لا.. لن يكون أبدًا نوع من جلد الذات عندما نصف أنفسنا بالخواء وانعدام البصيرة وافتقاد أسس وأبجديات الحياة على هذا الكوكب، الذي لم ير شعوبا أخيب منا تتمع بشيء واحد فقط هو السذاجة التي تصل بنا لحد البلاهة، نحن كعرب ومسلمين وشرق أوسطيين أيضا، كما وصفنا بذلك الراحل لطفي الخولي، قبيل نهاية حياته. لم نتعلم قط من غيرنا، وتحكمنا عواطف البلاهة ودموع المراهقات التي تنسكب هياما على فتى وسيم، وتوشك أن تنتحر من أجله يوما، ثم تحب غيره وتتوهم الحياة بدونه سراب، إن رأت أشيك منه أو أوسم منه قليلا! ارجع بذاكرتك للوراء عشرين عاما فقط، وتذكر وقوف الولاياتالمتحدةالأمريكية بجانب المسلمين في البوسنة الذين كانوا يتعرضون لمذابح يومية على يد مجرمي حرب من الصرب والكروات أيضًا.. وبتواطؤ من جيوش دول غربية كانت تراقب الوضع من قبل الأممالمتحدة من ضمنها إسبانيا التي تواطأ جنودها على أكبر مذبحة بشرية عنصرية في التاريخ، مذبحة سربينتشا التي ذبح فيها أكثر من عشرين ألف رجل وشاب وطفل مسلم بوسني بدم بارد، لم يجد العالم كله مشكلة في إبادة هؤلاء إلا أمريكا، ولكن هل كان هذا لوجه الله أو من أجل الإنسانية؟! بالطبع لا، ولا يوجد لدى دول العالم شيء اسمه لوجه الله أو الإنسانية، فقط يوجد مصالح شعوبها التي تحترمها والتي تفقد شرعية وجودها دون تحقيق رفاهيتهم وسعادتهم وليس مجرد وجودهم مثل حالنا، كانت أمريكا تحاول تفكيك آخر معقل للشيوعية في أوربا متمثلا في الاتحاد اليوغوسلافي، وكانت جمهورية الصرب تحاول الحفاظ على كيانها المكون من عدة جمهوريات بكل السبل وأعنفها، تلاقت مطالب المسلمين في البوسنة بالانفصال عن يوغوسلافيا مع مصالح أمريكا، فحاولت إنقاذهم والوقوف بجانبهم. شكر الإخوة العرب الشقيق الأمريكي الذي أنقذ بقايا المسلمين من مذابح الهمج الصرب، وتغنوا بهم وتناسوا ببلاهة ما قام به جورج بوش الأب، من تدمير للعراق قبلها بخمس سنوات فقط، وتناسوا أيضًا في نفس العام ما كانت تفعله أمريكا مع المسلمين المساكين السود في الصومال، الذين لم يثر جمالهم الأسود شهية الحكام العرب وقتها، الذين كانوا ينددون بما يحدث للبوسنة فقط، واستجلبوا فتياتهم البيض الحسان لدولهم ولم يجلبوا فتاة صومالية واحدة، لدرجة أن كاريكاتيرا ظهر في جريدة الأهالي على ما أتذكر، أظهر ببراعة مجموعة أطفال وفتيات من الصومال يطالبون العرب ببوسة على جبينهم مثل إخوانهم في البوسنة، معلقا على الصورة بكلمة بليغة.. بوسنا (بوسنة) إحنا كمان. بالطبع كان الموقف العربي والإسلامي متناقضا، من مذابح تقوم بها أمريكا في الصومال المسلم وكتائب رحمة، وقوات تدك الصرب دعما للمسلمين في البوسنة، بل إن التناقض كان في جريدة الأهالي نفسها، ذات التوجه التقدمي (افتراضا)، عندما كتبت في الصفحة الأولى في عدد آخر، منتقدة قرار مصر بقطع علاقتها التجارية مع صرب البوسنة، التي كانت ما يقرب من 20 مليون دولار تقريبا! كانت جريدة الأهالي تنحاز على استحياء للصرب، بدعوى الأيديولوجيا، مع أنه لم توجد دولة في العالم طبقت الاشتراكية بنقائها وعدالتها في العالم حتى تاريخه، اللهم سوى بعض تجارب شخصية غير مكتملة على يد الراحل العظيم هوجو تشافيز في فنزويلا، أو لولا دي سيلفا في البرازيل، تناقضت النخبة الفكرية واضطربت ولم تكن تقدمية في مساندتها لمجرمي صرب البوسنة، وتناست أن العقيدة سابقة على الأيديولوجيا، على الأقل عندي وعند كثيرين مثلي، وأن الرحمة والإنسانية يجب أن تكون سابقة على كل شيء حتى لو كانت العقيدة أو الأيديولوجيا، مع أنني موقن أن عقيدتنا رحمة خالصة لمن يعرفها ولا يتاجر بها. والآن، لم نتعلم نحن العرب بعد عشرين عاما سوى التهليل والتكبير للسراب فقط، لم نتعلم سوى الميل مع كل قوة والالتصاق بها حتى حين، بدون بناء قوة ذاتية لنا، لم يتعلموا من اتفاق إيران مع مجموعة الخمس + واحد، التي تعني الكثير جدا لإيران وللغرب ولأمريكا، التي باعت العرب كعادتها وباعت الخليج في مقابل مصالحها والحفاظ على مستوى متدن لسعر النفط العربي والعالمي، وقيام قوتين متناحرتين في الخليج وربما في الشرق الأوسط، داعش وإيران، لاعبت داعش حليفتها السرية بإيران صديقتها الجديدة، ولنبقى نحن منتظرين ولكن هل يدوم انتظارنا بدون تكلفة عالية وربما مدمرة جدا.. استفيقوا يرحمكم الله فخمسة + واحد تعني الكثير لهم، وتعني لنا أننا صرنا صفرا كبيرا!