الإبداع يحتاج مساحة من الحرية.. والدولة البوليسية أول من يكتوى بنار القمع بعض الصحف تخصصت في تشويه ما أقول وتثير حفيظة المهووسين والمتعصبين الذين يريدون أن ترسخ الأمة في الحضيض يضايقهم أن يفكر البعض عندما يتحدث إليك تشعر برغبة في الاسترسال معه، بعض أفكاره تكسر الكثير من الأفكار والرؤى التقليدية والمنطقية، هو صاحب إنتاج أدبى كبير، وحصل على أعلى الجوائز الأدبية في الوطن العربي، إنه يوسف زيدان الفيلسوف المصري، المتخصص في التراث العربى المخطوط وعلومه، والذي أنتج عدة مؤلفات وأبحاث علمية في الفكر الإسلامى والتصوف وتاريخ الطب العربي، "فيتو" التقت به في منزله ف حوار حاولنا فيه أن نقترب من مقاصده الفكرية.. فإلى التفاصيل. ما الذي يتمنى يوسف زيدان الأديب كتابته في المستقبل؟ معظم الرسائل لم أحققها لأنها تحتاج هامشا أوسع من الإنسانية بكل ما تشتمل عليه من مفاهيم مثل الحرية وقبول الفكر المختلف، فترانى دائما ألمح أكثر مما أصرح وأشير أكثر مما أفيض وأفسر لأن الواقع خانق، ولهذا يسكت الكُتًاب، انظر قبل 7 سنوات كم عدد الكتاب الكبار الذين كانت مصر تتباهى بهم كل يوم تحت المسمى السخيف «القوى الناعمة»، وانظر الحال الآن.. بعضهم توقف بموته، وبعضهم كسر القلم، وبعضهم حوصر حتى انحسر وتحسر، وبعضهم لا يزال يناضل، والمفروض أن الكتابة هي نوع من المرح وليس النضال، فالجزء المبهج من الكتابة تم دفنه، ولكن تبقى المسئولية تجاه العقل الجمعى وتجاه القراء في هذا الزمن الرديء، كثيرا ما تخامرنى رغبة في التوقف لكن تحاصرنى اللمعة التي أراها في أعين الشباب في الندوات وحفلات التوقيع، فكأنها تلقى على بمزيد من المسئولية، هذا الولد وهذه الفتاة العشرينية أنا عايشت فترة عندما لا تجد أحدا يحدثك، عندما كنت في مثل سنهم، ولظروف سياسية مع السادات والكُتاب، عندما "هج" الجميع من مصر، وسميت وقتها قبل ثلاثين عاما بمذبحة أساتذة الجامعة، فاضطر الكثيرون أمثال على شلش، وبهاء طاهر، وأحمد عبد المعطى حجازي، وجابر عصفور، ونصر حامد أبوزيد للهروب من مصر، بعضهم عاد وبعضهم مات، فكنت لا أجد من أخاطبه، ولذلك أعلم هذه الحسرة، وعلمى بها يلقى المزيد من المسئولية فأواصل والقلب فيه مافيه. هل يمكن أن تتوقف عن الكتابة على وقع ضراوة الهجوم عليك؟ لا لن يوقفنى الهجوم، فالمسألة أصبحت أكثر سخفا من هذا ولأقل الأسباب؛ ففى إحدى الحلقات مع الإعلامي خيرى رمضان قبل شهر طرحت فيها عدة أفكار كادت أن تلفت النظر إليها لكن تم التشويش عليها، فادعى البعض أنى هاجمت دول الخليج فهاجمنى بعض كُتاب الخليج، وكتبت بنفسى أن هذا لم يحدث فتجاهلوا توضيحي! وحالة التشويش لا تتوقف فهى دائمة، لأن هؤلاء الذين يريدون أن ترسخ الأمة في الحضيض يضايقهم أن يفكر الناس، لأن تفكير الجماعة مقدمة لخروجها من قبضة المسيطرين عليها باسم السماء، أو باسم الأرض، فيصبح التفكير نضالا، والكتابة مثيرة للتوجس، في حين أن التفكير والكتابة يحتاجان إلى مساحة حرية، والأثر السلبى لقمع الأفكار وكسر الأقلام ينعكس على الجميع، بمن فيهم هذا الذي يقمع ويمنع، كثيرًا ما قمع القذافى وقصف الأقلام فاكتوى الجميع بالنار بمن فيهم القذافى نفسه. وفعل هذا الأسد الكبير الأب وفعله صدام حسين، فكانت النتيجة أن تدهور الواقع بكل مفرداته، بمن فيهم القامع ومساعدوه، اكتووا بهذه النار، وإذا لم يفكر العقل الجمعى يصبح المجتمع كالأنعام يأتى أي شخص معتوه أو سفيه يلقى بالقضايا الهلامية والشعارات الجوفاء فيستميل العوام، ويصدمهم ببعضهم البعض، فتنهار البلاد بمن فيها الحكام، إذن لا أحد يستفيد سواء الحكام أو المحكومين، في حين أن الأمم لاتتحرك إلا بالأفكار، ولم يحدث في تاريخ الإنسانية أن تطورت جماعة من الجماعات التي ساهمت في تاريخ الحضارة الإنسانية إلا بفكر وأدب مختلف وجديد تم قبوله. أين دور القوة الناعمة؟ يتحدث كثيرون عن قوة مصر الناعمة وهذا التعبير أراه سخيفا، لأن فيه نوعا من التأنيث للمسألة، الفكر أقوى من السلاح، الجماعات الداعشية هذه الشنائع التي ترتكبها، ترتكبها بناء على نمط من التفكير، وبالتالى وصف الفكر بالقوة الناعمة غير صحيح، وساذج جدا وكثيرا ما سمعنا من المنصات العالية في مصر هذا التعبير، وطيلة هذا الوقت لا نرى شيئا يقدم لهؤلاء الذين يصنعون- كما يقول السياسيون- هذه القوة الناعمة، إذن هي عبارة للاستهلاك المحلي، وتعكس حالة التسطيح العام الذي نعانى منه، وقد يؤدى بنا إلى الهاوية. لماذا لانرى زيدان في لقاءات مفتوحة مع الشباب؟ لم تعد الأماكن متاحة، المحاضرة العامة يحضرها أكثر من ألف شخص، وهذا يحتاج مكانا مناسبا، بالإضافة إلى أن المحاضرات المفتوحة كثيرا ما يكون فيها اختبار للأفكار وأطروحات، وخلال الفترة السابقة كانت بعض الصحف تتخصص في تشويه ما أقوله وعرضه على الناس بشكل يثير حفيظة المهووسين والمتعصبين، وهو مايؤدى إلى تحريك دعاوى قضائية، وإلى مزيد من الانشغال والتشويش على ما نطرحه من أفكار وتشويه لها بإخراجها عن مسارها، إلا أننى لا تكسرنى هذه الأفاعيل، وأحاول قدر المستطاع إذا انغلق باب أن أفتح أبوابا أخرى حتى يبقى التواصل قائما. أغلب الشباب لا يتلقى دعما وهو ما يؤثر على ظهور المبدعين؟ الفكر يتطلب الاحتفاء به، أو على الأقل تركه في حاله بلا معوقات، والمشكلات المتعلقة بالنشر التي تواجه الشباب ليست عويصة، فهناك بدائل كثيرة منها النشر الإلكترونى بدون أي تكلفة، وعلى المدونات، وفيس بوك، أو اللجوء إلى الطبعات الرخيصة، أو التعامل مع ناشر يحترم مهنته الأمر بسيط.. والمسألة أكثر عمقا. منذ فترة كبيرة لم نر كاتبا مصريا يحصل على جائزة عالمية؟ لن يحدث أي شيء إيجابى إلا إذا صحت النية، والذي أراه الآن أن النية إلى الآن لم تصح، من يكتب الآن لكى نسال عن الجوائز؟أين هي الأعمال؟ خلال السنوات القليلة الماضية فقدنا من الأدباء خيرى شلبي، وجمال الغيطاني، وإبراهيم أصلان، والناقد سامى خشبة، والآن متوقف عن الكتابة بلال فضل، وعز الدين شكرى فشير، وعلاء الأسوانى لأسباب متعددة، إذا أين هي الأعمال التي تحصل على جوائز؟ ومادام لا يوجد فكر رفيع المستوى يكون الهوس هو البديل، ومادمت لاتبنى العقل فليس بعد العقل إلا الجنون، والمهووسين دينيا والمخبولين الذين يطرحون أطروحات مثل "هيا بنا نحارب أوروبا ونأخذ نساءهم سبايا وأموالهم غنائم"، ويطرح هذا على القنوات المصرية وهذا دليل دامغ على الحالة المتردية التي وصلنا لها. هل كثرة إصدارات يوسف زيدان.. تثير الشكوك حول أعمالك؟ هل تلوموننى على كثرة إنتاجى الأدبي، شجون مصرية صدر، وشجون عربية صدر، وشجون تراثية سيصدر الشهر القادم، ما أكتبه لا يستطيع شخص آخر أن يكتبه فالنص الذي يخرج من يدى أدبا أوفكرا لا يستطيع أحد أن يكتبه، ولا يوجد أحد في المنطقة العربية يكتب مثل ماأكتب، وأنا لا أكتب للناس، أنا أكتب للتاريخ وللزمن القادم، والأطفال الذين سيكبرون، أنا أصلا أعتبر إنتاجى قليلا، لأننى لا أقيس نفسى بمروجى الشائعات هؤلاء، ولكنى أضع نصب عينيا ابن سينا وابن النفيس والسيوطى وهؤلاء إنتاجهم أكثر، وفى المعاصرين انظر إلى عبدالرحمن بدوي، وسليم حسن، وليس إلى هؤلاء الذين يكتبون النصوص الأدبية في الكافيهات.