خلف الموانئ المصرية اتخذ «حيتان الاحتكار» من التجارة والتخزين والخدمات اللوجستية وسيلة لأرباح بالملايين وربما المليارات أيضا وخلال سنوات محدودة صارت السواحل المصرية تعج بمئات رجال الأعمال أصحاب المليارات. ومع بداية مشروعات الخصخصة والتخلص من التوكيلات البحرية الحكومية والقضاء على شركات القناة للتوكيلات والشركات الحكومية التي كانت تتحكم في التوكيلات البحرية، نجح أصحاب مكاتب ومحال الخدمات البحرية بالموانئ في تحقيق أرباح هائلة عبر توريد الزيت والسكر والأدوية وغيرها من الخدمات للسفن المارة من الموانئ المصرية. هنا تصدر عدد من العاملين في هذا المجال للمشهد فقسموا أنفسهم، البعض يعمل في الخدمات الغذائية والآخر في البترولية، ونوع ثالث في خدمات الإصلاح، وأخيرًا مجموعة خاصة بتقديم خدمات وبضائع الحبال. عملية التلاعب باتت معروفة للجميع لكن أحدًا لا يستطيع الحديث عنها فألاعيب بعض مقدمي الخدمات البحرية تتم من خلال استيراد المنتجات من الخارج، وقبل دخول المنتجات المستوردة إلى الدائرة الجمركية يتم توريدها للسفن، وبالتالي لا تدفع هذه الشركات «مليمًا» واحدًا للجمارك بالموانئ، وتحقق أرباحًا كبيرة للغاية من خلال لعبة التدوير وقيامهم باستيراد منتجات دون دفع أي جمارك عليها. وكشفت مصادر مطلعة أن تلك الشركات تحقق أرباحًا سنوية لا تقل عن نصف مليار جنيه من عمليات توريد المنتجات للسفن ومن فكرة عدم دفع الرسوم الجمركية على المنتجات التي يتعاملون بها بحجة أنهم في المنطقة الحرة، ولعل أبرز المنتجات التي تطلبها السفن العابرة لمصر هي "الزيت والسكر والشاى والسجائر والأدوية والمياه المعدنية والحبال"، وفي بعض الأحيان يتم طلب تغيير الزيت أو طلب شحنة تموين أو صيانة عاجلة ومؤقتة لعدم ثقة السفن في الصيانة المصرية. ولم تكتف بعض شركات الخدمات البحرية بالتهرب من دفع الجمارك من خلال لعبة استيراد المنتج وتوصيله للسفينة بأسعار مرتفعة قبل دخوله للدائرة الجمركية، بل إن بعض رجال الأعمال العاملين بهذا القطاع طلبوا السماح لهم بتخزين البضائع التي يتم استيرادها من الخارج للخدمات البحرية بالمخازن الخاصة بهم خارج الميناء، وهو ما يفتح لهم الباب لاستيراد سلع ومنتجات متنوعة بحجة الخدمات البحرية والعمل على تداولها بالسوق المحلية، واستغلال عدم دفع أي ضرائب وجمارك، خاصة في السلع التي يتم رفع جماركها بنسبة 40% ليحدث تحايل على قرار الرئيس برفع الجمارك على بعض السلع. وتضم حيتان الموانئ «رفعت الجميل» وهو من كبار المسيطرين على ميناء دمياط البحرى، ويمتلك عددًا من شركات النقل على رأسها شركة كايرو ثرى وشركة إيه ثرى للنقل، وهما من الشركات العملاقة التي تمتلك أكبر أسطول للنقل البرى وتتحكم في نسبة لا تقل عن 40% من واردات مصر من القمح الأجنبى. و«الجميل» واحد من أقوى رجال الأعمال في هذا المجال وكان له دور في أحداث سائقي النقل الثقيل الشهيرة والتي ضربت الموانئ، إضافة إلى أنه يتحكم في ميناء دمياط وعدد آخر من الموانئ، ويمكنه شل حركة النقل الثقيل والبرى في أي لحظة وهي الورقة التي استغلها للضغط أثناء القضية الشهيرة لنجله أيمن رفعت الجميل. أما شركة «إيجترانس» فهي واحدة من كبرى الشركات العاملة في مجال الخدمات اللوجستية بالإسكندرية، ومن أولى الشركات التي تعمل في السوق المصرية قبل ثورة يوليو، وبعد الثورة تم تأميمها، قبل أن تعود الأسرة بعد سنوات لتنشئ شركة أخرى وهي «إيجترانس» والتي تحولت بعدها لتصبح شركة قابضة يتبعها عدد من الشركات ويملكها حسام لهيطة وعائلته، ويتجاوز رأسمال الشركة الملياري جنيه تدخل بها دائرة الكبار من رجال الأعمال والمؤسسات العملاقة. في الوقت نفسه، اشتهر اسم عادل لمعي في بورسعيد، وتحديدًا في قطاع النقل البحرى وعمل بالوكالة البحرية من خلال شركته «مكيتشيل جونير»، وهو رجل نظام حسني مبارك وكان الراعي الرسمي لرجال الحزب الوطني ببورسعيد، ولم يكتف لمعي فقط بأرباحه من شركته فشغل عددًا من المراكز الكبيرة منها القنصل الفخري لتركيا بمصر، ورئيس مجلس الأعمال المصرى التركى، ورئيس غرفة ملاحة بورسعيد ورئيس لجنة النقل باتحاد الغرف. ومن بين الأسماء التي سطع نجمها «أحمد العقاد»، والذي شغل منصب رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية، ويمتلك سفينة لنقل البضائع تبلغ تكلفتها 10 ملايين دولار مع شريكه المهندس محمد مصيلحى، ويمثلان معًا ضلعي الكبار بالإسكندرية بجوار مروان السماح. «أسامة الشريف» يعتبره العاملون في هذا الملف أزكى حيتان البحر وأكثر من حقق أرباحًا من الموانئ المصرية، خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو صاحب الصفقة الشهيرة بالحصول على حق انتفاع ميناء العين السخنة، ثم تنازله لصالح موانئ دبى العالمية، ثم تهرب من دفع حقوق الحكومة المصرية، ولم يكتف بذلك بل حاول مقاضاة الحكومة من خلال قضايا التحكيم التجارى الدولى، ولكنه تراجع بعد تدخل جهات عليا في الدولة، وانتهى الملف بسحبه القضايا والالتزام بتسديد ديونه المستحقة للحكومة المصرية مقابل السماح له بالاستمرار في السوق المصرية.