يفرق علماء الفقه بين الحد والتعذير، فيذهبون إلى أن الجرائم التعذيرية هى تلك التى لم ينص الشارع فيها على عقوبة، وهى تثبت فى كل ذنب ليس حدا ولا كفارة ولا قصاصا، ويجمع الفقهاء أيضا على أن الحدود تتلاقى مع جرائم التعذير فى أن كلا منها وضع للزجر والإصلاح والتأديب، بينما يختلف الحد عن التعذير فى أن جريمة الثانى مقدرة العقوبة، بينما جريمة الأول غير مقدرة، كما أن الحدود لها عقوبتها مادية بحتة، أما جرائم التعذير فالعقوبة فيها مرنة ترجع إلى تقدير القاضى، وتراعى فيها الظروف الزمانية والمكانية لمقترف الذنب، أيضا تختلف الحدود عن جرائم التعذيرية فى أن الأخيرة يجوز فيها توقيع العقوبة على الصبى، بينما لا يجوز ذلك فى جرائم الحدود. ويري الفقهاء أن الحد إذا كان فى حق من حقوق الله يقام وجوبا كقاعدة، ويجوز فيه العفو إن كان فى ذلك مصلحة أو كان الشخص عاد عن جرمه بعد زجره، كذلك يذهب الفقهاء إلى أن جرائم الحدود تدرأ بالشبهة، وجرائم الحدود المتفق عليها ستة هى : الزنى، وشرب المسكرات، والردة، والحرابة، والقذف، والبغى. وإذا بدأنا بحد الردة فيشترط في الشخص المرتد أن يكون بالغا عاقلا مختارا غير مجبر، وقد اختلف الفقهاء حول عقوبة المرتد، فمن العلماء من ذهب إلى وجوب استتابة المرتد ثلاثة أيام فإن أصر على عناده يُقتل، وهذا مذهب أحمد بن حنبل، وبه قال الشافعى والأوزاعى وعطاء وإسحاق والثورى والنخعى، ويذهب الحنفية إلى أن الاستتابة ليست واجبة ولكنها مستحبة، وهو قول لنفر من الشافعية، أما ابن حزم الظاهرى فذهب إلى أن الاستتابة غير واجبة ولا مستحبة والواجب على المرتد إقامة الحد. فى سياق مخالف يقول الدكتور جعفر عبد السلام ، أمين اتحاد الجامعات الإسلامية بالعالم ، إنه لا يوجد حد للردة ، مؤكدا أنه لم يذكر في القرآن ولا توجد فيه سنة نبوية مؤكدة ، وأشار إلى أن من يطالبون بتطبيق حد الردة ، يستندون لحديث الرسول " من غير دينه فاقتلوه". وأكد عدم اعترافه بوجود حد الردة ، وأوضح أن من قالوا إن الردة حد اشترطوا لإقامته "الاستتابة "، قبل قتل المرتد، وأوضح أن المذهب الحنفي له رأي مختلف ،حيث ذهب الحنفية إلى أنه لابد أن تطلب الاستتابة من المرتد مرارا وتكرارا حتي يموت ، ولا ينفذ حد الردة . وأكد أن الرسول لم ينفذ حد الردة إطلاقا، فضلا عن قول الله تعالي "لا إكراه في الدين"، " ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وأضاف عبد السلام :إن العقوبة تسقط بالتقادم . أما شرب الخمر فيشترط العلماء لإثبات جرم السكر أن يكون شارب الخمر عاقلا بالغا، وأن يكون فعل الشرب عن طريق الفم وأن تدخل الخمر جوف شاربها، وأن يكون فعل ذلك عن قصد جنائى وهو يدرك تحريمها شرعا، وأن يكون مختارا فلا حد على من شرب كارها أو مجبرا، ولا حد على من يشربها لضرورة طبية أو ما شابه، وكذلك لا حد لمن استساغ بها اللقمة خوفا من الهلاك، وذهب الحنفية والظاهرية وفى قول للشافعى إلى أنه لا حد على من يشرب الخمر لدفع الجوع والعطش الشديد مخافة الهلاك، فيما أوجب المالكية والحنابلة والشافعى فى قول له الحد على شارب الخمر فى هذه الحالة. اختلف الفقهاء فى عقوبة شرب الخمر، فرأى جمهور الفقهاء أن عقوبتها ثمانون جلدة، فيما رأى الثوري والشافعى «فى رواية أخرى» وداود وأحمد بن حنبل فى رواية له أن عقوبتها 40 جلدة . ويرى الدكتور جعفر عبد السلام أن القرآن لم ينص على عقوبة للخمر، ولكنه نص على تحريمها، وأضاف إن من قالوا بحد الخمر استندوا إلى قوله تعالى "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان " ، وفى تحديد العقوبة أوضح أن القائلين بثمانين جلدة استندوا إلى حديث عمر بن الخطاب " إذا شرب أفحش .. والحد 80 جلدة" . وأكد أن هناك شروطا محددة لتطبيق حد الخمر، موضحا أن الظروف الاقتصادية و الاجتماعية حاليا لا تبيح شرب الخمر ، مؤكدا أن حد الخمر يسقط بفعل الزمن . وعن حد الزنى يقول الدكتور فاضل حسين ، من علماء وزارة الأوقاف ، إن الله حرم الزنى ، في قوله تعالي" ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " ويضيف إن عقوبته ، هي الجلد مئة جلدة " ولا تأخذكم في دين الله بهم رحمة " ، موضحاً أن من أهم شروط الحد ،هو أن تكون الفاحشة مبينة مسنودة إلي دعائم موثقة، ويؤكد أن ارتفاع تكاليف الزواج وصعوبته لا تمنع العقوبة حال اقتراف هذا الجرم مستندا إلى حديث النبى ، «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».ويشير الحسين إلى أن للزانى عقوبة أخرى معنوية شرعها الله ، وهى أنه لا يتزوج إلا زانية أو مشركة ، وقد حرم ذلك علي المؤمنين ويختلف حد الحرابة عن حد السرقة فى أن الأول يؤخذ مكابرة وجهرا، أما السرقة فتؤخذ خفية، وفى الحرابة يقع ضرر على المجتمع عامة وعلى المتضرر خاصة أما فى السرقة فالضرر يقع على من سرق ماله فقط. ويشترط الفقهاء فى حد الحرابة أن يتم قطع الطريق مجاهرة بقصد الحصول على المال من المارة، حتى يمتنع المارة عن الطريق، ويجب فى الجانى أن يكون بالغا عاقلا، ويذهب الشافعية والحنفية وبعض الحنابلة إلى عدم اشتراط الإسلام فى قاطع الطريق لإقامة الحد، فيقام الحد على المسلم وغير المسلم فى قطع الطريق، ويذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز إقامة الحد على المرأة قاطعة الطريق، ويخرج من حد الحرابة الاعتداء على أهل الحرب، لأن مال المحارب وهو فى دار الحرب غير معصوم. الدكتور عادل درويش أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر ، يقول إن الله عز وجل شرع حد الحرابة ، لمواجهة قطع الطرق ، ومن أبرز شروط تطبيق الحد هو التسبب في وقوع ضرر علي المواطنين ، وعقوبته قطع الأيدي والأرجل ، انطلاقا من قول الله تعالي " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" «المائدة- 33» ، مؤكدا أن من أهم شروط تطبيق حد الحرابة ، هو ثبوت التهم علي المتهمين .