يقول الشاعر "كم مات قومٌ وما ماتت مكارمهم.. وعاش قومٌ وهم في الناسِ أموات"، فالخلود في اللغة هو الدوام أو البقاء، وخلود الإنسان ليس دوام شخصه، بل دوام ذكره، قد يكون تخليد ذكر الشخص لمناقبه، أو مثالبه. كتاب "الخالدون مائة وأعظمهم محمد" من أشهر الكتب المترجمة في الفترة الأخيرة، وقد ترجم إلى 15 لغة، ووصلت مبيعاته إلى أكثر من 5 ملايين نسخة، تحدث فيه الكاتب بشكل سردي ونمطي، إلى حد ما عن مائة شخصية على مر العصور، ممن خلد التاريخ ذكرهم، بصرف النظر عن رؤيتي لهذه الشخصيات. مؤلف الكتاب "مايكل هارت"، وهو فيزيائي فلكي حصل على شهادات في العلوم، الفلك، الرياضيات، يعمل في هيئة الفضاء الأمريكية، ويعشق دراسة التاريخ. كانت هذه معلومات كتاب الخالدون مائة، ومن عادتي قبل أن أقرأ كتابًا أتصفحه، فإما وجدته يستحق القراءة، فأعود لبدايته لأقرأه عن شغف، وأجد فيه من المتعة بقدر ما أجد من الإفادة، وإما أجده كتابًا يخلو من المتعة وربما الإفادة، ولكن يدفعني إليه الاطّلاع. ولكن مع هذا الكتاب الذي أثار اهتمام الغرب والعرب معًا، وجدت أنني لابد من أن أطلع بشغف، وأن أستقرأ بوعي بعيدا عن المتعة، وأحاول التجرد من مشاعر غالبتني منذ قراءتي للكتاب، حتى أتمكن من رصد ما له وما عليه؛ فالرجل ليس أديبًا ولا باحثا إسلاميا، وإنما هو ينتمي لعالم الأرقام والمعادلات. سأبدأ بما له وما ورد في الكتاب من حقائق وثقّها كاتب ليس مسلما ولا عربيا، مع العلم أنه ليس أول غربي تناول شخص وحياة أفضل الخلق "عليه الصلاة والسلام"، فقد تناول الكثير من المستشرقين المنصفين شخصية رسولنا الكريم "محمد" عليه الصلاة والسلام، وهذا إقرار منهم بدور الرسالة المحمدية، في بناء الحضارة الغربية، التي لطالما غرقت في عصور مظلمة قبل الإسلام، ونحتاج لكتب حتى نجمع فيها كل ما قيل عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام. يقول "وليام موير" المؤرخ الإنجليزي، في كتابه "حياة محمد": "لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه، ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس وأحيى الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير، كما فعل نبي الإسلام محمد".