يبدو أننا لن يكون لدينا حتى الوقت أو الفرصة لكى نتحسر على ما فاتنا، لأن الواقع ببساطة شديدة أسرع بكثير وأبخل وأكثر جدية من أن يمنحك تلك الفرصة أو الرفاهية التي لم تعد ممكنة في عالم سريع يتغير من حولنا ويتقدم للأفضل بينما نحن نتقهقر ونرتدد مشتتين بين أنظمة اقتصادية وسياسية وإعلامية لا يصح أبدا وصفه بموروثات الستينات في مصر أو الدول الشمولية في العالم، بل إنها في مجملها لا تصلح حتى لإدارة قبيلة أو مجتمع بدائى في صحراء مجهولة منعزلة عن أعين العالم. تلك حقيقة بدت واضحة جلية بالمقارنة بين كل أنظمة العالم التي كانت خلفنا بسنوات زمنية فصرنا خلفها بأزمان ضوئية.. بين ما نحن مقبلون عليه من عمليات مسخ سياسية تقوض مفهوم الدولة لدى الشعب وتهزأ بالدستور الذي تم وضعه والترويج له من قبل مؤيدين لهذا النظام ووافق عليه الشعب بأغلبية تاريخيه بلغت 98 % من نسبة المصوتين عليه، فإذا به فجأة يتحول لشر مستطير! لا توجد دولة واحدة في العالم يسيرها بوق إعلامي مأجور أو مأمور يصرخ بأن مواد تلك الدستور خطيرة وكارثية وفاسدة وستسقط الدولة فينقلب الحال في يوم وليلة إلى جهاد ضد هذا الدستور الذي كان بالأمس القريب جدا أيقونة مصريه يتباهى بها الجميع تقريبا، مع التسليم بأنه توجد قوانين كثيرة مخالفة لهذا الدستور أو تشم منها رائحة التناقض مع الدستور أبسطها قوانين تمنح تمييزا لفئات عن أخرى مع أننا جميعا مصريون متساوون في الحقوق والواجبات وفقا للدستور ! هل كنا مجانين وإذ فجاة ارتد إلينا عقلنا.. هل كنا غافيلن وإذ فجاة يوقظنا أراذلنا.. هل كنا حمقى ومغيبين ننتظر هذا الرسول الذي يظهر كل ليلة على إحدى الفضائيات الموبوءة ليمنحنا يقظة وذكاءً تنبهنا لخطورة دستور مصرى كتب في عهد رئيس للدولة كان رئيسا وما زال للمحكمة الدستورية العليا ! أي سخف هذا وأى عبث يريدون فرضه على الناس ومن خلال برلمان شكلى يعلن نجومه الواثقون من دخولهم لعتباته المقدسة أنهم قادمون لأهداف متسامية لا تختص بالطبع بالتشريع أو الرقابة على أداء الحكومة وسحب الثقة منها إن لم تنحاز لصالح الشعب كما تفعل الأنظمة البلهاء في كل دول العالم من حولهم، بالطبع كل هذا لا يعنيهم ولكن جل ما يعنيهم ويؤرقهم ويشغل بالهم هو كيفية التبارى والتنافس في حب الرئيس ! ماذا نتظر إذن من هؤلاء، أيمكن لهؤلاء وغيرهم أن يحققوا هدف الرئيس المعلن وهو (أن مصر ستصبح قد الدنيا).. بالطبع مصر ستصبح خارج حدود الدنيا وخارج حدود الكون إن أمكن، ما جدوى برلمان ياتى لدور وحيد وهو تأييد الرئيس؟ دعك حتى من شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي فهؤلاء منافقون لأى حاكم بالفطرة وبالاختيار أيضا، وتأمل عبثية وتفاهة ودناءة حديث هؤلاء عن دورهم السياسي والوطنى، هل هذا العبث يصح من برلمان يفترض في أعضائه أنهم ممثلين للشعب وهم غافلون عن أسس وجوهر دورهم في مكان بالطبع لا يستحقونه ولا يستحقون حتى مجرد الانتساب اسما له مهما أنفقوا من أموال مشبوهة تمكنهم من الولوج إليه ! ألم أقل لكم إن الارتداد للوراء صار رفاهية غير ممكنة في حالتنا تلك، ففى نظام مبارك الفاسد كان هناك معارضة شكلية مصنوعة ومطبوخة ومجهزة بليل سواء كانت من الإخوان أو أدعياء اليسار والناصرية أو الممارسين لليبرالية النفاق وفقط.. لكن كان الشعب يستشعر معهم وجود صوت مغاير حتى وإن كان تمثيلا هزليا كما كشفت وفضحت تلكم الأيام السوداء هؤلاء الأفاقين بعد يناير، لكن أن نتخلى حتى عن الشكل المصطنع للدولة فهذا يخرجنا حتى من زمن الوراء إلى زمن لا نعرف له اسما وطريق مضلل نهايته الوحيدة هي المهالك للجميع.. استفيقوا يرحمكم الله . [email protected]