيخ عبدالباقى المكاشفى، أحد مشايخ النوبة، المتوفى في 1960، وكانوا يلقبونه ب«المكاشفي»، وكان شيخًا للطريقة القادرية المنتشرة في السودان، إلا أن مؤلف المسلسل عبد الرحيم كمال ومخرجه شادى الفخرانى لم يشيرا إلى أن هذه القصة حقيقية حدثت تفاصيلها ما بين قرية «الشكينيبة» و«جبل الأولياء» بالنوبة، واستبدل المؤلف جبل الأولياء بمحجر، وربما كان بالفعل محجرا لبناء خزان أسوان، ولم يذكر منطقة الشيخ الشكينيبة. والمسلسل الذي قام ببطولته الفنان الكبير يحيى الفخرانى حدثت وقائعه أيام الحرب العالمية الثانية وصراع الخواجة مع نفسه وكراهيته للحياة وتمنيه للموت حتى نقل إلى السودان ليعمل هناك، والمفاجأة الكبرى كانت في تطابق شديد بين المسلسل وقصة الخواجة عبدالقادر. الخواجة عبدالقادر، أيًا كان اسمه الأجنبى، هو من أصل نمساوى وليس إنجليزيًا، كما ورد في المسلسل، جاء الخواجة عبدالقادر ليعمل مهندسًا في خزان جبل الأولياء عام 1937، وأثناء عمله استمع إلى نوبات ومدائح المكاشفية وسأل عنهم بعد أن جذبته، كما يقول، موسيقى النوبات والمديح، حيث شرح له ما تعنيه هذه الحلقات. الخواجة حكى لاتباع الطريقة المكاشفية القادرية في جبل الأولياء عن حلمه بأنه شاهد شيخا سودانيا في المنام أكثر من مرة منذ أن كان في بلده وهو لا يفهم ولا يفسر طبيعه الحلم، فنصحوه بلقاء الشيخ عبدالباقى الذي حينما رآه منذ الوهلة الأولى ناداه بعبد القادر وتحدث معه بلغته النمساوية، وهى من كرامات الشيخ عبدالباقى المكاشفى أنه يخاطب كل من زاره من الأجانب بلغته ومن أهل السودان بلهجاتهم مثل الدينكا والنوبة وغيرهم. وكرامة المكاشفى هي أن الخواجة عبدالقادر دهش لأنه رأى أمامه نفس الشيخ الذي يراه في المنام، ومنذ ذلك الوقت أسلم على يديه وأصبح ملازما له حتى وفاته أغسطس 1960، ثم بعثه الشيخ عبدالباقى المكاشفى، حسب رواية الخواجة عبدالقادر، إلى الأزهر الشريف ليدرس علوم الدين هناك، وظل الخواجة عبدالقادر يزور الشكينيبة حتى بعد وفاة الشيخ عبدالباقى المكاشفى. وعرف عن الشيخ عبد الباقى المكاشفى أنه كان لا يمسك مالًا بيديه وليس في ملابسه جيوب ويغضب حينما يعطى مالا، أما حكاية المقام الذي تدور حوله الحكاية في مصر، فقد دفن الخواجة عبد القادر في السودان بقرية «ود أبو آمنة»، وهى بلد الشيخ عبد الباقى المكاشفى الأصلية بالقرب من الشكينيبة والمسلسل أيضًا بين هذه الحقيقة بأن المقام ليس هو قبره، وإنما حلم به أكثر من شخص كما ورد في المسلسل ولذلك بنى المقام.