ازدادت كثافة الرسائل والإشارات السياسية الواردة من العاصمة التركية، إلى عواصمسوريا، والعراق ومصر، تسعى مترددة إلى إصلاح العلاقات ! يلفت النظر، ويلوى العنق، الإشارات التي وجهها يليدريم رئيس وزراء تركيا الجديد إلى سوريا، وإلى رئيسها بشار الأسد. من المعروف أن سوريا والسعودية وتركيا وقطر وأمريكا والغرب كله، ظل يصحو صباحا وينام مساءً، وهو لا يمهد ولا يكل ولا يمل من ترديد أغنية إزاحة بشار عن حكم سوريا لكي يمكن دحر الإرهاب، وتمكين المعارضة المعتدلة من الحكم، مع التغيير العسكري على الأرض، ودخول روسيا بقواتها وقوتها لمواجهة التحدي الغربي في سوريا ردا على الاختراق الغربي لأوكرانيا، ومع توالي انتصارات الجيش العربي السوري على جيش الخونة من المعارضة المعتدلة، وجيش الدواعش، ومع نكوص إدارة أوباما، وترددها، تحول ميزان القوة لصالح الدولة السورية، وأثبت الجيش العربي الوطني السوري قدرته على التضحية والصمود لست سنوات قاسيات، كان الهدف الأول فيها تدمير سوريا وجيشها. لم يتزحزح موقف مصر قيد أنملة عن ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة، وأن التركيز على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد يعني شيوع الفوضى، وتفتت الجيش، وسقوط مستودعات السلاح في يد القوى المتصارعة هناك: العملاء المعتدلون، أول مرة نرى عمالة وخيانة معتدلة، ثم الدواعش، ثم القاعدة وممثلتها جبهة النصرة، ثم الأكراد المتحالفون مع الحكومة السورية، تحت ضغط الظرف، سعيًا لحكم ذاتي على الشريط السوري المجاور لتركيا.. والمتغير الأخير هو المحرك الرئيسي لرسائل الود والتقارب مع نظام بشار ! خصوصًا أن أمريكا والإنجليز يشجعون قوات البشمركة، الجيش الكردي، بل يدربونها ويسلحونها، لشجاعتها، وانتصاراتها على الدواعش. لم يطلب يليدريم في رسالته الأخيرة إزاحة بشار، ولا عاد عادل الجبير، وزير خارجية السعودية، يردد تلك الدعوة الملولة، حتى لأشعر أنه نفسه استطعم مللها على لسانه، لكن يليدريم طالب بشار بإجراء تغييرات داخلية. قال يليدريم: على بشار أن يحدث تغييرات، ليرى إجراءات اقتراب من سوريا ! سبحان مغير الأحوال والأحوال، وكفت أمريكا وفرنسا وبريطانيا وتركيا عن نشيدهم الائتلافى الداعي إلى خروج بشار بالذوق وإلا أخرجوه بالقوة، اليوم تركيا تريده أن يصلح بلده بنفسه، بل تردد صحف محلية سورية وتركية روايات صحفية عن اتصالات جارية بين دمشق بشار وأنقرة أردوغان، تركيا التي فتحت حدودها للإرهابيين إلى سوريا، وسرقت البترول السوري، تعود لتعلن رغبتها في مصالحة مع العراقوسوريا ومصر ودول المنطقة، والسبب ؟! مكافحة "داعش" وهزيمتها ! و"داعش" صناعة تركية قطرية أمريكية !! ونحن في مصر نتابع بعين الريبة، الإشارات المتواترة عن تقارب ومصالحة مع القاهرة، لأنه لم يتم حتى الآن اتخاذ إجراء واحد يطمئن مصر على صدق التوجه التركى، وتخليه عن دعم الإرهاب الإخواني من داخل تركيا وخارجها. السؤال المنطقي جدًا هنا: لماذا ؟ لماذا؟ هل الأسباب التي سردتها أعلاه كافية بذاتها لهذا الانقلاب السياسي في الموقف العثمانى ؟ هناك عامل أقوى: الأول الصلح الروسي مع تركيا ومن مقتضياته بالضرورة أن ترفع أنقرة يدها عن الشأن السوري ويرتبط بالقبول التركي لشرط التصالح الروسي وقبول الاعتذار التركي عن إسقاط الطائرة العسكرية الروسية، إدراك تركيا أن الغرب، وأوباما على وجه الخصوص، منافق، ولا يعتمد عليه، إذا جد الجد في مواجهة مع الروس! فضلا عن 60 مليار دولار حجم المصالح الاقتصادية بين موسكووأنقرة. يبقى سؤال محير أكثر: هل لإسرائيل دور في تغيير الموقف التركي من بقاء بشار رئيسا لسوريا؟! وما مصلحتها ؟! مصلحتها يمكن فهمها لكن دور تل أبيب هو الغامض. الإجابة الفورية سذاجة.. وقت قصير وتتكشف التدابير غير المعلنة، يحدث ذلك، ومصر في مكانها رافعة رأسها شامخة معتزة بجيشها ورئيسها والتفاف الشعب حول جيشه البطل.